للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الرِّبْحَ لِلْيَتِيمِ، وَالضَّمَانَ عَلَى الْوَصِيِّ بِتَعَدِّيهِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِي سَمَاعِهِ هَذَا إذَا تَجَرَ بِهِ لِنَفْسِهِ وَلَا وَفَاءَ لَهُ انْتَهَى.

ص (وَلَا يَعْمَلُ هُوَ بِهِ)

ش: قَالَ الشَّارِحُ أَيْ لَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَعْمَلَ هُوَ بِنَفْسِهِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَمُؤَاجِرِ نَفْسِهِ مِنْهُ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ انْتَهَى. زَادَ فِي الْوَسَطِ وَقِيلَ إنْ عَمِلَ بِهِ عَلَى وَجْهٍ يُشْبِهُ قِرَاضَ مِثْلِهِ مَضَى كَشِرَاءِ شَيْءٍ لِلْيَتِيمِ انْتَهَى. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ يَقُولُ: لَا يَمْضِي مُطْلَقًا وَكَذَا سَاقَ الْقَوْلَيْنِ فِي الشَّامِلِ وَصَدَّرَ بِالْأَوَّلِ، وَعَطَفَ الثَّانِيَ بِقِيلَ، وَنَصُّهُ: " وَلَوْ دَفَعَ مَالَهُ قِرَاضًا وَدِيعَةً وَلَا يَعْمَلُ هُوَ بِنَفْسِهِ وَقِيلَ إنْ وَقَعَ عَلَى جُزْءٍ يُشْبِهُ قِرَاضَ مِثْلِهِ كَشِرَاءِ سِلْعَةٍ لِيَتِيمِهِ لَا لِنَفْسِهِ مِنْ التَّرِكَةِ وَنَظَرَ فِيهِ الْحَاكِمُ، وَهَلْ يَوْمُ الشِّرَاءِ أَوْ يَوْمُ الدَّفْعِ أَوْ الْآنَ؟ أَقْوَالٌ، وَقِيلَ تُعَادُ لِلسُّوقِ، فَإِنْ زَادَ فَلِلْيَتِيمِ وَإِلَّا مَضَى، وَفِيهَا سُئِلَ عَنْ حِمَارَيْنِ ثَمَنُهُمَا ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ وَتَسَوَّقَ بِهِمَا بَدْوًا وَحَضَرًا فَأَرَادَ الْوَصِيُّ أَخْذَهَا بِمَا أَعْطَى فَأَجَازَهُ انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لَهُ، وَنَصُّهُ: لِأَشْهَبَ فِي الْكِتَابَيْنِ لَا يَعْمَلُ الْوَصِيُّ بِمَالِ الْيَتِيمِ قِرَاضًا كَمَا لَا يَبِيعُ مِنْهُمْ مِنْ نَفْسِهِ وَلَا يَشْتَرِي لَهُمْ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابٍ آخَرَ: إنْ أَخَذَهُ عَلَى جُزْءٍ مِنْ الرِّبْحِ يُشْبِهُ قِرَاضَ مِثْلِهِ مَضَى ذَلِكَ انْتَهَى.

