للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ مُرَادُهُ لَوْ وَقَفَ لِقَبْضِ رُوحِي مَا سَيَّبْته فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَدَرَ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ وَمَعْنَى لَا أُسَيِّبُهُ وَلَوْ فِي ذَلِكَ ذَهَابُ الرُّوحِ وَهَذَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَلَكِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قُلْت) وَأَمَّا لَوْ قَصَدَ الِاسْتِخْفَافَ بِذَلِكَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُؤَدَّبُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الشِّفَاءِ وَأَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ: لَوْ سَبَّنِي مَلَكٌ لَسَبَبْتُهُ.

وَسُئِلَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الشَّافِعِيِّ مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ قَالَ فِي مَلَأٍ مِنْ النَّاسِ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِي حَقِيقَةِ الْفَقِيرِ. فَقَالَ الْفَقِيرُ الَّذِي لَا حَاجَةَ لَهُ إلَى اللَّهِ فَهَلْ فِي إطْلَاقِ هَذَا الْقَوْلِ شَيْءٌ أَمْ لَا؟ وَهَلْ إذَا ذَكَرَ لِذَلِكَ تَأْوِيلًا مُحْتَمَلًا وَلَوْ عَلَى بُعْدٍ أَيُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ أَوْ لَا؟ فَأَجَابَ يُعَزَّرُ عَلَى ذَلِكَ تَعْزِيرًا بَلِيغًا رَادِعًا، وَيُجَدِّدُ إسْلَامَهُ وَلَا يُقْبَلُ تَأْوِيلُهُ فِي هَذَا الْقَوْلِ لِمَا فِيهِ مِنْ سُوءِ الْأَدَبِ وَالرَّدِّ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ} [فاطر: ١٥] وَهَذَا الْقَوْلُ إنْ لَمْ يَكُنْ كُفْرًا فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْكُفْرِ. فَلَا أَكْثَرَ اللَّهُ مِنْ هَذِهِ الشَّيَاطِينِ الْمُضِلِّينَ وَيَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يُبَالِغَ فِي رَدْعِ هَذَا الْخَبِيثِ الْمُجْتَرِئِ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ اهـ.

(قُلْت) لَعَلَّهُ تَرَدَّدَ فِي كَوْنِ هَذَا اللَّفْظِ كُفْرًا لِكَوْنِ قَائِلِهِ ذَكَرَ لَهُ تَأْوِيلًا وَأَمَّا مَنْ اعْتَقَدَ مَعْنَى هَذَا اللَّفْظِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ مُكَذِّبٌ لِلْقُرْآنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَسُئِلَ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ رَجُلٍ ظَلَمَهُ مُكَّاسٌ ظُلْمًا كَثِيرًا فَقَالَ الرَّجُلُ: الَّذِي يَكْتُبُهُ فُلَانٌ الْمُكَّاسُ مَا يَمْحِيهِ رَبُّنَا. مَا يَلْزَمُهُ؟ فَأَجَابَ إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ عَدَمَ تَعَلُّقِ قُدْرَةِ الرَّبِّ فَإِنَّهُ لَا يَكْفُرُ سَوَاءٌ قَصَدَ أَنَّ الْمُكَّاسَ شَدِيدُ الْبَأْسِ يُصَمِّمُ عَلَى مَا يَكْتُبُ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ فَإِنْ قَصَدَ أَنَّ رَبَّنَا لَا يَقْدِرُ عَلَى مَحْوِهِ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ وَيُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ.

وَسُئِلَ عَنْ مُسْلِمٍ قَالَ لِذِمِّيٍّ فِي عِيدٍ مِنْ أَعْيَادِهِمْ: عِيدٌ مُبَارَكٌ عَلَيْك. هَلْ يَكْفُرُ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ إنْ قَالَهُ الْمُسْلِمُ لِلذِّمِّيِّ عَلَى قَصْدِ تَعْظِيمِ دِينِهِمْ وَعِيدِهِمْ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا جَرَى ذَلِكَ عَلَى لِسَانِهِ فَلَا يَكْفُرُ لِمَا قَالَهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ.

وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ يَدَّعِي أَنَّهُ إذَا غَضِبَ عَلَى أَحَدٍ أُصِيبَ فِي بَدَنِهِ أَوْ مَنْصِبِهِ لِأَجْلِ غَضَبِهِ. فَقَالَ لَهُ: رَجُلٌ لَوْ سَمِعَ اللَّهُ مِنْك لَأَخْرَبَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ يَعْنِي لَوْ قَبِلَ دُعَاءَك. فَهَلْ يَجِبُ عَلَى قَائِلِ هَذَا الْكَلَامِ شَيْءٌ؟ وَمَاذَا يَجِبُ عَلَى مَنْ قَالَ لَهُ كَفَرْت بِهَذَا الْكَلَامِ؟ فَأَجَابَ لَا يَجِبُ عَلَى قَائِلِ ذَلِكَ شَيْءٌ وَمَنْ رَمَاهُ بِكُفْرٍ أَوْ غَيْرِهِ بِالتَّأْوِيلِ زُجِرَ عَنْ ذَلِكَ. وَيَعْرِفُ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ} [المؤمنون: ٧١] وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتُوبَ عَمَّا صَدَرَ مِنْهُ.

وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ يُصْبِحُ كُلَّ يَوْمٍ يَشْتَغِلُ بِالنَّاسِ وَيَجْعَلُهُمْ فِي غَيْرِ الْإِسْلَامِ. وَيَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا أَكَلَتْ الْعُلَمَاءُ الرِّشَا أَكَلَتْ النَّاسُ الْحَرَامَ وَإِذَا أَكَلَتْ الْعُلَمَاءُ الْحَرَامَ كَفَرَتْ النَّاسُ. وَيَذْكُرُ أَنَّهُ وَقْتُنَا هَذَا. فَعُوتِبَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: مَا قُلْتُهُ مِنْ عِنْدِي قَالَهُ الْفَقِيهُ حُسَيْنٌ الْمَغْرِبِيُّ فَأَجَابَ قَدْ ارْتَكَبَ الْمَذْكُورُ كَبَائِرَ بِجَعْلِ الْمُسْلِمِينَ فِي غَيْرِ الْإِسْلَامِ. وَبِمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْعُلَمَاءِ وَعَنْ كُفْرِ النَّاسِ وَبِذِكْرِهِ أَنَّهُ وَقْتُنَا وَقَدْ كُذِّبَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَافْتَرَى. فَدِينُ الْإِسْلَامِ بِحَمْدِ اللَّهِ قَائِمٌ وَالْأُمَّةُ الْمُحَمَّدِيَّةُ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ قَائِمَةٌ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَبْعَثُ لِلْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ عَامٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا أَمْرَ دِينِهَا وَيَجِبُ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ التَّعْزِيرُ الْبَلِيغُ الزَّاجِرُ لَهُ وَلِأَمْثَالِهِ عَنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الْبَاطِلَةِ وَيُبَادِرُ إلَى التَّوْبَةِ فَإِذَا ظَهَرَ مِنْ حُسَيْنٍ الْمَغْرِبِيِّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ انْتَهَى.

(قُلْت) وَمَا ذَكَرَهُ كَلَامٌ لَا مَعْنَى لَهُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الرِّشَا أَخَفُّ مِنْ الْحَرَامِ. وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ: إنَّ الرِّشَا أَخْبَثُ مِنْ الْحَرَامِ وَإِنَّهَا السُّحْتُ

. وَسُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ قَالَ فِي مِيعَادِهِ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: «إنَّ مِنْ عِبَادِي مَنْ لَا يُوَافِقُهُ إلَّا الْفَقْرُ وَلَوْ أَغْنَيْته لَفَسَدَ» الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ وَمُرَادُ الْحَقِّ مِنْ الْخَلْقِ مَا هُمْ عَلَيْهِ. فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ رَجُلٌ صِحَّةَ هَذَا الْحَدِيثِ فَهَلْ الْحَدِيثُ مَرْوِيٌّ؟ وَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَمُرَادُ الْحَقِّ مِنْ الْخَلْقِ مَا هُمْ عَلَيْهِ؟ فَأَجَابَ هَذَا أَثَرٌ مَرْوِيٌّ وَمَعْنَاهُ صَحِيحٌ وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَى قَائِلِهِ شَيْءٌ وَمَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ مَا يَفْعَلُهُ الْخَلْقُ وَمَا اشْتَمَلُوا عَلَيْهِ مِنْ هُدًى وَغَيٍّ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ وَإِرَادَتِهِ. وَهَذَا اعْتِقَادُ أَهْلِ السُّنَّةِ

وَسُئِلَ الشَّيْخُ

<<  <  ج: ص:  >  >>