للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهُمَا فَرْعَانِ كَمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَصَاحِبُ الذَّخِيرَةِ، قَالَ فِي الطِّرَازِ فَلَوْ جَمَعَهُمَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَهُوَ فِي الْمَنْهَلِ، وَلَمْ يَرْحَلْ، قَالَ عَلِيٌّ عَنْ مَالِكٍ يُعِيدُ الْأَخِيرَةَ مَا كَانَ فِي الْوَقْتِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ السَّفَرَ سَبَبُ الضَّرُورَةِ وَلِهَذَا تَعَلَّقَ بِهِ الْفِطْرُ وَالْقَصْرُ فَتَعَلَّقَ بِهِ الْوَقْتُ الضَّرُورِيُّ فَلَا يُعِيدُ مَنْ صَلَّى فِيهِ أَبَدًا إلَّا أَنَّ مَحْضَ الضَّرُورَةِ لَمَّا لَمْ يَكْمُلْ اُسْتُحِبَّتْ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ.

[فَرْعٌ جَمَعَ أَوَّلَ الْوَقْتِ لِشِدَّةِ السَّيْرِ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَأَقَامَ بِمَكَانِهِ]

(فَرْعٌ) فَلَوْ جَمَعَ أَوَّلَ الْوَقْتِ لِشِدَّةِ السَّيْرِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَأَقَامَ بِمَكَانِهِ أَوْ أَتَاهُ أَمْرٌ تَرَكَ لَهُ جَدَّ السَّيْرِ، قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ فِي الْمَجْمُوعَةِ: لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَهُوَ بَيِّنٌ، قَالَ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَقَعَتْ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ التَّامَّةِ فَتَعَلَّقَتْ بِالْوَقْتِ الضَّرُورِيِّ وَوَقَعَتْ مَوْقِعَهَا، فَزَوَالُ الضَّرُورَةِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِي صِحَّتِهَا وَلَا يُوجِبُ إعَادَتَهَا كَمَا لَوْ رَجَعَ فِي الْحَضَرِ لِلْمَطَرِ، ثُمَّ كَفَّتْ الْمَطَرُ بَعْدَ الْجَمْعِ، وَكَمَا لَوْ أَمِنَ بَعْدَ صَلَاةِ الْخَوْفِ انْتَهَى. فَتَعْلِيلُهُ كُلَّ فَرْعٍ عَلَى حِدَّتِهِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا فَرْعَانِ لَا فَرْعٌ وَاحِدٌ، وَنَقَلَ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ الْفَرْعَ الْأَوَّلَ بِلَفْظِ " فَإِنْ جَمَعَ فِي الْمَنْهَلِ " قَالَ مَالِكٌ يُعِيدُ الْأَخِيرَةَ مَا دَامَ الْوَقْتُ انْتَهَى. إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَالْفَرْعُ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا هُوَ الْفَرْعُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ أَوْ ارْتَحَلَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَنَزَلَ عِنْدَهُ فَجَمَعَ أَعَادَ الثَّانِيَةَ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ نَزَلَ عِنْدَ الزَّوَالِ فَجَمَعَ حِينَئِذٍ، وَلَمْ تَكُنْ نِيَّتُهُ الرَّحِيلَ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ صَاحِبِ الطِّرَازِ والتِّلِمْسَانِيُّ جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَهُوَ فِي الْمَنْهَلِ، وَهُوَ لَمْ يَرْحَلْ أَيْ لَمْ يُرِدْ رَحِيلًا، وَمَعْنَى قَوْلِهِ فِي الذَّخِيرَةِ جَمَعَ فِي الْمَنْهَلِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ فِي التَّوْضِيحِ ذَكَرَ عَنْ الْبَاجِيِّ أَنَّهُ نَقَلَ هَذَا الْفَرْعَ - أَعْنِي مَنْ ارْتَحَلَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَنَزَلَ عِنْدَهُ - عَنْ عَلِيٍّ عَنْ مَالِكٍ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ والتِّلِمْسَانِيُّ وَأَيْضًا فَقَدْ، قَالَ الْمَازِرِيُّ لَمَّا عَلَّلَ تَقْدِيمَ الْعَصْرِ إلَى الظُّهْرِ: إذَا كَانَ عَزْمُهُ الرَّحِيلَ مَا نَصُّهُ وَإِذَا كَانَتْ الْإِبَاحَةُ عِنْدَ الزَّوَالِ لِعُذْرِ الرَّحِيلِ فَلَوْ زَالَ الْعُذْرُ بِأَنْ نَزَلَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا حِينَئِذٍ لَا لِعُذْرِ اسْتِيفَاءِ الرَّحِيلِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الْعَصْرَ مَا دَامَ فِي الْوَقْتِ، رَوَاهُ ابْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ انْتَهَى.

