للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي كَرَاهَةِ الْجَمْعِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ وَلَيْلَةَ عَاشُورَاءَ وَيَنْبَغِي لِلْأَئِمَّةِ الْمَنْعُ مِنْهُ انْتَهَى.

ص (وَكَلَامٌ بَعْدَ صَلَاةِ صُبْحٍ لِقُرْبِ الطُّلُوعِ)

ش: قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَيُسْتَحَبُّ إثْرَ صَلَاةِ الصُّبْحِ التَّمَادِي فِي الذِّكْرِ وَالِاسْتِغْفَارِ إنَّمَا كَانَ مُسْتَحَبًّا لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ - تَعَالَى - حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ كَانَ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ تَامَّتَيْنِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.

(قُلْت) : وَيَظْهَرُ أَنَّ مَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي هَذَا الْوَقْتِ يَحْصُلُ لَهُ الشَّرَفُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَشْرَفِ الْأَذْكَارِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِيمَا قَالَ الشَّيْخُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَرَأَى بَعْضُ مَنْ لَقِينَاهُ أَنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي قَوْلِهِ: الذِّكْرُ لِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: وَالِاسْتِغْفَارُ زَاعِمًا أَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ بَعِيدٌ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يُكْرَهُ الْكَلَامُ بَعْدَ الْفَجْرِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَيُكْرَهُ بَعْدَهَا إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ قُرْبَ طُلُوعِهَا، وَكَانَ مَالِكٌ يَتَحَدَّثُ، وَيُسْأَلُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ حَتَّى تُقَامَ الصَّلَاةُ ثُمَّ لَا يُجِيبُ مَنْ يَسْأَلُهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ بَلْ يُقْبِلُ عَلَى الذِّكْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ قَالَ التَّادَلِيُّ فَيَقُومُ مِنْهَا أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ وَالذِّكْرَ فِي هَذَا الْوَقْتِ أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَةِ الْعِلْمِ فِيهِ قَالَ الْأَشْيَاخُ: تَعَلُّمُ الْعِلْمِ فِيهِ أَوْلَى.

(قُلْت) ، وَهُوَ الصَّوَابُ وَبِهِ كَانَ بَعْضُ مَنْ لَقِينَاهُ يُفْتِي، وَلَا سِيَّمَا فِي زَمَانِنَا الْيَوْمَ لِقِلَّةِ الْحَامِلِينَ لَهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَسُمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَرَّةً: صَلَاةُ النَّافِلَةِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ مُذَاكَرَةِ الْعِلْمِ، وَمَرَّةً: الْعِنَايَةُ بِالْعِلْمِ بِنِيَّةٍ أَفْضَلُ (قُلْت) وَبِهَذَا الْقَوْلِ أَقُولُ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ، وَصَدَقَةٌ جَارِيَةٌ، وَعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ» فَتَعْلِيمُ الْعِلْمِ مِمَّا يَبْقَى بَعْدَهُ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - انْتَهَى.

، وَقَالَ الْجُزُولِيُّ وَيُكْرَهُ النَّوْمُ إذْ ذَاكَ؛ لِأَنَّهُ أَحْرَمَ نَفْسَهُ مِنْ الْفَضِيلَةِ؛ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «الصُّبْحَةُ تَمْنَعُ الرِّزْقَ» وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ فَقِيلَ الرِّزْقُ الْمُرَادُ هُنَا الْفَضْلُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ كِتَابُ الرِّزْقِ انْتَهَى.

(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) اُنْظُرْ هَلْ هَذَا خَاصٌّ بِمَنْ قَعَدَ فِي مَوْضِعِ صَلَاتِهِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ وَالْقِيَامُ أَوْ يَحْصُلُ لَهُ الْفَضْلُ، وَلَوْ قَامَ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْمَسْجِدِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ قَالَ سَيِّدِي أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي جَمْرَةَ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِهِ الَّذِي اخْتَصَرَهُ مِنْ الْبُخَارِيِّ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ تَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ» وَهُنَا بَحْثٌ فِي قَوْلِهِ فِي مُصَلَّاهُ هَلْ يَعْنِي بِهِ الْمَوْضِعَ الَّذِي أَوْقَعَ فِيهِ الصَّلَاةَ أَوْ الْبَيْتَ أَوْ الْمَنْزِلَ الَّذِي جَعَلَهُ لِمُصَلَّاهُ فَالْجُمْهُورُ: أَنَّهُ مَوْضِعُ سُجُودِهِ وَقِيَامِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ، وَأَظُنُّهُ الْقَاضِيَ عِيَاضًا: إنَّهُ الْبَيْتُ الَّذِي اتَّخَذَهُ مَسْجِدًا لِصَلَاتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجْلِسْ فِي الْمَوْضِع الَّذِي أَوْقَعَ فِيهِ الصَّلَاةَ، مِثَالُهُ: أَنَّهُ إذَا صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ انْتَقَلَ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ إنَّهُ يَبْقَى، تَدْعُو لَهُ الْمَلَائِكَةُ، وَكَثِيرٌ مُجْمِعٌ عَلَيْهِ وَقَوْلُ وَاحِدٌ انْتَهَى.

بِلَفْظِهِ، وَقَوْلُهُ: مَا لَمْ يُحْدِثْ أَيْ الْحَدَثَ الَّذِي يُنْقِضُ الطَّهَارَةَ وَالظَّاهِرُ: أَنَّ هَذَا فِي كُلِّ الصَّلَوَاتِ فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِهَا نَكِرَةً قَالَ، وَهَذَا أَيْضًا فِي حَقِّ الْمُصَلِّيَ الصَّلَاةَ الشَّرْعِيَّةَ الْمُثَابَ عَلَيْهَا لَا الَّتِي تَلْعَنُهُ وَمَنْ قُبِلَ بَعْضُ صَلَاتِهِ، وَلَمْ يُقْبَلْ الْبَعْضُ الظَّاهِرُ: أَنَّهُ يُرْجَى لَهُ ذَلِكَ بِبَرَكَةٍ دُعَاءِ الْمَلَائِكَةِ؛ لِأَنَّ الْمَغْفِرَةَ لَا تَكُونُ إلَّا لِخَلَلٍ وَقَعَ، وَقَوْلُهُمْ: ارْحَمْهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هُنَاكَ عَمَلًا يُوجِبُ الرَّحْمَةَ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى فَضِيلَةِ الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِهَا يُؤْخَذُ مِنْ كَوْنِ الْمَلَائِكَةِ تَسْتَغْفِرُ لَهُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ فِي شُغْلٍ آخَرَ مَا دَامَ فِي مَوْضِعِ إيقَاعِهَا، وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ يُفَضِّلُ الصَّالِحِينَ مِنْ بَنِي آدَمَ عَلَى الْمَلَائِكَةِ؛ لِأَنَّهُمْ يَكُونُونَ فِي أَشْغَالِهِمْ، وَالْمَلَائِكَةُ تَسْتَغْفِرُ لَهُمْ انْتَهَى.

مِنْهُ بِالْمَعْنَى (الثَّانِي) يُكْرَهُ النَّوْمُ فِي هَذَا الْوَقْتِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْجُزُولِيُّ، وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي قَوْلِ الرِّسَالَةِ يُسْتَحَبُّ بِإِثْرِ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَيُكْرَهُ النَّوْمُ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَالْكَلَامُ فِيهِ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ: لَا يُكْرَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>