للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَقْوَالٍ فَقِيلَ هُوَ عَلَى أَصْلِهِ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ، وَقِيلَ مَكْرُوهٌ وَيُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ، وَقِيلَ نَجِسٌ، وَقِيلَ مَشْكُوكٌ فِي حُكْمِهِ ثُمَّ أَخَذَ يَعْزُو هَذِهِ الْأَقْوَالَ لِقَائِلِيهَا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ اللَّخْمِيِّ الْأَقْوَالَ الْأَرْبَعَةَ وَعَزَا الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ لِرِوَايَةِ أَبِي مُصْعَبٍ وَلَمْ يَذْكُرْ كَلَامَ ابْنِ بَشِيرٍ وَكَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى كَلَامِ اللَّخْمِيّ بِأَنْ يَجْعَلَ مُقَابِلَ الْمَشْهُورِ فِي كَلَامِهِ أَوَّلًا رِوَايَةَ أَبِي مُصْعَبٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَدَلِيلُنَا عَلَى أَنَّهُ طَهُورٌ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ «قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ وَهِيَ بِئْرٌ تُلْقَى فِيهَا الْحِيَضُ وَلُحُومُ الْكِلَابِ وَالنَّتْنُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ أَتَتَوَضَّأُ بِمُثَنَّاتَيْنِ فَوْقِيَّتَيْنِ خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَغَلِطَ مِنْ رَوَاهُ بِالنُّونِ فِي أَوَّلِهِ وَبُضَاعَةَ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِهَا وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ قِيلَ: إنَّهُ اسْمٌ لِصَاحِبِ الْبِئْرِ وَقِيلَ: لِمَوْضِعِهَا وَالْحِيَضُ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِ الْيَاءِ هِيَ الْخِرَقُ الَّتِي يُمْسَحُ بِهَا الْحَيْضُ وَالْمُلْقِي لِذَلِكَ السُّيُولُ لِأَنَّ الْبِئْرَ كَانَتْ فِي مَحِلٍّ مُنْحَدِرٍ وَقِيلَ الرِّيحُ وَقِيلَ الْمُنَافِقُونَ وَأَمَّا حَدِيثُ «خَلَقَ اللَّهُ الْمَاءَ طَهُورًا لَا يُنَجِّسُهُ إلَّا مَا غَيَّرَ لَوْنَهُ أَوْ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ» . قَالَ النَّوَوِيُّ إنَّهُ ضَعِيفٌ لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَقِيلَ إنَّهُ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ لَكِنْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى الْعَمَلِ بِالِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورِ فِيهِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَإِذَا عُلِمَ ضَعْفُ الْحَدِيثِ فَيَتَعَيَّنُ الِاحْتِجَاجُ عَلَى ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَوَجْهُ كَرَاهَةِ هَذَا الْمَاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ مُرَاعَاةُ الْخِلَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَحَدَّ الْمُصَنِّفُ الْيَسِيرَ بِأَنَّهُ قَدْرُ آنِيَةِ الْوُضُوءِ وَآنِيَةِ الْغُسْلِ فَآنِيَةُ الْغُسْلِ قَلِيلٌ وَلَوْ اُسْتُعْمِلَتْ فِي الْوُضُوءِ وَلَمْ يَكْتَفِ بِأَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى آنِيَةِ الْوُضُوءِ لَتَوَهَّمَ أَنَّ آنِيَةَ الْغُسْلِ مِنْ الْكَثِيرِ وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى آنِيَةِ الْغُسْلِ لَتَوَهَّمَ أَنَّ آنِيَةَ الْوُضُوءِ نَجِسَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَحْدِيدِ الْيَسِيرِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ هُوَ لِمَالِكٍ.

(قُلْتُ) : وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَفِي كَلَامِ عَبْدِ الْوَهَّابِ أَنَّهُ الْحُبُّ وَالْجَرَّةُ وَالْحُبُّ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الزِّيرُ وَلَيْسَ هُوَ بِالْجِيمِ لِأَنَّ الْجُبُّ كَثِيرٌ بِلَا خِلَافٍ وَالْمُرَادُ بِالْحُبِّ الصَّغِيرِ بِدَلِيلِ عَطْفِ الْجَرَّةِ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْخِلَافَ فِي الْجَرَّةِ وَالزِّيرِ بِخِلَافِ مَاءِ الْبِئْرِ وَالْجُبِّ وَالْمَاجِلُ لَا تُفْسِدُهَا النَّجَاسَةُ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ إلَّا أَنْ تُغَيِّرَهَا وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي قَدْرِهِ أَيْ التَّيْسِيرِ طَرِيقَانِ: الْأُولَى لِلْمُقَدِّمَاتِ وَذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ الثَّانِيَةُ لِلْإِبْيَانِيِّ فِي كَوْنِ مَاءِ الْجَرَّةِ وَالزِّيرِ يُحِلُّهُ مَا فَوْقَ الْقَطْرَةِ مِنْ النَّجَسِ وَلَمْ تُغَيِّرْهُ مِنْ الْقَلِيلِ أَوْ الْكَثِيرِ الَّذِي لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ إلَّا مَا غَيَّرَهُ مَعْرُوفٌ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ رِوَايَتِهِ وَسَمَاعِ مُوسَى مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ انْتَهَى، فَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْقَطْرَةَ مِنْ النَّجَسِ لَا تُؤَثِّرُ فِي الْجَرَّةِ وَالزِّيرِ وَلَا تَقْتَضِي كَرَاهَةَ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَكَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ هَذَا فِي سَمَاعِ مُوسَى مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ.

وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ قَالَ إنَّ الْيَسِيرَ هُوَ الْقُلَّتَانِ عَلَى مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةِ رَطْلٍ بِالْبَغْدَادِيِّ وَهُوَ الرَّطْلُ الْآتِي ذِكْرُهُ فِي الزَّكَاةِ وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفُ جِدًّا كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ أَعْنِي قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ» رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ فَإِنَّ الْحَدِيثَ يَقْتَضِي أَنَّ مَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ فَهُوَ كَثِيرٌ. وَهَذَا الْقَائِلُ حَكَمَ بِأَنَّهُ قَلِيلٌ وَهَذَا الْحَدِيثُ تَكَلَّمَ فِيهِ جَمَاعَةٌ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إنَّ أَسَانِيدَهُ مَعْلُولَةٌ وَلَكِنَّهُ صَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ كَالدَّارَقُطْنِيِّ وَغَيْرِهِ وَقَالَ أَصْحَابُنَا: إنَّهُ لَا يُعَارِضُ حَدِيثَ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ الْمُتَقَدِّمَ لِأَنَّ ذَلِكَ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَهَذَا مُخْتَلَفٌ فِي صِحَّتِهِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ إنَّمَا يَدُلُّ بِالْمَفْهُومِ وَالْمَفْهُومُ لَا يُعْمَلُ بِهِ إلَّا إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ دَلِيلٌ أَرْجَحُ مِنْهُ وَقَدْ قَالَ الْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

<<  <  ج: ص:  >  >>