وَابْنُ زِيَادٍ هُوَ عَلِيٌّ، وَأَمَّا الْفَرْعُ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ كِنَانَةَ فَمَعْنَاهُ: أَنَّ مَنْ جَمَعَ وَنِيَّتُهُ الرَّحِيلُ، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَأَقَامَ أَوْ أَتَاهُ أَمْرٌ تَرَكَ لِأَجْلِهِ جَدَّ السَّيْرِ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ " لِشِدَّةِ السَّيْرِ " بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ فِي اشْتِرَاطِ جَدِّ السَّيْرِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ فِيهِ قَوْلًا بِالْإِعَادَةِ إلَّا عَلَى مَا فَهِمَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ أَنَّ الْفَرْعَيْنِ فَرْعٌ وَاحِدٌ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ أَنَّ ابْنَ عَرَفَةَ إمَامُ الْحُفَّاظِ وَالْمُتَصَدِّي لِنَقْلِ الْأَقْوَالِ وَعَزْوِهَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَمَّا ذَكَرَهُ، قَالَ مَا نَصَّهُ الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ: مَنْ جَمَعَ لِجَدِّ السَّيْرِ، ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَانِهِ لَمْ يُعِدْ، يُعَارِضُهُ جَمْعُ خَائِفٍ فَقَدَ عَقْلَهُ وَيُوَافِقُهُ نَصُّ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَا يُعِيدُ مُصَلٍّ جَالِسًا لِعُذْرِ زَالَ فِي الْوَقْتِ انْتَهَى. فَانْظُرْ كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يُعَارَضُ قَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ بِقَوْلِ مَالِكٍ فِي مَسْأَلَةٍ أُخْرَى وَيُتْرَكُ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمَسْأَلَة نَفْسِهَا، هَذَا بَعِيدٌ، وَأَبْيَنُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ كَلَامَ ابْنِ كِنَانَةَ مُشْتَمِلٌ عَلَى صُورَتَيْنِ: الْأُولَى مِنْهُمَا أَنْ يَجْمَعَ ثُمَّ تَبْدُوَ لَهُ فَيُقِيمَ، وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَجْمَعَ ثُمَّ يَعْرِضَ لَهُ أَمْرٌ يَتْرُكَ لِأَجْلِهِ السَّيْرَ، وَإِذَا حُكِمَ بِعَدَمِ الْإِعَادَةِ فِي الْأُولَى فَالثَّانِيَةُ مِنْ بَابِ أَحْرَى، وَالْأُولَى هِيَ الَّتِي قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِيهَا: وَإِنْ نَوَى الْإِقَامَةَ بَعْدَهَا فَلَا تَبْطُلُ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ لِوُقُوعِ الصَّلَاتَيْنِ صَحِيحَتَيْنِ فَكَانَ كَالْمُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ، ثُمَّ يَجِدُ الْمَاءَ، وَلَوْ قِيلَ بِالْإِعَادَةِ قِيَاسًا عَلَى خَائِفِ الْإِغْمَاءِ إذَا لَمْ يُغْمَ عَلَيْهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَقِيَاسًا عَلَى اسْتِحْبَابِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْإِعَادَةَ فِي حَقِّ مَنْ نَوَى الْإِقَامَةَ بَعْدَ الصَّلَاةِ مَا بَعْدُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَعْنِي لِوُقُوعِ الصَّلَاتَيْنِ صَحِيحَتَيْنِ بِاجْتِمَاعِ شَرَائِطِ الْجَمْعِ وَهَلْ تُسْتَحَبُّ إعَادَةُ الثَّانِيَةِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ نَوَى الْإِقَامَةَ بَعْدَ سَلَامِهِ مِنْ صَلَاةِ الْقَصْرِ؟ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ عَدَمُهُ فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَكَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ يَقْتَضِي نَفْيَ الْخِلَافِ فِي نَفْيِ الْإِعَادَةِ فِيمَنْ جَمَعَ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَأَقَامَ، وَإِنَّمَا تَرَدَّدَ فِي تَخْرِيجِ الْقَوْلِ بِذَلِكَ فَكَيْفَ يَجْعَلُهُ الْمُصَنِّفُ قَوْلَ مَالِكٍ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>