للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي رَجُلٍ دَمِيَ عَلَى رَجُلٍ ثُمَّ شَهِدَ شُهُودٌ أَنَّهُ قَالَ دَمِيَ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ قَبْلَهُ وَقَالَ لَمَّا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ إنِّي خَشِيت أَنْ يَرْجِعَ إلَيَّ فَيُتِمَّ عَلَيَّ أَنَّ ذَلِكَ يُبْطِلُ التَّدْمِيَةَ لِأَنَّ فِي تَدْمِيَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ أَوَّلًا إبْرَاءٌ لَهُ وَلَا يُصَدَّقُ فِي قَوْلِهِ أَخَافُ أَنَّهُ يُتِمُّ عَلَيَّ لِأَنَّهُ كَمَنْ أَبْرَأَ رَجُلًا مِنْ حَقٍّ ثُمَّ قَامَ يَطْلُبُهُ وَقَالَ: إنَّمَا أَبْرَأْته لِوَجْهِ كَذَا وَلِأَنَّهُ لَا عُذْرَ لَهُ فِي التَّدْمِيَةِ عَلَى بُرْءٍ لَمْ يَحِقَّ عَلَيْهِ لِخَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ فَلَمَّا أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ دَمِيَ أَوَّلًا عَلَى بَرِيءٍ اتَّهَمْنَاهُ فِي أَنَّهُ دَمِيَ ثَانِيًا عَلَى بَرِيءٍ وَإِذَا بَطَلَتْ التَّدْمِيَةُ صَارَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي حُكْمِ مَنْ قَوِيَتْ عَلَيْهِ التُّهْمَةُ بِالدَّمِ وَلَمْ يُوجَدْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَوَجَبَ أَنْ يُطَالَ سِجْنُهُ. وَقَدْ حُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يُحْبَسُ فِي اللَّطْخِ وَالشُّبْهَةِ حَتَّى أَنَّ أَهْلَهُ لَيَتَمَنَّوْنَ لَهُ الْمَوْتَ مِنْ طُولِ سِجْنِهِ وَإِنْ طَالَ سِجْنُهُ الدَّهْرَ الطَّوِيلَ وَلَمْ يَظْهَرْ بَرَاءَةٌ اُسْتُحْلِفَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَخُلِّيَ سَبِيلُهُ وَاَللَّهُ سَائِلُهُ وَحَسِيبُهُ انْتَهَى.

[فَرْعٌ دَمِيَ عَلَى رَجُلَيْنِ فَذَكَرَ أَنَّ أَحَدَهُمَا أَمْسَكَهُ وَالْآخَرَ قَتَلَهُ]

(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ أَيْضًا فِي نَوَازِلِهِ: دَمِيَ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ بِجُرْحٍ وَدَمِيَ أَخُو الْمُدْمَى عَلَيْهِ عَلَى الْمُدْمِي الْأَوَّلِ وَقَرِيبٍ لَهُ بِأَنَّ الْقَرِيبَ أَمْسَكَهُ وَصَارَ يَقُولُ الْآخَرُ: اضْرِبْ اُقْتُلْ. فَمَاتَ الْمُدْمَى الثَّانِي فَأَرَادَ أَخُو الْمُدْمَى عَلَيْهِ أَوَّلًا أَنْ يَقُومَ بِدَمِ أَخِيهِ فَهَلْ يُقْتَلُ الْمُدْمَى عَلَيْهِ مَعَ قَرِيبِهِ بِالْقَسَامَةِ قَبْلَ أَنْ تَبْرَأَ جِرَاحُهُ الَّتِي دَمِي بِهَا أَوْ يُؤَخِّرُ جِرَاحَهُ وَيُسْجَنُ؟ فَأَجَابَ لَا يُقْتَلُ الْمُدْمَى عَلَيْهِ حَتَّى تَبْرَأَ جِرَاحُهُ الَّتِي دَمِيَ بِهَا لِأَنَّ فِي قَتْلِهِ إبْطَالُ مَا وَجَبَ لِأَوْلِيَائِهِ مِنْ الْقَسَامَةِ عَلَى قَاتِلِهِ وَالْوَاجِبُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُسْجَنَ الثَّلَاثَةُ الْمُدْمَى عَلَيْهِمْ فَإِنْ صَحَّ الْمُدْمَى الْأَوَّلُ مِنْ جِرَاحِهِ أَقْسَمَ أَخُو الْمَيِّتِ عَلَيْهِ مَعَ أَحَدٍ مِنْ بَنِي عَمِّهِ عَلَى قَرِيبِ الْمُدْمَى الْأَوَّلِ وَقَتَلُوهُ بِقَسَامَتِهِمْ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ قَتْلِ اثْنَيْنِ بِالْقَسَامَةِ غَرِيبٌ وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْبُرْزُلِيُّ وَنَقَلَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ وَنَصَّهُ ابْنُ الْحَاجِّ فِيمَنْ دَمِيَ عَلَى رَجُلَيْنِ فَذَكَرَ أَنَّ أَحَدَهُمَا أَمْسَكَهُ وَالْآخَرَ قَتَلَهُ فَيَكُونُ بِمَثَابَةِ مَا لَوْ أَدْمَى عَلَى رَجُلَيْنِ فَتَكُونُ الْقَسَامَةُ وَتَدْخُلُ الثَّلَاثَةُ الْأَقْوَالُ أَنْ تَقْسِمَ الْوُلَاةُ عَلَى وَاحِدٍ وَالْقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ فِي رَجُلٍ أَمْسَكَ رَجُلًا وَقَتَلَهُ آخَرُ فَقَالَ «اُقْتُلُوا الْقَاتِلَ وَأَحْيُوا الضَّارِيَ» بِمَعْنَى احْبِسُوا الَّذِي حَبَسَهُ لِلْمَوْتِ حَتَّى يَمُوتَ

<<  <  ج: ص:  >  >>