للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

اللَّيْث بِهِ وَعَن يحيى بن يحيى عَن مَالك بِهِ. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُحَمَّد بن مسلمة عَن ابْن وهب عَن أُسَامَة بن زيد عَن الزُّهْرِيّ بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة بِهِ. وَأخرجه ابْن مَاجَه عَن مُحَمَّد بن رمح بِهِ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أخر الصَّلَاة يَوْمًا) ، وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ فِي بَدْء الْخلق: (أخر الْعَصْر يَوْمًا) . وَقَوله: (يَوْمًا) بالتنكير ليدل على التقليل، وَمرَاده يَوْمًا مَا، لَا أَن ذَلِك كَانَ سجيته، كَمَا كَانَت مُلُوك بني أُميَّة تفعل، لَا سِيمَا الْعَصْر، فقد كَانَ الْوَلِيد ابْن عتبَة يؤخرها فِي زمن عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَانَ ابْن مَسْعُود يُنكر عَلَيْهِ، وَقَالَ عَطاء: أخر الْوَلِيد مرّة الْجُمُعَة حَتَّى أَمْسَى، وَكَذَا كَانَ الْحجَّاج يفعل، وَأما عمر بن عبد الْعَزِيز فَإِنَّهُ أَخّرهَا عَن الْوَقْت الْمُسْتَحبّ المرغب فِيهِ، لَا عَن الْوَقْت، وَلَا يعْتَقد ذَلِك فِيهِ لجلالته وإنكاره عُرْوَة عَلَيْهِ إِنَّمَا وَقع لتَركه الْوَقْت الْفَاضِل الَّذِي صلى فِيهِ جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام؛ وَقَالَ ابْن عبد الْبر، المُرَاد أَنه أَخّرهَا حَتَّى خرج الْوَقْت الْمُسْتَحبّ لَا أَنه أَخّرهَا حَتَّى غربت الشَّمْس. فَإِن قلت: روى الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق يزِيد بن أبي حبيب عَن أُسَامَة بن زيد اللَّيْثِيّ عَن ابْن شهَاب فِي هَذَا الحَدِيث قَالَ: (دَعَا الْمُؤَذّن لصَلَاة الْعَصْر فأمسى عمر بن عبد الْعَزِيز قبل أَن يُصليهَا) . قلت: مَعْنَاهُ أَنه قَارب الْمسَاء لَا أَنه دخل فِيهِ. قَوْله: (وَهُوَ بالعراق) جملَة أسمية وَقعت حَالا عَن الْمُغيرَة، وَأَرَادَ بِهِ: عراق الْعَرَب، وَهُوَ من عبادان إِلَى الْموصل طولا وَمن الْقَادِسِيَّة إِلَى حلوان عرضا. وَفِي رِوَايَة القعْنبِي وَغَيره، عَن مَالك: وَهُوَ بِالْكُوفَةِ، وَكَذَا أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن أبي خَليفَة عَن القعْنبِي، والكوفة من جملَة عراق الْعَرَب، وَكَانَ الْمُغيرَة بن شُعْبَة إِذْ ذَاك أَمِيرا على الْكُوفَة من قبل مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان. قَوْله: (فَقَالَ: مَا هَذَا؟) أَي: التَّأْخِير. قَوْله: (أَلَيْسَ قد علمت؟) الرِّوَايَة وَقعت كَذَا: أَلَيْسَ، وَكَانَ مُقْتَضى الْكَلَام: أَلَسْت، بِالْخِطَابِ. قَالَ الْقشيرِي: قَالَ بعض فضلاء الْأَدَب: كَذَا الرِّوَايَة وَهِي جَائِزَة، إلَاّ أَن الْمَشْهُور فِي الِاسْتِعْمَال: أَلَسْت، يَعْنِي بِالْخِطَابِ، وَقَالَ عِيَاض: يدل ظَاهر قَوْله: قد علمت على علم الْمُغيرَة بذلك، وَيحْتَمل أَن يكون ذَلِك على سَبِيل الظَّن من أبي مَسْعُود لعلمه بِصُحْبَة الْمُغيرَة. قلت: لأجل ذَلِك ذكره بِلَفْظ الِاسْتِفْهَام فِي قَوْله: أَلَيْسَ، وَلَكِن يُؤَيّد الْوَجْه الأول رِوَايَة شُعَيْب عَن ابْن شهَاب عِنْد البُخَارِيّ أَيْضا فِي غَزْوَة بدر بِلَفْظ: فَقَالَ لقد علمت، بِغَيْر حرف الِاسْتِفْهَام، وَنَحْوه عَن عبد الرَّزَّاق عَن معمر وَابْن جريج جَمِيعًا. قَوْله: (إِن جِبْرِيل نزل) بيّن ابْن اسحاق فِي الْمَغَازِي أَن ذَلِك كَانَ صَبِيحَة اللَّيْلَة الَّتِي