للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنْ كُلِّ فَائِتٍ فَبِاَللَّهِ فَثِقُوا وَإِيَّاهُ فَارْجُوا؛ فَإِنَّ الْمُصَابَ مَنْ حُرِمَ الثَّوَابَ انْتَهَى.

قَالَ فِي الْمَدْخَلِ وَقَدْ وَرَدَ فِي التَّعْزِيَةِ أَلْفَاظٌ مُتَعَدِّدَةٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَأَحْسَنُ التَّعْزِيَةِ مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «آجَرَكُمْ اللَّهُ عَلَى مُصِيبَتِكُمْ وَأَعْقَبَكُمْ خَيْرًا مِنْهَا إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ» انْتَهَى

[فُرُوعٌ]

[الْأَوَّلُ الْجُلُوسُ لِلتَّعْزِيَةِ]

(فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) فِي الْجُلُوسِ لِلتَّعْزِيَةِ قَالَ سَنَدٌ: وَيَجُوزُ أَنْ يَجْلِسَ الرَّجُلُ لِلتَّعْزِيَةِ وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَمَّا قُتِلَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ وَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - جَلَسَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَسْجِدِ يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ الْحُزْنُ خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد انْتَهَى.

[الثَّانِي مَحَلِّ التَّعْزِيَةِ]

(الثَّانِي) فِي مَحَلِّ التَّعْزِيَةِ وَمَحَلُّهَا فِي الْبَيْتِ وَإِنْ جُعِلَتْ عَلَى الْقَبْرِ فَوَاسِعٌ غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْأَدَبِ.

قَالَ فِي الْمَدْخَلِ: وَالْأَدَبُ فِي التَّعْزِيَةِ عَلَى مَا نَقَلَهُ عُلَمَاؤُنَا أَنْ تَكُونَ بَعْدَ رُجُوعِ وَلِيِّ الْمَيِّتِ بَعْدَ الدَّفْنِ إلَى بَيْتِهِ وَهِيَ جَائِزَةٌ قَبْلَ الدَّفْنِ إنْ لَمْ يَحْصُلْ لِلْمَيِّتِ بِسَبَبِهَا تَأْخِيرٌ عَنْ مُوَارَاتِهِ فَإِنْ حَصَلَ ذَلِكَ مُنِعَ وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْضًا وَتَجُوزُ قَبْلَ الدَّفْنِ وَبَعْدَهُ انْتَهَى.

وَيُشِيرُ بِأَوَّلِ كَلَامِهِ إلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ وَنَصُّهُ: عَلَى مَا فِي النَّوَادِرِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ النَّخَعِيّ: كَانُوا يَكْرَهُونَ التَّعْزِيَةَ عِنْدَ الْقَبْرِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَذَلِكَ وَاسِعٌ فِي الدِّينِ، وَأَمَّا فِي الْأَدَبِ فَفِي الْمَنْزِلِ انْتَهَى.

وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ النَّوَادِرِ بِلَفْظِ ابْنِ حَبِيبٍ وَالتَّعْزِيَةُ عِنْدَ الْقَبْرِ وَاسِعٌ فِي الدِّينِ وَالْأَدَبُ فِي الْمَنْزِلِ وَنَقَلَهُ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ وَالطِّرَازِ وَالذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهِمْ وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ جَوَازُهَا قَبْلَ الدَّفْنِ وَقَالَهُ فِي الطِّرَازِ وَنَصُّهُ: بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ ابْنِ حَبِيبٍ الْمُتَقَدِّمِ. وَتَجُوزُ التَّعْزِيَةُ قَبْلَ الدَّفْنِ وَبَعْدَهُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ لَا يُعَزَّى بَعْدَ الدَّفْنِ؛ لِأَنَّ الدَّفْنَ خَاتِمَةُ أَمْرِهِ وَمَا قُلْنَاهُ أَصْوَبُ؛ لِأَنَّ عَقِيبَ الدَّفْنِ يَكْثُرُ الْجَزَعُ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ مُفَارَقَةِ شَخْصِهِ وَالِانْصِرَافِ عَنْهُ انْتَهَى.

وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَلَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا تَعْيِينَ وَقْتِ التَّعْزِيَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: حِينَ يَمُوتُ إلَى حِينِ يُدْفَنُ عَقِيبَ الدَّفْنِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: لَا يُعَزَّى بَعْدَ الدَّفْنِ؛ لِأَنَّ الدَّفْنَ خَاتِمَةُ أَمْرِهِ.

