للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ الْقَلْشَانِيِّ شَارِحِ الرِّسَالَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِيهَا: وَلَا صَلَاةَ نَافِلَةً بَعْدَ الْفَجْرِ إلَّا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ يُرِيدُ وَالْأَوْتِرَةَ وَحِزْبَهُ الَّذِي غَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ عَنْهُ، أَوْ خُسُوفَ قَمَرٍ وَسُجُودَ التِّلَاوَةِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَرُوِيَ جَوَازُ مَا قَلَّ مِنْ النَّافِلَةِ كَأَرْبَعٍ وَسِتٍّ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ لَا بَأْسَ بِالنَّفْلِ بَعْدَ الْفَجْرِ إلَى إقَامَةِ الصَّلَاةِ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ الْحَدِيثُ بِالنَّهْيِ انْتَهَى.

وَنَقَلَ الْجُزُولِيُّ فِي صَلَاةِ خُسُوفِ الْقَمَرِ بَعْدَ الْفَجْرِ قَوْلَيْنِ وَاقْتَصَرَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ عَلَى أَنَّهَا لَا تُصَلَّى بَعْدَ الْفَجْرِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. وَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ وَالنَّائِمُ عَنْ وِرْدِهِ إنْ أَصْبَحَ لِانْتِظَارِ الْجَمَاعَةِ صَلَّاهُ وَإِلَّا بَادَرَ إلَى فَرْضِهِ قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِهِ أَمَّا النَّائِمُ عَنْ وِرْدِهِ فَلِنَصِّ الْحَدِيثِ فِيهِ وَظَاهِرُ الرِّسَالَةِ خِلَافُ مَا هُنَا مِنْ اعْتِبَارِ الْجَمَاعَةِ إذْ قَالَ: فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَأَوَّلِ الْإِسْفَارِ وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ أَهَمُّ مِنْ أَلْفِ أَلْفِ نَافِلَةٍ لَكِنَّنِي لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ قَالُوا: وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَمَّدَ حِزْبَهُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إنَّمَا سُومِحَ فِي ذَلِكَ لِمَنْ غَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ عَنْهُ انْتَهَى.

وَقَدْ صَرَّحَ فِي التَّوْضِيحِ بِأَنَّ الْمُؤَخِّرَ لِذَلِكَ عَمْدًا لَا يُصَلِّيهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَصَرَّحَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ بِأَنَّهُ يُصَلِّيهِ مَا لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ الْجَمَاعَةِ وَقَالَ فِي قَوْلِ الرِّسَالَةِ " وَمَنْ غَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ ": الْغَلَبَةُ شَرْطٌ فَلَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ اخْتِيَارًا، وَشَرْطُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مِنْ عَادَتِهِ الِانْتِبَاهُ آخِرَ اللَّيْلِ وَلَهُ وِرْدٌ، وَهَذَا أَيْضًا إذَا كَانَ وَحْدَهُ وَإِلَّا فَفَضْلُ الْجَمَاعَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى وِرْدِهِ كَمَا أَنَّ وِرْدَهُ مُقَدَّمٌ عَلَى أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَنَصَّ عَلَى اعْتِبَارِ الْجَمَاعَةِ صَاحِبُ الْإِرْشَادِ وَغَيْرُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْبَرَادِعِيِّ أَنَّ الْعَامِدَ كَالْمَغْلُوبِ وَقَدْ اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَالِكًا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ إلَّا فِيمَنْ غَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ، وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ لَفْظَ الْبَرَادِعِيِّ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ.

(تَنْبِيهٌ) قَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ النَّوَوِيُّ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ لِغَيْرِ سَبَبٍ.

(قُلْتُ:) عَبَّرَ بِالْكَرَاهَةِ وَعَبَّرَ غَيْرُهُ مِنْ مُتَأَخِّرِي الشُّيُوخِ بِالْمَنْعِ ابْنُ حَارِثٍ وَالِاتِّفَاقُ عَلَى الْمَنْعِ إنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِ أَسِيرٍ قُرِّبَ لِلْقَتْلِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَإِنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي رَكْعَتَيْهِ حِينَئِذٍ فَرَوَى الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مَالِكٍ الْجَوَازَ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ نَافِعٍ الْمَنْعَ وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ ذَكَرَ بَعْدَ رَكْعَةٍ مِنْ الْعَصْرِ أَنَّهُ صَلَّاهَا شَفَّعَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ نَفْلًا ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ النَّفْلِ فِي الْوَقْتَيْنِ لِلذَّرِيعَةِ خَوْفَ أَنْ يُوقِعَ النَّفَلَ بَعْدَ الْغُرُوبِ، أَوْ الطُّلُوعِ، وَلِذَا جَازَ أَنْ يَتَنَفَّلَ مَنْ لَمْ يُصَلِّ الْعَصْرَ بَعْدَ صَلَاةٍ غَيْرِهَا، وَلَوْ كَانَ الْمَنْعُ لِذَاتِ الْوَقْتِ مَا جَازَ وَكَانَ الشَّيْخُ يُصَلِّي بَعْدَ الْعَصْرِ فَقِيلَ: لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ إنَّمَا أَفْعَلُهُ يَوْمَ يَفُوتُنِي مُعْتَادِي مِنْ الصَّلَاةِ بِالنَّهَارِ انْتَهَى.

وَالْمُرَادُ بِالشَّيْخِ ابْنُ عَرَفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَالَ فِي بَابِ مَنْ ذَكَرَ صَلَاةً نَسِيَهَا مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَيُكْرَهُ صَلَاةُ التَّطَوُّعِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ ابْنُ نَاجِي ظَاهِرُهُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ عَلَى بَابِهَا وَتَقَدَّمَ بَحْثُنَا مَعَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ بَعْدَ الْعَصْرِ إلَى الْغُرُوبِ وَاخْتُلِفَ فِيمَا بَيْنَ الْغُرُوبِ وَصَلَاةِ الْمَغْرِبِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ الْمَشْهُورُ وَقْتُ نَهْيٍ، وَقِيلَ: لَا وَاخْتَارَهُ ابْنُ رُشْدٍ لِمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ إلَّا لِمَنْ كَانَ فِيهِ وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى الْمَشْهُورِ فَكَانَ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُفْتِي بِجَوَازِ الْجُلُوسِ، وَلَا يُرَجِّحُ الْوُقُوفَ وَكَانَ شَيْخُنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الشَّبِيبِيُّ يُرَجِّحُ وُقُوفَهُ حَتَّى تُقَامَ الصَّلَاةُ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ انْتَهَى.

وَبَحْثَهُ مَعَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ ذَكَرَهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَنَصُّهُ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: " وَمَنْ أَحْرَمَ فِي وَقْتِ نَهْيٍ قَطَعَ " يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ.

(قُلْتُ:) لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ؛ لِأَنَّ مَنْ تَلَبَّسَ بِمَكْرُوهٍ ثُمَّ ذَكَرَ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِقَطْعِهِ اسْتِحْبَابًا؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمَكْرُوهِ مَا فِي تَرْكِهِ الثَّوَابُ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي النَّافِلَةِ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ يُثَابُ بِتَرْكِهِ وَلَا يَأْثَمُ بِفِعْلِهِ. فَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى اسْتِحْبَابٍ، ثُمَّ وَرَدَ عَلَيْنَا خَلِيلٌ فَذَكَرَ مِثْلَ مَا ذَكَرْتُهُ انْتَهَى، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْجَامِعِ مِنْ الْبَيَانِ: لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>