للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمُثْلَةُ الَّتِي يَعْتِقُ بِهَا الْعَبْدُ عَلَى سَيِّدِهِ قَطْعٌ وَكَذَلِكَ إنْ قَطَعَ أُنْمُلَةٍ الْعَبْدِ أَوْ خَصَاهُ قَالَ رَبِيعَةُ: أَوْ قَطَعَ حَاجِبَيْهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَوْ قَلَعَ أَسْنَانَهُ عَلَى وَجْهِ الْعَذَابِ وَكَذَلِكَ أَفْتَى مَالِكٌ وَغَيْرُهُ فِي الَّتِي سَحَلَتْ أَسْنَانَ جَارِيَتِهَا وَلَوْ أَحْرَقَهُ بِالنَّارِ عَلَى وَجْهِ الْعَذَابِ عَتَقَ، وَإِنْ كَوَاهُ تَدَاوِيًا لَمْ يَعْتِقْ انْتَهَى. وَانْظُرْ اللَّخْمِيَّ وَالزَّنَاتِيَّ وَكَلَامَ التَّوْضِيحِ فِي أَوَاخِرِ الْجِهَادِ عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَوْ سَرَقُوا فِي مُعَاهَدَتِهِمْ نَصُّ مَا فِي التَّوْضِيحِ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ، وَإِنَّ خِصَاءَ الْمُسْتَأْمَنِ أَوْ الْمُعَاهَدِ عَبْدَهُ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَكَأَنَّهُ خَصَاهُ بِبَلَدِهِ انْتَهَى.

وَكَلَامُ اللَّخْمِيِّ وَالزَّنَاتِيِّ هُوَ أَنَّهُمَا جَعَلَا الْعِتْقَ بِالْمُثْلَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: يَعْتِقُ فِي وَاحِدٍ وَلَا يَعْتِقُ فِي ثَلَاثَةٍ فَاَلَّذِي يَعْتِقُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ عَمْدًا عَلَى وَجْهِ الْعَذَابِ وَاَلَّتِي لَا يَعْتِقُ فِيهَا أَنْ يَكُونَ خَطَأً أَوْ عَمْدًا عَلَى وَجْهِ الْمُدَاوَاةِ وَالْعِلَاجِ أَوْ شَبِيهَةً بِالْعَمْدِ، وَلَيْسَتْ بِصَرِيحَةٍ مِثْلَ أَنْ يَحْذِفَهُ بِسَيْفٍ أَوْ سِكِّينٍ فَيَبِينُ مِنْهُ عِنْدَ ذَلِكَ عُضْوٌ قَالَ ابْنُ دِينَارٍ فِي شَرْحِ ابْنِ مُزَيْنٍ لَا يَكُونُ مُثْلَةً بِضَرْبَةٍ أَوْ رَمْيَةٍ، وَإِنْ كَانَ عَامِدًا لِذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَامِدًا لِلْمُثْلَةِ بِضَجْعَةٍ فَيُمَثِّلُ بِهِ، وَفِي مِثْلِ مَا يُسْتَقَادُ لِلِابْنِ مِنْ أَبِيهِ وَهَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ شَفَقَةُ الْإِنْسَانِ عَلَى مَالِهِ وَقَدْ يُرِيدُ تَهْدِيدَهُ وَلَا يُرِيدُ خُرُوجَهُ عَنْ مِلْكِهِ بِالْعِتْقِ عَنْ الْمُثْلَةِ وَقَدْ يُرِيدُ الْمُثْلَةَ حَقِيقَةً فَإِذَا احْتَمَلَ فِعْلُهُ الْوَجْهَيْنِ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ وَتَرَكَ، وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ إذَا ضَرَبَ رَأْسَهُ فَنَزَلَ الْمَاءُ فِي عَيْنَيْهِ لَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ ضَرْبَ الرَّأْسِ دُونَ مَا أَحْدَثَ انْتَهَى.

