للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَكِنْ يُغْتَسَلُ بِمَاءٍ طَاهِرٍ بِغَيْرِ نِيَّةٍ لِأَجَلِ النَّجَاسَةِ وَقَالَ بَعْدَهُ: إنْ تَغَيَّرَ أَفْسَدَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا يَرْتَفِعُ عَنْهُ حُكْمُ النَّجَاسَةِ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ فَهُوَ الْمَشْكُوكُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ كَإِنَاءِ الْمَاءِ يُشْرَبُ مِنْهُ مَا لَا يَتَوَقَّى مِنْ النَّجَاسَاتِ تَدْخُلُهُ الْأَقْوَالُ الَّتِي فِي تِلْكَ فَابْنُ الْقَاسِمِ يَقُولُ: إنْ صَلَّى بِهِ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ الْبَاجِيُّ يَغْسِلُ جَسَدَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ عَبْدُ الْحَقِّ وَلَا يَنْوِي بِالْغُسْلِ الثَّانِي رَفْعَ الْجَنَابَةِ لِأَنَّهَا وَقَدْ ارْتَفَعَتْ وَلَوْ اغْتَسَلَ بَعْدَ ذَلِكَ تَبَرَّدَ إلَّا جُزْأَهُ مِنْ طَهَارَةِ أَعْضَائِهِ انْتَهَى. وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ عَبْدِ الْحَقِّ جَارٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْبَاجِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمَاءِ الْيَسِيرِ تُحِلُّهُ النَّجَاسَةُ.

ص (وَسُؤْرُ شَارِبِ خَمْرٍ وَمَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ وَمَا لَا يَتَوَقَّى نَجِسًا مِنْ مَاءٍ)

ش: تَقَدَّمَ ضَبْطُ السُّؤْرِ وَبَيَانُهُ وَالْمَعْنَى أَنَّ سُؤْرَ شَارِبِ الْخَمْرِ مِنْ الْمَاءِ وَمَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ وَسُؤْرُ الْحَيَوَانِ الَّذِي لَا يَتَوَقَّى النَّجَاسَةُ مِنْ الْمَاءِ أَيْضًا إذَا كَانَ يَسِيرًا كَآنِيَةِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ كَمَا تَقَدَّمَ مَكْرُوهٌ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ اسْتَعْمَلَهُ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَلَمْ يُصَرِّحْ ابْنُ الْحَاجِبِ بِالْكَرَاهَةِ فِيهِ وَصَرَّحَ بِهَا ابْنُ الْجَلَّابِ وَصَاحِبُ التَّلْقِينِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيَسِيرٌ كَآنِيَةِ وُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَاكْتَفَى الْمُصَنِّفُ بِذَكَرِ شَارِبِ الْخَمْرِ عَنْ النَّصْرَانِيِّ مَعَ ذِكْرِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّهُ مِنْ شَرْبَةِ الْخَمْرِ وَلَمْ يَكْتَفِ بِقَوْلِهِ مَا لَا يَتَوَقَّى نَجِسًا عَنْ قَوْلِهِ شَارِبِ خَمْرٍ لِأَنَّهُ لَمَّا أَتَى بِمَا وَهِيَ لِمَا لَا يَعْقِلُ لَمْ تُصَدَّقْ عَلَى شَارِبِ الْخَمْرِ وَقَوْلُهُ شَارِبِ خَمْرٍ يَقْتَضِي الْحُكْمَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَلَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ كَثْرَةِ شُرْبِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الْإِمَامِ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَهَذَا إذَا لَمْ تَتَحَقَّقْ طَهَارَةُ الْيَدِ وَالْفَمِ فَإِنْ تَحَقَّقَتْ جَازَ اسْتِعْمَالُهُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ قَالَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ وَذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ وَإِنْ تَحَقَّقَتْ نَجَاسَتُهُمَا فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ.

ص (لَا إنْ عَسُرَ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ أَوْ كَانَ طَعَامًا)

ش: يَعْنِي أَنَّ الْحَيَوَانَ الَّذِي لَا يَتَوَقَّى النَّجَاسَةَ إذَا عَسُرَ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ كَالْهِرِّ وَالْفَأْرَةِ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُ سُؤْرِهِ مِنْ الْمَاءِ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ مِنْهُ وَلِمَا وُرِدَ فِي الْهِرَّةِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «الْهِرَّةُ لَيْسَتْ بِنَجَسٍ إنَّمَا هِيَ مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ أَوْ الطَّوَّافَاتِ» هَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ بِأَوْ فِي بَابِ الطَّهُورِ لِلْوُضُوءِ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِ إنَّمَا هِيَ مِنْ الطَّوَّافِينَ وَالطَّوَّافَاتِ بِالْوَاوِ وَبِحَذْفِ عَلَيْكُمْ قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ صَاحِبُ مَطَالِعِ الْأَنْوَارِ: يُحْتَمَلُ أَوْ أَنْ تَكُونَ لِلشَّكِّ أَوْ لِلتَّقْسِيمِ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا لِلنَّوْعَيْنِ كَمَا فِي رِوَايَاتِ الْوَاوِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ أَيْضًا: قَالَ أَهْلُ اللُّغَةُ الطَّوَّافُونَ الْخَدَمُ وَالْمَمَالِيكُ وَقِيلَ هُمْ الَّذِينَ يَخْدُمُونَ بِرِفْقٍ وَعِنَايَةٍ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الطَّوَّافِينَ مِنْ الْخَدَمِ وَالصِّغَارِ الَّذِينَ سَقَطَ فِي حَقِّهِمْ الْحِجَابُ وَالِاسْتِئْذَانُ فِي غَيْرِ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ إنَّمَا سَقَطَ فِي حَقِّهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ لِلضَّرُورَةِ وَكَثْرَةِ مُدَاخَلَتِهِمْ بِخِلَافِ الْأَحْرَارِ الْبَالِغِينَ فَلِذَا يُعْفَى عَنْ الْهِرَّةِ لِلْحَاجَةِ أَشَارَ إلَى نَحْوِ هَذَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ.

وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْحَدِيثُ يَتَأَوَّلُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ شَبَّهَهَا بِخَدَمِ الْبَيْتِ وَمَنْ يَطَّوَّفُ عَلَى أَهْلِهِ لِلْخِدْمَةِ، وَالثَّانِي شَبَّهَهَا بِمَنْ يَطَّوَّفُ لِلْحَاجَةِ وَالْمَسْأَلَةِ وَمَعْنَاهُ الْأَجْرُ فِي مُوَاسَاتِهَا كَالْأَجْرِ فِي مُوَاسَاةِ مَنْ يَطَّوَّفُ لِلْحَاجَةِ وَالْمَسْأَلَةِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ الثَّانِي قَدْ يَأْبَاهُ سِيَاقُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ» وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُ سُؤْرِ مَا لَا يَتَوَقَّى النَّجَاسَةَ مِنْ الطَّعَامِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ عَسُرَ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ أَمْ لَا وَكَذَلِكَ سُؤْرُ شَارِبِ الْخَمْرِ مِنْ الطَّعَامِ وَمَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ مِنْ الطَّعَامِ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمَاءِ وَالطَّعَامِ هُوَ الْمَشْهُورُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا: وَالطَّيْرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>