للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [مريم: ٢٦] . أَيْ إمْسَاكًا، انْتَهَى.

وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ: قَالَ الْخَلِيلُ الصِّيَامُ قِيَامٌ بِلَا عَمَلٍ وَالصَّوْمُ الْإِمْسَاكُ عَنْ الطَّعَامِ وَصَامَ الْفَرَسُ أَيْ قَامَ عَلَى غَيْرِ اعْتِلَافٍ وَأَنْشَدَ بَيْتَ النَّابِغَةِ الْمُتَقَدِّمَ وَصَامَ النَّهَارُ صَوْمًا إذَا قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ وَاعْتَدَلَ وَالصَّوْمُ رُكُودُ الرِّيحِ وَالْبِكْرَاتُ شَرُّهُنَّ الصَّائِمَةُ يَعْنِي الَّتِي لَا تَدُورُ، وقَوْله تَعَالَى {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [مريم: ٢٦] ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: صَمْتًا، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: كُلُّ مُمْسِكٍ عَنْ كَلَامٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ سَيْرٍ فَهُوَ صَائِمٌ. وَالصَّوْمُ ذَرْقُ النَّعَامَةِ وَالصَّوْمُ الْبِيعَةُ وَالصَّوْمُ الشَّجَرُ فِي لُغَةِ هُذَيْلٍ، انْتَهَى.

وَقَالَ غَيْرُهُ: الصَّوْمُ شَجَرٌ عَلَى شَكْلِ شَخْصِ الْإِنْسَانِ كَرِيهُ الْمَنْظَرِ، انْتَهَى. وَقَالَ غَيْرُهُ: الْبِيعَةُ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَاحِدَةُ بِيَعِ الْيَهُودِ. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ الصَّوْمُ فِي اللُّغَةِ الْإِمْسَاكُ عَمَّا تَنْزِعُ إلَيْهِ النَّفْسُ، انْتَهَى. يُسَمَّى الصَّائِمُ سَائِحًا قَالَ فِي جَمْعِ الْأُمَّهَاتِ لِلسَّنُوسِيِّ: وَعَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ يُقَالُ السَّائِحُونَ الصَّائِمُونَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا ذَكَرَ الصَّائِمِينَ لَمْ يَذْكُرْ السَّائِحِينَ وَإِذَا ذَكَرَ السَّائِحِينَ لَمْ يَذْكُرْ الصَّائِمِينَ، انْتَهَى. وَالصَّوْمُ فِي الشَّرْعِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: الْإِمْسَاكُ عَنْ شَهْوَتَيْ الْفَمِ وَالْفَرْجِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا مُخَالَفَةً لِلْهَوَى فِي طَاعَةِ الْمَوْلَى فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ النَّهَارِ وَبِنِيَّةٍ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ مَعَهُ إنْ أَمْكَنَ فِيمَا عَدَا زَمَنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَأَيَّامَ الْأَعْيَادِ.

وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الصَّوْمُ رَسْمُهُ عِبَادَةٌ عَدَمِيَّةٌ وَقْتَ طُلُوعِ الْفَجْرِ حَتَّى الْغُرُوبِ فَلَا يَدْخُلُ تَرْكُ مَا تَرْكُهُ وَرَعٌ لِعَدَمِ اقْتِضَائِهِ لِذَاتِهِ الْوَقْتَ الْمَخْصُوصَ وَقَدْ يُحَدُّ بِأَنَّهُ كَفٌّ بِنِيَّةٍ عَنْ إنْزَالٍ يَقَظَةً وَوَطْءٍ وَإِنْعَاظٍ وَمَذْيٍ وَوُصُولِ غِذَاءٍ غَيْرِ غَالِبٍ غُبَارٍ وَذُبَابٍ وَفَلْقَةٍ بَيْنَ الْأَسْنَانِ لِحَلْقٍ أَوْ جَوْفٍ زَمَنَ الْفَجْرِ حَتَّى الْغُرُوبِ دُونَ إغْمَاءٍ أَكْثَرَ نَهَارِهِ. وَلَا يَرِدُ بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ حَلَفَ لَيَصُومَنَّ غَدًا فَبَيَّتَ وَأَكَلَ نَاسِيًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِقَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ هَذَا رُعِيَ لِلَغْوِ الْأَكْلِ نَاسِيًا وَإِلَّا زِيدَ أَثَرُ جَوْفٍ غَيْرِ مَنْسِيَّةٍ فِي تَطَوُّعٍ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ إمْسَاكٌ عَنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْجِمَاعِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ بِنِيَّةٍ يَبْطُلُ طَرْدُهُ قَوْلُهَا فِيمَنْ صَبَّ فِي حَلْقِهِ مَاءً وَمَنْ جُومِعَتْ نَائِمَةً وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ نَهَارِهِ وَأَمْذَى أَوْ أَمْنَى يَقَظَةً،، انْتَهَى.

