للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«حَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ فِي إحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ ثُمَّ قَامَ إلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَاتَّكَأَ عَلَيْهَا كَأَنَّهُ غَضْبَانُ وَخَرَجَ سَرَعَانَ النَّاسِ يَقُولُونَ: قَصُرَتْ الصَّلَاةُ وَفِي الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ فِي يَدَيْهِ طُولٌ يُقَالُ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَ؟ قَالَ: لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ، فَقَالَ: أَحَقٌّ مَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالُوا: نَعَمْ، فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى مَا تَرَكَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ السَّلَامِ.» وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ «وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا وَسَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ» ، وَدَلِيلُ النُّقْصَانِ حَدِيثُ ابْنِ بُحَيْنَةَ قَالَ «قَامَ رَسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّهِ مِنْ اثْنَتَيْنِ وَلَمْ يَجْلِسْ فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ السَّلَامِ» وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الثَّلَاثَةُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَفِي الْمَشْهُورِ عَمَلٌ بِجَمِيعِ الْأَحَادِيثِ وَهِيَ أَوْلَى مِنْ الْعَمَلِ بِبَعْضِهَا، وَلِهَذَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ: إنَّ قَوْلَ مَالِكٍ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ

ص (وَبِالْجَامِعِ فِي الْجُمُعَةِ)

ش: قَالَ الْبِسَاطِيُّ مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ سُنَّ سُجُودُ السَّهْوِ فِي الْجَامِعِ وَغَيْرِهِ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ وَفِي الْجَامِعِ وَحْدَهُ فِي الْجُمُعَةِ وَقَالَ الشَّارِحُ: يُرِيدَانِ السُّجُودَ إذَا كَانَ لِنَقْصِ سُنَّةٍ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْجَامِعِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِيهَا وَالسُّجُودُ الْمَذْكُورُ جَائِزٌ لِلصَّلَاةِ فَهُوَ جُزْءٌ مِنْهَا فَيُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِيهَا.

(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَشُرَّاحِهِ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ خَاصٌّ بِالْقَبْلِيِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ حُكْمُ الْبَعْدِيِّ كَذَلِكَ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ نَسِيَ سُجُودَ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ سَجَدَهُ مَتَى مَا ذَكَرَ وَلَوْ بَعْدَ شَهْرٍ وَإِنْ كَانَتَا مِنْ الْجُمُعَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ.

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الَّذِي صَلَّى فِيهِ، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي: ظَاهِرُهَا إنْ تَرَتَّبَ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَى الْجَامِعِ وَنَقَلَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ يَرْجِعُ كَالْقَبْلِيِّ وَقَالَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ قَالَ التَّادَلِيُّ ظَاهِرُ كَلَامِهِ يَعْنِي فِي الرِّسَالَةِ أَنَّهُ إنْ تَرَتَّبَ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَى جَامِعٍ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَرْجِعُ وَأَمَّا الْقَبْلِيُّ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ.

(قُلْت) وَلَمْ يَحْكِ ابْنُ يُونُسَ فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِاشْتِرَاطِ الْجَامِعِ فِي الْبَعْدِيِّ الْجُزُولِيُّ وَالشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ وَالشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ.

وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَإِنْ سَهَا عَنْ الْبَعْدِيَّتَيْنِ سَجَدَهُمَا مَتَى مَا ذَكَرَ وَفِي أَيِّ مَحِلٍّ ذَكَرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ نَافِلَةٍ فَوَقْتُ حِلِّهَا أَوْ مِنْ جُمُعَةٍ فَبِالْجَامِعِ عَلَى الْمَشْهُورِ (الثَّانِي) عُلِمَ مِنْ كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْجَامِعُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِنَّمَا يُطْلَبُ أَنْ يُوقِعَهُمَا فِي جَامِعٍ يَصِحُّ فِيهِ الْجُمُعَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الثَّالِثُ) إنْ قُلْت ظَاهِرُ كَلَامِهِ يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ سُجُودُ سَهْوٍ مِنْ الْجُمُعَةِ بَعْدَ أَنْ خَرَجَ مِنْ الْجَامِعِ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُهُ خَارِجَ الْجَامِعِ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ رُجُوعِهِ إلَى الْجَامِعِ وَهَذَا مُعَارِضٌ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ السُّجُودَ الْقَبْلِيَّ إذَا تَرَكَهُ وَطَالَ بَطَلَتْ الصَّلَاةُ إنْ كَانَ عَنْ ثَلَاثِ سُنَنٍ وَإِنْ كَانَ عَنْ أَقَلَّ لَمْ تَبْطُلْ وَفَاتَ السُّجُودُ وَالْخُرُوجُ مِنْ الْجَامِعِ مَظِنَّةَ الطُّولِ.

(قُلْت) لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الطُّولَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ مَحْدُودٌ بِالْعُرْفِ لَا بِالْخُرُوجِ مِنْ الْجَامِعِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَلِهَذَا قَالَ الشَّيْخُ سُلَيْمَانُ الْبُحَيْرِيُّ فِي تَصْحِيحِ الْجَلَّابِ: وَقَدْ فَرَّعُوا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَوْ سَهَا فِي الْجُمُعَةِ وَلَمْ يَتَذَكَّرْ حَتَّى خَرَجَ مِنْ الْجَامِعِ وَلَمْ يُطِلْ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْجَامِعِ وَيَسْجُدُ وَفِي غَيْرِهَا يَسْجُدُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي ذَكَرَ السُّجُودَ فِيهِ انْتَهَى.

وَالسُّجُودُ فِي الْجُمُعَةِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّ الْإِمَامِ أَوْ فِي حَقِّ الْمَسْبُوقِ إذَا سَهَا بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْإِمَامِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْإِمَامَ لَا يَحْمِلُهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ.

ص (وَأَعَادَ تَشَهُّدَهُ)

ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا سَجَدَ السُّجُودَ الْقَبْلِيَّ فَإِنَّهُ يُعِيدُ التَّشَهُّدَ لِيَقَعَ السَّلَامُ عَقِبَ تَشَهُّدِهِ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَدَلِيلُهُ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِهِمْ فَسَهَا فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ تَشَهَّدَ ثُمَّ سَلَّمَ» وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ إعَادَةِ التَّشَهُّدِ لِمَالِكٍ أَيْضًا وَاخْتَارَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ وَوَجْهُهُ أَنَّ سُنَّةَ السُّجُودِ الْوَاحِدِ أَنْ لَا يُكَرَّرَ فِيهِ التَّشَهُّدُ

<<  <  ج: ص:  >  >>