للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

غير أَنه عَلَيْهِ زِيّ الْمُسلمين حمل على ظَاهر أمره على أَنه مُسلم حَتَّى يظْهر خلاف ذَلِك. وَفِيه: مَا يدل على تَعْظِيم شان الْقبْلَة، وَهِي من فَرَائض الصَّلَاة، وَالصَّلَاة أعظم قربات الدّين، وَمن ترك الْقبْلَة مُتَعَمدا فَلَا صَلَاة لَهُ، وَمن لَا صَلَاة لَهُ فَلَا دين لَهُ. وَفِيه: أَن اسْتِقْبَال الْقبْلَة شَرط للصَّلَاة مُطلقًا، إلَاّ فِي حَالَة الْخَوْف، ثمَّ من كَانَ بِمَكَّة شرفها اتعالى فالفرض فِي حَقه إِصَابَة عينهَا سَوَاء كَانَ بَين الْمُصَلِّي وَبَين الْكَعْبَة حَائِل بجدار أَو لم يكن، حَتَّى لَو اجْتهد وَصلى فَبَان خَطؤُهُ، فَقَالَ الرَّازِيّ: يُعِيد، وَنقل ابْن رستم عَن مُحَمَّد بن الْحسن: لَا يُعِيد إِذا بَان خَطؤُهُ بِمَكَّة أَو بِالْمَدِينَةِ، قَالَ: وَهُوَ الأقيس لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا فِي وَسعه، وَذكر أَبُو الْبَقَاء أَن جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وضع محراب رَسُول الله مسامت الْكَعْبَة، وَقيل: كَانَ ذَلِك بالمعاينة، بِأَن كشف الْحَال وأزيلت الحوائل، فَرَأى رَسُول الله الْكَعْبَة فَوضع قبْلَة مَسْجده عَلَيْهَا، وَأما من كَانَ غَائِبا عَن الْكَعْبَة ففرضه جِهَة الْكَعْبَة لَا عينهَا، وَهُوَ قَول الْكَرْخِي وَأبي بكر الرَّازِيّ وَعَامة مَشَايِخ الْحَنَفِيَّة. وَقَالَ أَبُو عبد االجرجاني، شيخ أبي الْحسن الْقَدُورِيّ الْفَرْض إِصَابَة عينهَا فِي حق الْحَاضِر وَالْغَائِب، وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي. قَالَ النوووي: الصَّحِيح عَن الشَّافِعِي فرض الْمُجْتَهد مطلوبية عينهَا. وَفِي تعلم أَدِلَّة الْقبْلَة ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَنه فرض كِفَايَة. الثَّانِي: فرض عين وَلَا يَصح. الثَّالِث: فرض كِفَايَة إلَاّ أَن يُرِيد سفرا. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي (الْمعرفَة) : وَالَّذِي رُوِيَ مَرْفُوعا: (الْكَعْبَة قبْلَة من يُصَلِّي فِي الْمَسْجِد الْحَرَام، وَالْمَسْجِد الْحَرَام قبْلَة أهل مَكَّة مِمَّن يُصَلِّي فِي بَيته أَو فِي الْبَطْحَاء، وَمَكَّة قبْلَة أهل الْحرم، وَالْحرم قبْلَة لأهل الْآفَاق) . فَهُوَ حَدِيث ضَعِيف لَا يحْتَج بِهِ. وَفِيه: أَن من جملَة الشواهد بِحَال الْمُسلم أكل ذَبِيحَة الْمُسلمين، وَذَلِكَ أَن طوائف من الكتابيين والوثنيين يتحرجون من أكل ذَبَائِح الْمُسلمين، والوثني الَّذِي يعبد الوثن أَي الصَّنَم.

٢٩٣٨٥ - ح دّثنا نُعَيْمٌ قَالَ حدّثنا ابنُ المبارَك عِنْ حُمَيْدِ الطَّوِيل عنْ أنسَ بن مالكٍ قَالَ قَالَ رَسُول الله أَمرتُ أَن أُقاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقولوا لَا إلَهَ إِلَاّ اللَّهُ فإِذَا قالُوها وصَلَّوْا صَلَاتَنا واسْتَقْبَلُوا قِبْلَتَنَا وَذَبَحُوا ذَبِيحَتَنَا فَقَدْ حَرُمَتْ عَليْنا دِماؤُهُمْ وأمْوالُهُمْ إلَاّ بِحَقِّها وحسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ. .