(فَائِدَةٌ) أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى وُجُوبِ صِيَامِ رَمَضَانَ فَمَنْ جَحَدَ وُجُوبَهُ فَهُوَ مُرْتَدٌّ وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ صَوْمِهِ مَعَ الْإِقْرَارِ بِوُجُوبِهِ قُتِلَ حَدًّا عَلَى الْمَشْهُورِ.

مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: صَوْمُ رَمَضَانَ وَاجِبٌ، جَحْدُهُ وَتَرْكُهُ كَالصَّلَاةِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي فَرْضِ الْعَيْنِ: وَالْمُمْتَنِعُ مِنْ صَوْمِهِ يُقْتَلُ وَكَذَلِكَ الْمُمْتَنِعُ مِنْ الصَّلَاةِ وَالْوُضُوءِ وَغُسْلِ الْجَنَابَةِ وَلَا يَقْتُلُهُ إلَّا السُّلْطَانُ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَقَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ بِالْقَتْلِ كُفْرًا فِي تَارِكِ الصَّلَاةِ أَقْوَى مِنْهُ فِي الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ لَهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ مَا يُوجَدُ لِلصَّلَاةِ؛ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ أَحَدًا يُوَافِقُهُ عَلَى ذَلِكَ الصَّوْمِ إلَّا الْحَكَمَ بْنَ عُيَيْنَةَ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ وَافَقَ فِيهَا جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، انْتَهَى.

(قُلْت) فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ يُقْتَلُ حَدًّا، فَقَوْلُ عِيَاضٍ فِي قَوَاعِدِهِ أَنَّهُ يُحْبَسُ وَيُمْنَعُ مِنْ الْإِفْطَارِ مُخَالِفٌ لِلْمَشْهُورِ فَقَدْ صَرَّحَ بِقَتْلِهِ لِتَرْكِ الصَّوْمِ ابْنُ يُونُسَ وَغَيْرُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَاخْتُلِفَ فِي الصَّوْمِ الْوَاجِبِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: قِيلَ عَاشُورَاءُ وَقِيلَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، انْتَهَى.

وَذَكَرَ الْمَهْدَوِيُّ عَنْ مُعَاذٍ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ عَاشُورَاءُ وَثَلَاثَةُ أَيَّام وَذَكَرَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ عَاشُورَاءُ وَاخْتُلِفَ فِي قَوْله تَعَالَى {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: ١٨٣] . فَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ رَمَضَانُ وَاَلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْأَنْبِيَاءُ وَأُمَمُهُمْ وَأَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا عَلَى مَنْ قَبْلَنَا فَجَاءَ فِي الْحَرِّ فَحَوَّلُوهُ وَزَادُوا فِيهِ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ التَّشْبِيهُ فِي مُطْلَقِ الصَّوْمِ: وَإِنْ اخْتَلَفَ الْعَدَدُ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(تَنْبِيهٌ) أَوَّلُ مَا فُرِضَ رَمَضَانُ خُيِّرَ بَيْنَ صَوْمِهِ وَبَيْنَ الْإِطْعَامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: ١٨٤] . ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: ١٨٥] . وَكَانَ فِي أَوَّلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>