للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّاسُ فِي إقَامَةِ الْمُنْفَرِدِ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهُ يُخَاطِبُ بِهَا، وَفِي الْمَبْسُوطِ: أَنَّ الْإِقَامَةَ لِلْمُنْفَرِدِ إنَّمَا هِيَ لِجَوَازِ مَنْ يُؤْتَمُّ بِهِ، وَهَذِهِ إشَارَةٌ لِمَذْهَبِ الْمُخَالِفِ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ لَا يَفْتَقِرُ إلَيْهَا لِمَعْنًى يَخْتَصُّ بِهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِيهَا مَنْ دَخَلَ مَسْجِدًا صَلَّى أَهْلُهُ لَمْ تُجْزِهِ إقَامَتُهُمْ، وَلِمَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ: يُقِيمُ أَحَبُّ إلَيَّ. اللَّخْمِيُّ اسْتَحَبَّهُ وَلَمْ يَرَهُ سُنَّةً وَلِابْنِ مَسْلَمَةَ إنَّمَا الْإِقَامَةُ لِمَنْ يَؤُمُّ يُقِيمُ لِنَفْسِهِ وَلِمَنْ يَأْتِي بَعْدَهُ فَمَنْ دَخَلَ بَعْدَهُ كَانَ أَقَامَ لَهُ.

الْمَازِرِيُّ هَذَا إشَارَةٌ لِقَوْلِ الْمُخَالِفِ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ: لَا يَفْتَقِرُ لَهَا لِمَعْنًى يَخْتَصُّ بِهِ انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَمَنْ دَخَلَ بِتَكْبِيرَةٍ فِي آخِرِ جُلُوسِ الْإِمَامِ فَلَا يُقِيمُ فَإِنْ لَمْ يُكَبِّرْ أَقَامَ انْتَهَى. وَقَالَ فِي رَسْمِ الصَّلَاةِ الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ فِيمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ سَاجِدًا فِي الْأَخِيرَةِ مِنْ الْجُمُعَةِ: " يُقِيمُ لِنَفْسِهِ وَلَا يُجْزِئُهُ إقَامَةُ النَّاسِ "، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَمْ يُحْرِمْ مَعَ الْإِمَامِ وَلَوْ أَحْرَمَ مَعَهُ لَبَقِيَ عَلَى إحْرَامِهِ، وَأَجْزَأَتْهُ إقَامَةُ النَّاسِ وَلَمْ يَصِحَّ لَهُ أَنْ يُقِيمَ إلَّا أَنْ يَقْطَعَ الصَّلَاةَ، ثُمَّ يَسْتَأْنِفَهَا وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَأَخْطَأَ إذْ لَا اخْتِلَافَ أَنَّهُ يَصِحُّ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى إحْرَامِ الْإِمَامِ بِخِلَافِ الَّذِي يَجِدُ الْإِمَامَ سَاجِدًا فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، فَيُحْرِمُ مَعَهُ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ عَلَيْهَا فِي رَسْمِ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ انْتَهَى.

