للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ الْمُسْتَفْتِي عَلَى أَيِّهِمَا أَحَبَّ. وَالثَّانِي أَنَّهُ فِي ذَلِكَ كَالنَّاقِلِ يُخْبِرُهُ بِالْقَائِلِينَ وَهُوَ يُقَلِّدُ أَيُّهُمْ أَحَبَّ كَمَا لَوْ كَانُوا أَحْيَاءَ انْتَهَى. وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَهْلٌ لِلتَّرْجِيحِ وَإِلَّا فَلْيُرَجِّحْ أَحَدَ الْأَقْوَالِ وَذَكَرَ الْقَرَافِيُّ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ أَنَّ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ بَعْدَ عَجْزِهِ عَنْ التَّرْجِيحِ وَذَكَرَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَهْلِيَّةٌ لِلتَّرْجِيحِ إذَا وَجَدَ اخْتِلَافًا بَيْنَ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ فِي التَّرْجِيحِ فَلْيُفَزِّعْ إلَى صِفَاتِهِمْ الْمُوجِبَةِ بِزِيَادَةِ الثِّقَةِ بِآرَائِهِمْ فَالْأَعْلَمُ الْوَرِعُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَوْرَعِ الْعَالِمِ وَكَذَا إذَا لَمْ يَجِدْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ اعْتَبَرَ صِفَةَ الْقَائِلِينَ أَوْ النَّاقِلِينَ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَهَذَا الْحُكْمُ جَارٍ فِي أَصْحَابِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَمُقَلِّدِيهِمْ وَذَكَرَ ابْنُ الْفُرَاتِ أَنَّ عَمَلَ الشُّيُوخِ جَرَى عَلَى أَنَّ الْمُفْتِيَ يَحْكِي الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْأَقْوَالَ وَكَذَا ذَكَرَ الْجُزُولِيُّ فِي آخِرِ شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ غَازِيٍّ أَنَّهُ جَرَى بِهِ الْعَمَلُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَخْتَلِفَ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْمُسْتَفْتِينَ، وَمَنْ لَدَيْهِ مِنْهُمْ مَعْرِفَةٌ، وَمَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (وَاعْتَبَرَ مِنْ الْمَفَاهِيمِ مَفْهُومَ الشَّرْطِ فَقَطْ)

ش: الْمَفَاهِيمُ جَمْعُ مَفْهُومٍ وَالْمَفْهُومُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ لَا فِي مَحِلِّ النُّطْقِ أَيْ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ بِمَنْطُوقِهِ وَهُوَ قِسْمَانِ: مَفْهُومُ مُوَافَقَةٍ وَمَفْهُومُ مُخَالَفَةٍ، (فَمَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ) أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْمَفْهُومِ مُوَافِقًا لِحُكْمِ الْمَنْطُوقِ وَهُوَ قِسْمَانِ فَحْوَى الْخِطَابِ وَلَحْنُ الْخِطَابِ (فَفَحْوَى الْخِطَابِ) أَنْ يَكُونَ الْمَفْهُومُ أَوْلَى بِالْحُكْمِ مِنْ الْمَنْطُوقِ كَتَحْرِيمِ ضَرْبِ الْوَالِدَيْنِ الدَّالِ عَلَيْهِ نَظَرًا لِلْمَعْنَى قَوْله تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: ٢٣] فَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ الْمَنْطُوقِ؛ لِأَنَّ الضَّرْبَ أَشَدَّ مِنْهُ فِي الْإِذَايَةِ وَالْعُقُوقِ (وَلَحْنُ الْخِطَابِ) أَنْ يَكُونَ الْمَفْهُومُ مُسَاوِيًا لِحُكْمِ الْمَنْطُوقِ كَتَحْرِيمِ إحْرَاقِ مَالِ الْيَتِيمِ الدَّالِ عَلَيْهِ نَظَرًا لِلْمَعْنَى إنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا فَإِنَّ الْإِحْرَاقَ مُسَاوٍ لِلْأَكْلِ فِي إتْلَافِهِ عَلَى الْيَتِيمِ (وَمَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ) أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْمَفْهُومِ مُخَالِفًا لِحُكْمِ الْمَنْطُوقِ وَهُوَ عَشَرَةُ أَنْوَاعٍ كَمَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ: مَفْهُومُ الصِّفَةِ نَحْوَ «فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ» وَمَفْهُومُ الْعِلَّةِ نَحْوَ «أَعْطِ السَّائِلَ لِلْحَاجَةِ» وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ نَحْوَ مَنْ تَطَهَّرَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَمَفْهُومُ الِاسْتِثْنَاءِ نَحْوَ قَامَ الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا وَمَفْهُومُ الْغَايَةِ نَحْوَ {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: ١٨٧] وَمَفْهُومُ الْحَصْرِ نَحْوَ {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ} [طه: ٩٨] وَمَفْهُومُ الزَّمَانِ نَحْوَ سَافَرْت يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَمَفْهُومُ الْمَكَانِ نَحْوَ جَلَسْت أَمَامَ زَيْدٍ وَمَفْهُومُ الْعَدَدِ نَحْوَ {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: ٤] وَمَفْهُومُ اللَّقَبِ وَهُوَ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ عَلَى مُجَرَّدِ أَسْمَاءِ الذَّوَاتِ نَحْوَ «فِي الْغَنَمِ الزَّكَاةُ» وَهِيَ حُجَّةٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَّا مَفْهُومُ اللَّقَبِ فَقَالَ بِهِ الدَّقَّاقُ وَابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ وَجَمَعَهَا ابْنُ غَازِيٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَيْتٍ فَقَالَ

