للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنَّهُ لَا يَتَنَفَّلُ وَلَا قِيَامَ رَمَضَانَ إلَّا وِتْرَ لَيْلِهِ وَفَجْرَ يَوْمِهِ.

(قُلْت) وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ وَلَا يَبْخَسَ نَفْسَهُ مِنْ الْفَضِيلَةِ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ وَنَصُّ لَفْظِهِ مِنْ الْأَجْوِبَةِ مَنْ عَلَيْهِ صَلَوَاتٌ أُمِرَ أَنْ يُصَلِّيَ مَتَى قَدَرَ وَوَجَدَ السَّبِيلَ إلَى ذَلِكَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ دُونَ أَنْ يُضَيِّعَ مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ مِنْ حَوَائِجِ دُنْيَاهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَغِلَ فِي أَوْقَاتِ الْفَرَاغِ بِالنَّافِلَةِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّي قَبْلَ تَمَامِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَنْسِيَّاتِ الصَّلَوَاتُ الْمَسْنُونَةُ وَمَا خَفَّ مِنْ النَّوَافِلِ الْمُرَغَّبِ فِيهَا كَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَرَكْعَتَيْ الشَّفْعِ الْمُتَّصِلِ بِوِتْرِهِ لِخِفَّةِ ذَلِكَ وَلِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ يَوْمَ الْوَادِي» .

قَالَ: وَأَمَّا مَا كَثُرَ مِنْ النَّوَافِلِ الْمُرَغَّبِ فِيهَا كَقِيَامِ رَمَضَانَ فَلَا، انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَاخْتُلِفَ فِي تَنَفُّلِهِ فَقِيلَ لَا يَصِحُّ وَقِيلَ هُوَ مَأْثُومٌ مِنْ وَجْهٍ مَأْجُورٌ مِنْ وَجْهٍ وَكَانَ شَيْخُنَا الْقُورِيُّ يُفْتِي بِأَنَّهُ كَانَ يَتْرُكُ النَّفَلَ لِلْفَرْضِ فَلَا يَتَنَفَّلُ وَإِنْ كَانَ لِلْبَطَالَةِ فَتَنَفُّلُهُ أَوْلَى وَلَمْ أَعْرِفْ مِنْ أَيْنَ أَتَى بِهِ، انْتَهَى.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي هُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَرْعٌ) مِنْ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ إذَا كَثُرَتْ عَلَيْهِ الْفَوَائِتُ وَلَمْ يَحْصُرْهَا فَإِنَّهُ يَتَحَرَّى قَدْرَهَا وَيَحْتَاطُ لِدِينِهِ فَيُصَلِّي مَا يَرْفَعُ الشَّكَّ عَنْهُ وَشَكٌّ بِلَا عَلَامَةٍ وَسْوَسَةٌ فَلَا يَقْضِي كَمَا يَفْعَلُهُ الْعَجَائِزُ وَالْجُهَّالُ، وَقَالَ شَيْخُنَا السَّنُوسِيُّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الذَّخِيرَةِ: إنَّهُ لَا يَقْضِي إلَّا بِغَالِبِ ظَنٍّ أَوْ شَكٍّ مُؤَثِّرٍ فِي النَّفْسِ هَذَا مَعْنَى مَا سَمِعْت مِنْهُ وَرَأَيْت مَنْ يَجْعَلُ فِي مَوْضِعِ كُلِّ نَافِلَةٍ فَرِيضَةً لِاحْتِمَالِ الْخَلَلِ فِي فَرَائِضِهِ وَهَذَا خِلَافُ السُّنَّةِ، انْتَهَى.