وَالْمُرَادُ بِالْكِتَابَيْنِ الْمَجْمُوعَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ وَظَاهِرُ كَلَامِ التَّوْضِيحِ أَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ مِنْ كَمَالِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَمُفَرَّعٌ عَلَيْهِ، وَنَصُّهُ: " قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَا يَعْمَلُ هُوَ بِهِ قِرَاضًا عِنْدَ أَشْهَبَ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ؛ لِأَنَّهُ كَمُؤَاجِرِ نَفْسِهِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ كَمَا لَا يَبِيعُ لَهُ سِلْعَةً لِنَفْسِهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، فَإِنْ أَخَذَهُ عَلَى الْجُزْءِ مِنْ الرِّبْحِ يُشْبِهُ قِرَاضَ مِثْلِهِ أُمْضِيَ كَشِرَائِهِ لِلْيَتِيمِ اهـ. وَانْظُرْ ع ز وَابْنَ الْحَاجِبِ وَابْنَ عَرَفَةَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لِأَشْهَبَ وَقَبُولُ الْمُصَنِّفِ لِذَلِكَ وَإِقْرَارُهُ مَعَ أَنَّهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَفِي كِتَابِ الرُّهُونِ وَهُوَ نَصُّهَا الْمُتَقَدِّمُ فِي أَوَّلِ الْقَوْلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يُعْطِيَ مَالَ الْيَتِيمِ مُضَارَبَةً وَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَعْمَلَ بِهِ الْوَصِيُّ لِنَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَتَّجِرَ لِلْيَتِيمِ أَوْ يُقَارِضَ لَهُ بِهِ غَيْرُهُ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: مَخَافَةَ أَنْ يُحَابِيَ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّهُ مَعْزُولٌ عَنْ نَفْسِهِ خَوْفَ أَنْ يُحَابِيَ نَفْسَهُ، فَإِنْ عَمِلَ بِهِ بِنَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ عَمَلُهُ مِثْلَ الْجُزْءِ الَّذِي سَمَّى كَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شُرِطَ، وَإِنْ خَسِرَ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ كَانَ الْجُزْءُ أَكْثَرَ مِنْ الْعَمَلِ كَانَ لَهُ قِرَاضُ مِثْلِهِ، فَإِنْ خَسِرَ اُخْتُلِفَ هَلْ يَضْمَنُ أَمْ لَا؟ وَالتَّضْمِينُ ضَعِيفٌ انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْبَزِّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا فِي شَرْحِ مَسْأَلَةٍ وَهِيَ وَسُئِلَ عَنْ الْوَصِيِّ يُقَارِضُ بِمَالِ الْيَتِيمِ الَّذِي أُوصِيَ إلَيْهِ بِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ لَا بَأْسَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَإِنْ هَلَكَ إنْ كَانَ دَفَعَهُ إلَى أَمِينٍ. ابْنُ رُشْدٍ هَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَدْفَعَ مَالَ يَتِيمِهِ مُضَارَبَةً؛ لِأَنَّهُ يَنْظُرُ لَهُ بِمَا يَنْظُرُ لِنَفِيسِهِ، وَمِثْلُ هَذَا فِي الرُّهُونِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَتَّجِرَ بِمَالِ الْيَتِيمِ أَوْ يُقَارِضَ بِهِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَعْمَلَ هُوَ بِهِ مُضَارَبَةً، قَالَ فِي الزَّكَاةِ مِنْ كِتَابِ ابْنِ مُزَيْنٍ، فَإِنْ عَمِلَ بِهِ بِقِرَاضِ مِثْلِهِ جَازَ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ضَمَانٌ إنْ تَلِفَ، وَإِنْ عَمِلَ فِيهِ بِأَكْثَرَ مِنْ قِرَاضِ مِثْلِهِ، فَغَبَنَ الْيَتِيمَ فِي ذَلِكَ رَدَّ إلَى قِرَاضِ مِثْلِهِ، وَضَمِنَ الْمَالَ إنْ تَلِفَ قَالَ يَحْيَى بْنُ إبْرَاهِيمَ قَوْلُهُ: فِي الضَّمَانِ ضَعِيفٌ انْتَهَى.

فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَأَنَّ النَّهْيَ فِيهَا عَلَى الْكَرَاهَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ وَكَمَا هُوَ ظَاهِرُ لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ، وَأَنَّ مَا فِي ابْنِ مُزَيْنٍ مِنْ تَتِمَّةِ الْمَسْأَلَةِ وَتَفْسِيرٍ لَهَا كَمَا نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَكَمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَرَعٌ الْوَصِيِّ أَيُصَالِحُ عَنْ الْأَيْتَامِ]

(فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) قَالَ الْمَشَذَّالِيّ فِي حَاشِيَتِهِ فِي الرُّهُونِ: أُخِذَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يَأْخُذَ مَالَ الْيَتِيمِ مُضَارَبَةً جَوَازُ الصُّلْحِ عَلَى الْمَحْجُورِ فِيمَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ، وَخَافَ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الْمَحْجُورِ أَوْ طَلَبَ الْمَحْجُورُ دَعْوَى عَلَى الْغَيْرِ فَخَافَ الْوَصِيُّ أَنْ لَا يَثْبُتَ أَنَّهُ يُصَالِحُ عَلَى الْبَعْضِ بِعَطِيَّةٍ أَوْ يَأْخُذَهُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الطِّرَازِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ جَوَّزَ دَفْعَ الْمَالِ مُضَارَبَةً مَعَ احْتِمَالِ ذَهَابِهِ فَضْلًا عَنْ حُصُولِ رَأْسِ الْمَالِ فَضْلًا عَنْ الرِّبْحِ قُلْت

<<  <  ج: ص:  >  >>