صِفْ وَاشْتَرِطْ عَلِّلْ وَلَقِّبْ ثَنِّيَا ... وَعُدَّ ظَرْفَيْنِ وَحَصْرًا أَغْيَا

وَقَوْلُهُ: ثَنِّيَا، يَعْنِي بِهِ الِاسْتِثْنَاءَ، وَقَوْلُهُ: أَغْيَا، أَيْ غَايَةً قَالَ: وَإِنَّمَا خَصَّ مَفْهُومَ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَاهَا، إذْ يَقُولُ بِهِ بَعْضُ مَنْ لَا يَقُولُ بِغَيْرِهِ إلَّا الْغَايَةَ فَإِنَّهُ يَقُولُ بِهِ بَعْضُ مَنْ لَا يَقُولُ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ إلَّا أَنَّهُ قَلِيلٌ لَا يَتَأَتَّى مَعَهُ اخْتِصَارٌ فَلِذَلِكَ تَرَكَهُ انْتَهَى.

بَلْ جَعَلَ بَعْضُهُمْ الْغَايَةَ مِنْ الْمَنْطُوقِ وَفِي رُتْبَةِ الْغَايَةِ مَفْهُومُ الْحَصْرِ وَقِيلَ فِيهِ: إنَّهُ مَنْطُوقٌ، ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهُوَ مُعْتَبَرٌ عِنْدَهُ كَقَوْلِهِ فِي بَابِ الْحَجْرِ: وَلِلْوَلِيِّ رَدُّ تَصَرُّفِ مُمَيِّزٍ إذْ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ أَحْرَى فَعَلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ النَّصِّ أَوْ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ فَلَا إشْكَالَ وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ مِنْ الْمَفْهُومَاتِ فَهُوَ أَحْرَى مِنْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ فَكَأَنَّهُ اعْتَبَرَهُ فِي نَفْسِ مَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ، انْتَهَى. يَعْنِي فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: إذَا اعْتَبَرْت مَفْهُومَ الشَّرْطِ فَأَحْرَى مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ وَعَلَى قِيَاسِ مَا قَالَهُ ابْنُ غَازِيٍّ فِي مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ يُقَالُ فِي مَفْهُومِ الْغَايَةِ وَالْحَصْرِ: إنَّهُمَا مُعْتَبَرَانِ؛ لِأَنَّهُمَا أَعْلَى مَنْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ وَكُلُّ مَنْ قَالَ بِالشَّرْطِ قَالَ بِهِمَا وَالْخِلَافُ فِيهِمَا أَضْعَفُ مِنْ الْخِلَافِ فِي غَيْرِهِمَا فَكَأَنَّهُ قَالَ اُعْتُبِرَ مَفْهُومُ الشَّرْطِ

<<  <  ج: ص:  >  >>