حَدِيث أنس هَذَا أخرجه البُخَارِيّ فِي هَذَا الْبَاب من ثَلَاثَة أوجه. الأول: مُسْند عَن عَمْرو بن عَبَّاس الخ، وَقد مر. وَالثَّانِي: فِيهِ خلاف بَين الروَاة من أَرْبَعَة أوجه. الأول: حَدثهُ البُخَارِيّ عَن نعيم بن حَمَّاد الْخُزَاعِيّ، ونعيم خرجه مُعَلّقا من حَيْثُ قَالَ: قَالَ ابْن الْمُبَارك، وَهُوَ عبد ابْن الْمُبَارك، وَهَذَا هُوَ الْمَذْكُور فِي نسختنا. الثَّانِي: قَالَ ابْن شَاكر رَاوِي البُخَارِيّ عَنهُ: قَالَ نعيم بن حَمَّاد: فَالْبُخَارِي علقه. وَالثَّالِث: رِوَايَة الْأصيلِيّ وكريمة، قَالَ ابْن الْمُبَارك بِغَيْر ذكر نعيم: فَالْبُخَارِي أَيْضا علقه. وَالرَّابِع: وَقع مُسْندًا حَيْثُ قَالَ فِي بعض النّسخ: حدّثنا نعيم حدّثنا ابْن الْمُبَارك ... الخ. وَالثَّالِث من الْأَوْجه: الَّتِي ذكرهَا البُخَارِيّ: مُعَلّق مَوْقُوف على مَا يَأْتِي عَن قريب.

وَأخرج أَبُو دَاوُد هَذَا الحَدِيث فِي الْجِهَاد وَالتِّرْمِذِيّ فِي الْإِيمَان عَن سعيد بن يَعْقُوب عَن ابْن الْمُبَارك. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْمُحَاربَة عَن مُحَمَّد بن حَاتِم عَن حبَان عَن ابْن الْمُبَارك.

قَوْله: (أمرت) أَي: أَمرنِي اتعالى، وَإِنَّمَا طوى ذكر الْفَاعِل لشهرته ولتعظيمه. قَوْله: (أَن أقَاتل النَّاس) أَي: بِأَن أقَاتل، وكملة: أَن، مَصْدَرِيَّة، وَأَرَادَ بِالنَّاسِ: الْمُشْركين. قَوْله: (حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إلَاّ ا) ، إِنَّمَا اكْتفى بِذكر هَذَا الشَّرْط من غير انضمام: مُحَمَّد رَسُول ا، لِأَنَّهُ عبر على طَرِيق الْكِنَايَة عَن الْإِقْرَار برسالته بِالصَّلَاةِ والاستقبال وَالذّبْح، لِأَن هَذِه الثَّلَاثَة من خَواص دينه، لِأَن الْقَائِلين: لَا إِلَه إِلَّا ا، كاليهود فصلاتهم بِدُونِ الرُّكُوع، وقبلتهم غير الْكَعْبَة، وذبيحتهم لَيست كذبيحتنا. وَقد يُجَاب بِأَن هَذَا الشَّرْط الأول من كلمة الشَّهَادَة شعار لمجموعها، كَمَا يُقَال قَرَأت: {ألم ذَلِك الْكتاب} (الْبَقَرَة: ١ ٢) وَالْمرَاد كل السُّورَة، لَا يُقَال: فعلى هَذَا لَا يحْتَاج إِلَى الْأُمُور الثَّلَاثَة، لِأَن مُجَرّد هَذِه الْكَلِمَة الَّتِي هِيَ شعار الْإِسْلَام مُحرمَة للدماء وَالْأَمْوَال، لأَنا نقُول: الْغَرَض مِنْهُ بَيَان تَحْقِيق القَوْل بِالْفِعْلِ وتأكيد أمره، فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِذا قالوها وحققوا مَعْنَاهَا بموافقة الْفِعْل لَهَا فَتكون مُحرمَة. وَأما تَخْصِيص هَذِه الثَّلَاثَة من بَين سَائِر الْأَركان وواجبات الدّين فلكونها أظهرها وَأَعْظَمهَا وأسرعها علما بهَا، إِذْ فِي الْيَوْم الأول من الملاقاة مَعَ الشَّخْص يعلم صلَاته وَطَعَامه، غَالِبا، بِخِلَاف نَحْو الصَّوْم فَإِنَّهُ لَا يظْهر الامتياز بَيْننَا وَبينهمْ بِهِ وَنَحْو الْحَج فَإِنَّهُ قد يتَأَخَّر إِلَى شهور وسنين، وَقد لَا يجب عَلَيْهِ أصلا. قَوْله: (وذبحوا ذبيحتنا) أَي: ذَبَحُوا الْمَذْبُوح مثل مذبوحنا،

<<  <  ج: ص:  >  >>