للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: ١٥٧] .

(تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) قَوْلُنَا: وَضْعُ الشَّرْعِ وَنَقْلُ الشَّرْعِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ: صَاحِبِ الشَّرْعِ قَالَ الْقَرَافِيُّ: لِأَنَّ الشَّرْعَ هُوَ الرِّسَالَةُ وَالرِّسَالَةُ لَا تَضَعُ لَفْظًا، إنَّمَا يُتَصَوَّرُ الْوَضْعُ مِنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ الَّذِي هُوَ اللَّهُ - تَعَالَى - انْتَهَى. وَالصَّلَوَانُ بِفَتْحِ الصَّادِ وَاللَّامِ تَثْنِيَةُ صَلَى بِالْقَصْرِ وَحَلْبَةُ السِّبَاقِ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ قَالَ فِي الصِّحَاحِ: خَيْلٌ تُجْمَعُ لِلسِّبَاقِ مِنْ كُلِّ أَوْبٍ أَيْ: نَاحِيَةٍ لَا تَخْرُجُ مِنْ إصْطَبْلٍ وَاحِدٍ انْتَهَى. وَالسِّبَاقُ بِكَسْرِ السِّينِ الْمُسَابَقَةُ، وَقَوْلُهُمْ: صَلَّيْتُ الْعُودَ عَلَى النَّارِ بِالتَّشْدِيدِ نَقَلَهُ الدَّمِيرِيُّ فِي شَرْحِ سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ، قَالَ: وَاعْتَرَضَ النَّوَوِيُّ ذَلِكَ بِأَنَّ صَلَّيْت لَامُهُ يَاءٌ وَلَامُ الصَّلَاةِ وَاوٌ. وَرُدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمُشَدَّدَ تُقْلَبُ فِيهِ الْوَاوُ يَاءً نَحْوُ زَكَّيْتُ الْمَالَ وَصَلَّيْتُ الظُّهْرَ قَالَ الدَّمِيرِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَوَهَّمَ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ صَلَيْتُ اللَّحْمَ بِالتَّخْفِيفِ صَلْيًا كَرَمَيْتُ رَمْيًا إذَا شَوَيْتُهُ. الثَّانِي قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَعْنِي الْقَوْلَ بِالنَّقْلِ فَهُوَ لَمَّا نَقَلَ الشَّرْعُ هَذَا اللَّفْظَ جَعَلَهُ مُتَوَاطِئًا لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ أَوْ جَعَلَهُ مُشْتَرَكًا كَلَفْظِ الْعَيْنِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ مُحْتَجًّا بِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى مَا فِيهِ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ وَعَلَى مَا لَا رُكُوعَ فِيهِ وَلَا سُجُودَ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَعَلَى مَا لَا تَكْبِيرَ فِيهِ وَلَا تَسْلِيمَ كَالطَّوَافِ، وَعَلَى مَا لَا حَرَكَةَ فِيهِ لِلْجِسْمِ كَصَلَاةِ الْمَرِيضِ الْمَغْلُوبِ، وَلَيْسَ بَيْنَ هَذِهِ الصُّوَرِ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ فَيَكُونُ اللَّفْظُ مُشْتَرَكًا.

[فَصَلِّ مَشْرُوعِيَّة الصَّلَاة وَحُكْمهَا]

(فَصْلٌ) وَوُجُوبُهَا مَعْلُومٌ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَدِينِ الْأُمَّةِ ضَرُورَةً فَلَا نُطَوِّلُ بِذَلِكَ وَفَرَضَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ عَلَى نَبِيِّهِ فِي السَّمَاءِ بِخِلَافِ سَائِرِ الشَّرَائِعِ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى حُرْمَتِهَا وَتَأْكِيدِ وُجُوبِهَا انْتَهَى.

وَاخْتُلِفَ فِي وَقْتِ الْمِعْرَاجِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ قَالَ النَّوَوِيُّ: فِي لَيْلَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْهُ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ فَتَاوَى النَّوَوِيِّ أَنَّهُ كَانَ فِي رَبِيعٍ الْآخِرِ، وَقِيلَ: إنَّهُ كَانَ فِي رَجَبٍ وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ، وَقِيلَ: فِي رَمَضَانَ، وَقِيلَ: فِي شَوَّالٍ. وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي السَّنَةِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا فَقِيلَ: قَبْلَ الْمَبْعَثِ وَهُوَ شَاذٌّ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ بَعْدَهُ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقِيلَ: قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ قَالَهُ ابْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي النَّوَادِرِ وَابْنِ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ وَبَالَغَ ابْنُ حَزْمٍ فَنَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ وَهُوَ مَرْدُودٌ فَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ: بِثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ: بِأَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا، وَقِيلَ: بِخَمْسَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَقِيلَ: بِسِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَقِيلَ: بِسَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَقِيلَ: بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَقِيلَ: بِثَلَاثِ سِنِينَ، وَقِيلَ: بِخَمْسِ سِنِينَ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَاخْتُلِفَ كَيْفَ فُرِضَتْ فَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ، وَقِيلَ: فُرِضَتْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ قُصِرَ مِنْهَا رَكْعَتَانِ فِي السَّفَرِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ وَشَطْرَ الصَّلَاةِ» انْتَهَى.

(قُلْتُ) وَحَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَزَادَ ابْنُ إِسْحَاقَ إلَّا الْمَغْرِبَ فَإِنَّهَا كَانَتْ ثَلَاثًا أَخْرَجَهُ أَحْمَدَ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ وَالْجَمْعُ بَيْنَ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -: «فُرِضَتْ الصَّلَاةُ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ وَاخْتُلِفَ فِيمَا قَبْلَ ذَلِكَ فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ الْإِسْرَاءِ صَلَاةٌ مَفْرُوضَةٌ إلَّا مَا وَقَعَ الْأَمْرُ بِهِ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ وَذَهَبَ الْحَرْبِيُّ إلَى أَنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ مَفْرُوضَةً رَكْعَتَيْنِ بِالْغَدَاةِ وَرَكْعَتَيْنِ بِالْعَشِيِّ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فَقَالَ وَكَانَ بَدْءُ الصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ رَكْعَتَيْنِ غُدُوًّا وَرَكْعَتَيْنِ عَشِيًّا وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ «فِي قَوْله تَعَالَى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ} [غافر: ٥٥] أَنَّهَا صَلَاتُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>