(قُلْتُ) ذَكَرَ فِيهِ عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى إحْرَامِهِ أَرْبَعًا، وَاسْتَحَبَّ أَنْ يُجَدِّدَ إحْرَامًا آخَرَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ، قَالَ: وَيَأْتِي عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ وَرِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ فِيمَنْ رَعَفَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ عَقْدِ رَكْعَةٍ أَنَّهُ لَا يَبْنِي عَلَى إحْرَامِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ انْتَهَى. وَسَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي فَصْلِ الْجُمُعَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(السَّابِعَ عَشَرَ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ لَمْ تُجْزِهِ إقَامَةُ أَهْلِ الْمِصْرِ، قَالَ سَنَدٌ هَذَا مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلَا الشَّافِعِيِّ، فَقَالَ فِي الْجَدِيدِ مِثْلَهُ، وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ: أَمَّا الرَّجُلُ يُصَلِّي وَحْدَهُ فَأَذَانُ الْمُؤَذِّنِينَ وَإِقَامَتُهُمْ كَافِيَةٌ لَهُ، وَلِأَنَّ الْمَسْجِدَ قَدْ أَدَّى فِيهِ حَقَّ الْإِقَامَةِ لِلظُّهْرِ فَلَا يَتَعَدَّدُ ذَلِكَ بِتَعْدَادِ الظُّهْرِ كَمَا فِي حَقِّ آحَادِ الْجَمَاعَةِ، وَاعْتِبَارًا بِالْآذَانِ الَّذِي أَدَّى فِيهِ حَقَّهُ فَإِنَّ مَنْ أَتَى بَعْدَ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ صَلَّى بِغَيْرِ أَذَانٍ، وَوَجْهُ الْمَذْهَبِ ظَاهِرٌ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ لَيْسَ مَعَهُمْ فِي صَلَاةٍ لَمْ تُجْزِهِ إقَامَتُهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الثَّامِنَ عَشَرَ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيَنْتَظِرُ الْإِمَامُ بَعْدَ الْإِقَامَةِ قَلِيلًا قَدْرَ مَا تَسْتَوِي الصُّفُوفُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَبْتَدِئُ الْقِرَاءَةَ وَلَا يَكُونُ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالتَّكْبِيرِ شَيْءٌ وَكَانَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - يُوَكِّلَانِ رَجُلًا بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ فَإِذَا أَخْبَرَهُمَا أَنْ قَدْ اسْتَوَتْ كَبَّرَ انْتَهَى.

قَالَ ابْنُ نَاجِي مَا ذَكَرَهُ مُسْتَحَبٌّ وَوَجْهُهُ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُومِينَ إذَا اشْتَغَلُوا بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ فَاتَهُمْ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ خَيْرٌ كَثِيرٌ، وَمَنْ فَاتَتْهُ أُمُّ الْقُرْآنِ فَقَدْ فَاتَهُ خَيْرٌ كَثِيرٌ، وَإِنْ اشْتَغَلُوا بِالتَّكْبِيرِ فَاتَهُمْ تَسْوِيَةُ الصُّفُوفِ وَخَالَفَ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَقَالَ: يَحْرُمُ إذَا قَالَ الْمُقِيمُ: " قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ " وَعَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَخَيَّرَ فِي الْوَجْهَيْنِ أَبُو عُمَرَ، وَالْآثَارُ فِي هَذَا الْبَابِ تَقْتَضِي التَّخْيِيرَ، وَوَهِمَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ فَإِنَّهُ لَمْ يَعْزُهُ لِابْنِ عُمَرَ إنَّمَا عَزَاهُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فَقَطْ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأُمِّ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ نَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي عَنْ ابْنِ يُونُسَ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى الْأُمِّ.

(التَّاسِعَ عَشَرَ) ذَكَر ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: " وَلَا يَرْفَعُ أَحَدٌ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ " أَنَّ الْمَسَائِلَ الَّتِي يُعْرَفُ بِهَا فِقْهُ الْإِمَامِ ثَلَاثَةٌ: أَحَدُهَا: أَنْ يَخْطِفَ إحْرَامَهُ، وَسَلَامَهُ أَيْ: يُسْرِعُ فِيهِمَا لِئَلَّا يُشَارِكَهُ الْمَأْمُومُ فِيهَا فَتَبْطُلَ صَلَاتُهُ، وَالثَّانِيَةُ: تَقْصِيرُ الْجَلْسَةِ الْوُسْطَى، وَالثَّالِثَةُ: دُخُولُ الْمِحْرَابِ بَعْدَ الْإِقَامَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الْعِشْرُونَ) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْأَذَانَ فِي الْجَمْعِ اكْتِفَاءً بِمَا سَيَذْكُرُهُ فِي فَصْلِ الْقَصْرِ وَالْجَمْعِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَفِي الْأَذَانِ فِي الْجَمْعِ مَشْهُورُهَا: يُؤَذِّنُ لِكُلِّ صَلَاةٍ مِنْهَا، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَعْنِي سَوَاءً كَانَ الْجَمْعُ سُنَّةً كَعَرَفَةَ، أَوْ رُخْصَةً كَلَيْلَةِ الْمَطَرِ انْتَهَى.

وَكَذَلِكَ الْجَمْعُ فِي السَّفَرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَيْ فِي الْجَمْعِ مُطْلَقًا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: قِيلَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>