اُنْظُرْ كَلَامَهُ فِي الْكِتَابِ الْمُسَمَّى وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ قَالَ بَعْضُهُمْ وَلْيَتَوَقَّ أَوْقَاتَ النَّهْيِ حَيْثُ يَكُونُ إتْيَانُهُ بِهَا لِلشَّكِّ فِيهَا وَهُوَ وَاضِحٌ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ قَوْلُهُ وَكَيْفَمَا تَيَسَّرَ لَهُ يَعْنِي مِنْ الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ مَا لَمْ يَخْرُجْ لِحَدِّ التَّفْرِيطِ وَلَا حَدَّ فِي ذَلِكَ بَلْ يَجْتَهِدُ بِقَدْرِ اسْتِطَاعَتِهِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مَعَ التَّكَسُّبِ لِعِيَالِهِ وَنَحْوِهِ لَا كَمَا قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ صَالِحٍ: إنْ قَضَى فِي كُلِّ يَوْمٍ يَوْمَيْنِ لَمْ يَكُنْ مُفَرِّطًا وَيَذْكُرُ خَمْسًا فَأَمَّا مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ صَلَاةٌ كَمَا تَقُولُ الْعَامَّةُ: فِعْلٌ لَا يُسَاوِي بَصَلَةً وَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ إلَّا عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَدَعُهُ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الشَّرِّ أَهْوَنُ مِنْ بَعْضٍ وَقَدْ مَنَعُوهُ مِنْ التَّنَفُّلِ مُطْلَقًا وَكَانَ بَعْضُ الشُّيُوخِ يُفْتِي بِأَنَّهُ إنْ كَانَ يَتْرُكُ الْجَمِيعَ فَلَا يَتْرُكُ النَّافِلَةَ وَإِنْ كَانَ يَفْعَلُ الْفَرْضَ فَلَا يَتَنَفَّلُ ابْنُ الْحَاجِبِ

وَيُعْتَبَرُ فِي الْفَوَائِتِ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَإِنْ شَكَّ أَوْقَعَ أَعْدَادًا تُحِيطُ بِجِهَاتِ الشُّكُوكِ خَلِيلٌ قَوْلُهُ فَإِنْ شَكَّ أَيْ فِي الْإِتْيَانِ أَوْ فِي الْأَعْيَانِ أَوْ فِي التَّرْتِيبِ وَبَيَانُ ذَلِكَ وَاسِعٌ فَانْظُرْهُ (تَنْبِيهٌ) الشَّكُّ الَّذِي لَا يَسْتَنِدُ لِعَلَامَةٍ لَغْوٌ؛ لِأَنَّهُ وَسْوَسَةٌ فَلَا قَضَاءَ إلَّا لِشَكٍّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ وَقَدْ أُولِعَ كَثِيرٌ مِنْ الْمُنْتَمِينَ لِلصَّلَاحِ بِقَضَاءِ الْفَوَائِتِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْفَوَاتِ أَوْ ظَنِّهِ أَوْ شَكٍّ فِيهِ وَيُسَمُّونَهُ صَلَاةَ الْعُمْرِ وَيَرَوْنَهَا كَمَالًا، وَيُرِيدُ بَعْضُهُمْ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي نَافِلَةً أَصْلًا بَلْ يَجْعَلُ فِي مَحَلِّ كُلِّ نَافِلَةٍ فَائِتَةً لِمَا عَسَى أَنْ يَكُونَ مِنْ نَقْصٍ أَوْ تَقْصِيرٍ أَوْ جَهْلٍ وَذَلِكَ بَعِيدٌ عَنْ حَالِ السَّلَفِ وَفِيهِ هِجْرَانُ الْمَنْدُوبَاتِ وَتَعَلُّقٌ بِمَا لَا أَجْرَ لَهُ وَقَدْ سَمِعْت شَيْخَنَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ يُوسُفَ السَّنُوسِيَّ ثُمَّ التِّلِمْسَانِيَّ يَذْكُرُ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ مَنْصُوصٌ فَحَنَقْتُهُ عَلَيْهِ فَقَالَ نَصَّ عَلَيْهِ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ نَعَمْ رَأَيْت لِسَيِّدِي أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَلَّالِيِّ فِي اخْتِصَارِ الْإِحْيَاءِ عَكْسَهُ فَانْظُرْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَالْعَمَلُ بِالْعِلْمِ خَيْرٌ كُلُّهُ وَعَكْسُهُ عَكْسُهُ انْتَهَى.

(تَنْبِيهٌ) قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ صَلَّاهَا عَلَى نَحْوِ مَا فَاتَتْهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَقْنُتُ فِي الصُّبْحِ وَيُعْتَبَرُ طُولُ الْقِرَاءَةِ وَقِصَرُهَا كَالْحَوَاضِرِ وَكُلُّ ذَلِكَ خَفِيفٌ بِخِلَافِ الْإِقَامَةِ انْتَهَى. وَفِي الصَّلَاةِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي بَابِ مَنْ ذَكَرَ صَلَاةً نَسِيَهَا وَإِنْ ذَكَرَ صَلَوَاتٍ كَثِيرَةً صَلَّاهَا عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ كَمَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَذَهَبَ فِي حَوَائِجِهِ فَإِذَا فَرَغَ صَلَّى أَيْضًا حَتَّى يُتِمَّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ وَيُصَلِّيَ صَلَاةَ اللَّيْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>