مِنْ اللَّخْمِيِّ وَنَقَلَهُ الزَّنَاتِيُّ وَغَيْرُهُ فَانْظُرْ عَلَى هَذَا إذَا خَصَى الْإِنْسَانُ عَبْدَهُ فَإِنْ كَانَ قَاصِدًا لِتَعْذِيبِهِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ غَارَ السَّيِّدُ مِنْهُ فَإِنْ رَآهُ يَتَعَرَّضُ لِحَرِيمِهِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَقَصَدَ بِخِصَائِهِ تَنْكِيلَهُ بِذَلِكَ كَمَا وَرَدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ كَانَ لِزِنْبَاعٍ عَبْدٌ يُسَمَّى سَنْدَرَ بْنَ سَنْدَرٍ فَوَجَدَهُ يُقَبِّلُ جَارِيَةً لَهُ فَجَبَّهُ وَجَدَعَ أَنْفَهُ فَعَتَقَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَالَ «مَنْ مَثَّلَ بِعَبْدِهِ وَأَحْرَقَهُ بِالنَّارِ فَهُوَ حُرٌّ، وَهُوَ مَوْلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ» ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ، وَإِنْ حَصَلَ لِلْعَبْدِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مَرَضٌ فَأَدَّى عِلَاجُهُ وَمُدَاوَاتُهُ إلَى خِصَائِهِ لَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهِ وَأَمَّا إذَا خَصَاهُ لَا لِتَعْذِيبِهِ وَلَا لِقَصْدِ الْمُدَاوَاةِ بَلْ لِيَزِيدَ ثَمَنَهُ فَمَفْهُومُ أَوَّلِ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ، كَمَا نَقَلَهُ الْجُزُولِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى فِي سُورَةِ النِّسَاءِ {وَلأُضِلَّنَّهُمْ} [النساء: ١١٩] وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ خِصَاءَ بَنِي آدَمَ لَا يَحِلُّ وَلَا يَجُوزُ، وَأَنَّهُ مُثْلَةٌ، وَتَغْيِيرٌ لِخَلْقِ اللَّهِ وَكَذَلِكَ قَطْعُ سَائِرِ أَعْضَائِهِ مِنْ غَيْرِ حَدٍّ وَلَا قَوَدٍ، قَالَهُ أَبُو عِمْرَانَ انْتَهَى. وَقَالَ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النساء: ١١٩] وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَسْمَ وَالْإِشْعَارَ مُسْتَثْنًى مِنْ نَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ شَرِيطَةِ الشَّيْطَانِ، وَمِنْ نَهْيِهِ عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ بِالنَّارِ، وَالْوَسْمُ الْكَيُّ بِالنَّارِ وَأَصْلُهُ الْعَلَامَةُ، وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ «رَأَيْت فِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمِيسَمَ، وَهُوَ يَسِمُ إبِلَ الصَّدَقَةِ وَالْفَيْءِ» وَغَيْرِ ذَلِكَ حَتَّى يُعْرَفَ كُلُّ مَالٍ فَيُؤَدَّى حَقُّهُ وَلَا يُتَجَاوَزُ بِهِ إلَى غَيْرِهِ انْتَهَى. وَفِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ: مَسْأَلَةٌ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْخَصِيِّ وَالْمَجْبُوبِ؛ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْفِعْلِ عَتَقَ عَلَى مَالِكِهِ وَقِيلَ يَجُوزُ بَيْعُهُ إذَا كَانَ سَيِّدُهُ كَافِرًا انْتَهَى.

ص (وَبِالْحُكْمِ جَمِيعُهُ إنْ أَعْتَقَ جُزْءًا) ش قَالَ ابْنُ رُشْدٍ سَأَلَنِي سَائِلٌ أَنْ أُوَضِّحَ لَهُ مَعْنَى قَوْلِ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ فِي التَّلْقِينِ: وَلَا يَجُوزُ تَبْعِيضُ الْعِتْقِ ابْتِدَاءً وَمَنْ بَعَّضَ الْعِتْقَ بِاخْتِيَارٍ لَهُ أَوْ بِسَبَبِهِ لَزِمَهُ تَكْمِيلُهُ كَانَ الْبَعْضُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا وُجُودُ ثَمَنِهِ، وَالْآخَرُ بَقَاءُ مِلْكِهِ وَقِيلَ فِي هَذَا: يَلْزَمُ فِي ثُلُثِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا (فَقُلْت) أَمَّا قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ تَبْعِيضُ الْعِتْقِ، فَهُوَ كَلَامٌ لَيْسَ عَلَى حَقِيقَةِ ظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّ تَبْعِيضَ الْعِتْقِ هُوَ أَنْ يُعْتِقَ الرَّجُلُ بَعْضَ عَبْدِهِ أَوْ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَزِمَهُ الْعِتْقُ وَمَضَى بِلَا خِلَافٍ وَلَزِمَهُ فِيهِ حُكْمٌ، وَهُوَ التَّتْمِيمُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>