فرضت فِيهَا الصَّلَاة، وَهِي لَيْلَة الْإِسْرَاء. قَوْله: (فصلى فصلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، الْكَلَام هُنَا فِي موضِعين: أَحدهمَا فِي كلمة: (ثمَّ صلى فصلى) ، وَالْآخر فِي كلمة: الْفَاء، أما الأول: فقد قَالَ الْكرْمَانِي فَإِن قلت: قَالَ فِي صَلَاة جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (ثمَّ صلى) بِلَفْظ: ثمَّ، وَفِي صَلَاة الرَّسُول، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فصلى بِالْفَاءِ؟ قلت: لِأَن صَلَاة الرَّسُول كَانَت متعقبة لصَلَاة جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، بِخِلَاف صلَاته، فَإِن بَين كل صَلَاتَيْنِ زَمَانا، فَنَاسَبَ كلمة التَّرَاخِي. وَأما الثَّانِي: فقد قَالَ عِيَاض: ظَاهره أَن صلَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَت بعد فرَاغ صَلَاة جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لَكِن الْمَنْصُوص فِي غَيره أَن جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، أمَّ النبيَّ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَيحمل قَوْله: (صلى فصلى) ، على أَن جِبْرِيل كَانَ كلما فعل جزأً من الصَّلَاة تَابعه النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَفعله. وَقَالَ النَّوَوِيّ: صلى فصلى، مكررا هَكَذَا خمس مَرَّات، مَعْنَاهُ أَنه كلما فعل جزأً من أَجزَاء الصَّلَاة فعله النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حَتَّى تكاملت صلاتهما. انْتهى. قلت: مبْنى كَلَام عِيَاض على أَن الْفَاء، فِي الأَصْل للتعقيب، فَدلَّ على أَن صَلَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَت عقيب فرَاغ جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، من صلَاته. وَحَاصِل جَوَابه أَنه جعل: الْفَاء، على أَصله وأوله بالتأويل الْمَذْكُور. وَبَعْضهمْ ذهب إِلَى أَن: الْفَاء، هُنَا بِمَعْنى: الْوَاو، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا ائتم بِجِبْرِيل يجب أَن يكون مُصَليا مَعَه لَا بعده. وَإِذا حملت: الْفَاء، على حَقِيقَتهَا وَجب أَن لَا يكون مُصَليا مَعَه، وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَن: الْفَاء، إِذا كَانَ بِمَعْنى الْوَاو، يحْتَمل أَن يكون النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، صلى قبل جِبْرِيل، لِأَن: الْوَاو، لمُطلق الْجمع، و: الْفَاء، لَا تحْتَمل ذَلِك قلت: فجيء: الْفَاء، بِمَعْنى: الْوَاو، لَا يُنكر كَمَا فِي قَوْله:

(بَين الدُّخُول فحومل)

فَإِن: الْفَاء، فِيهِ بِمَعْنى: الْوَاو، وَالِاحْتِمَال الَّذِي ذكره الْمُعْتَرض يدْفع بِأَن جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، هُنَا مُبين لهيئة الصَّلَاة الَّتِي فرضت لَيْلَة الْإِسْرَاء، فَلَا يُمكن أَن تكون صلَاته بعد صَلَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وإلَاّ لَا يبْقى لصَلَاة جِبْرِيل فَائِدَة. وَيُمكن أَن تكون: الْفَاء، هُنَا للسَّبَبِيَّة، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فوكزه مُوسَى فَقضى عَلَيْهِ} (الْقَصَص: ١٥) قَوْله: (بِهَذَا) ، أَي: بأَدَاء الصَّلَاة فِي هَذِه الْأَوْقَات. قَوْله: (أمرت، رُوِيَ بِضَم التَّاء وَفتحهَا، وعَلى الْوَجْهَيْنِ هُوَ على صِيغَة الْمَجْهُول، وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: نزل جِبْرِيل،

<<  <  ج: ص:  >  >>