(قُلْت) وَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ أَعْنِي قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ عَزَّى مُصَابًا؛ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ» فَإِنَّهُ عَامٌّ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ عَقِيبَ وَقْتٍ يَكْثُرُ الْجَزَعُ وَالْهَلَعُ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ مُفَارَقَةِ شَخْصِ الْمَيِّتِ وَالرُّجُوعِ عَنْهُ بِالْإِيَاسِ مِنْهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَحَبَّ التَّعْزِيَةُ حِينَئِذٍ لِئَلَّا يَتَسَخَّطَ الْمُصَابُ بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَأْثَمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.

وَكَأَنَّ الْفَاكِهَانِيَّ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى كَلَامِ ابْنِ حَبِيبٍ الْمُتَقَدِّمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

[الثَّالِث مَنْ عَلَيْهِ التَّعْزِيَة]

(الثَّالِثُ) فِيمَنْ يُعَزَّى قَالَ سَنَدٌ: وَيُعَزَّى الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ مِمَّنْ يُقْصَدُ بِالْخِطَابِ وَيَفْهَمُهُ.

قَالَ سَحْنُونٌ: وَلَا تُعَزَّى الْمَرْأَةُ الشَّابَّةُ وَتُعَزَّى الْمُتَجَالَّةُ، وَتَرْكُهُ أَحْسَنُ قَالَ: وَكَذَلِكَ السَّلَامُ عَلَيْهِنَّ فِي الطَّرِيقِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا أُحِبُّ أَنْ يُعَزِّيَ الشَّابَّةَ إلَّا ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ وَيُخَصُّ بِالتَّعْزِيَةِ أَجْزَعُهُمْ وَأَضْعَفُهُمْ عَنْ احْتِمَالِ الْمُصِيبَةِ؛ لِأَنَّ الثَّوَابَ فِي تَعْزِيَتِهِمْ أَكْثَرُ انْتَهَى.

وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي الذَّخِيرَةِ بِلَفْظِ وَيُعَزَّى الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ وَمَنْ يَفْهَمُ الْخِطَابَ، وَالْمُتَجَالَّةُ بِخِلَافِ الشَّابَّةِ انْتَهَى.

وَنَقَلَهُ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ بِلَفْظِ: وَيُعَزَّى الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ الْمُمَيِّزُ وَالْمَرْأَةُ إلَّا أَنْ تَكُونَ شَابَّةً إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَا رَحِمٍ انْتَهَى.

وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَزَادَ الْحُرَّ وَالْعَبْدَ وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ فِي الْفَرْعِ الْخَامِسِ وَمَا عَزَاهُ سَنَدٌ لِسَحْنُونٍ نَقَلَهُ عَنْهُ فِي النَّوَادِرِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْهَا وَنَصُّهُ: وَفِي كِتَابِ ابْنُ سَحْنُونٍ لَا تُعَزَّى الشَّابَّةُ وَتُعَزَّى الْمُتَجَالَّةُ وَتَرْكُهُ أَحْسَنُ كَالسَّلَامِ عَلَيْهَا انْتَهَى

[الرَّابِع التَّعْزِيَةِ بِالنِّسَاءِ وَالْقَرِينِ الصَّالِحِ]

(الرَّابِعُ) فِي التَّعْزِيَةِ بِالنِّسَاءِ وَالْقَرِينِ الصَّالِحِ قَالَ فِي النَّوَادِرِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: أُصِيبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِامْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِهِ فَلَمَّا دُفِنَتْ وَرَجَعَ مَعَهُ الْقَوْمُ فَأَرَادُوا تَعْزِيَتَهُ عِنْدَ مَنْزِلِهِ فَدَخَلَ وَأَغْلَقَ الْبَابَ وَقَالَ إنَّا لَا نُعَزَّى فِي النِّسَاءِ وَفَعَلَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ مَا أَتَى بِكَ؟ . فَقَالَ: لِأُشَارِككَ فِي مُصِيبَتِكَ وَأُعَزِّيَكَ بِابْنَتِكَ، فَقَالَ لَهُ: مَهْلًا فَإِنَّا لَا نُعَزَّى فِي النِّسَاءِ وَلِغَيْرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>