للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عَلَيْهِ وَقْفَة لَطِيفَة ثمَّ يُؤْتى بِمَا بعده. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي هَذَا الحَدِيث: أَي، مشدد منون، كَذَلِك سَمِعت من ابْن الخشاب. وَقَالَ: لَا يجوز إلَاّ تنوينه لِأَنَّهُ مُعرب غير مُضَاف. وَقَالَ بَعضهم: وَتعقب بِأَنَّهُ مُضَاف تَقْديرا، والمضاف إِلَيْهِ مَحْذُوف، وَالتَّقْدِير: ثمَّ أَي الْعَمَل أحب؟ فَيُوقف عَلَيْهِ بِلَا تَنْوِين. قلت: قَالَ النُّحَاة: إِن أيا الموصولة والشرطية والاستفهامية معربة دَائِما فَإِذا كَانَت: أَي هَذِه معربة عِنْد الْإِفْرَاد، فَكيف يُقَال: إِنَّهَا مَبْنِيَّة عِنْد الْإِضَافَة؟ وَلما نقل عَن سِيبَوَيْهٍ هَذَا هَكَذَا أنكر عَلَيْهِ الزّجاج، فَقَالَ: مَا تبين لي أَن سِيبَوَيْهٍ غلط إلَاّ فِي موضِعين: هَذَا أَحدهمَا، فَإِنَّهُ يسلم أَنَّهَا تعرب إِذا أفردت، فَكيف يَقُول ببنائها إِذا أضيفت؟ قَوْله: (قَالَ: بر الْوَالِدين) ، هَكَذَا هُوَ عِنْد أَكثر الروَاة، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: (قَالَ: ثمَّ بر الْوَالِدين)) ، بِزِيَادَة كلمة: ثمَّ، و: الْبر، بِكَسْر الْبَاء: الْإِحْسَان، وبر الْوَالِدين: الْإِحْسَان إِلَيْهِمَا وَالْقِيَام بخدمتهما وَترك العقوق والإساءة إِلَيْهِمَا من: بر يبر فَهُوَ بار، وَجمعه: بررة. قَوْله: الْجِهَاد فِي سَبِيل الله) وَهُوَ: الْمُحَاربَة مَعَ الْكفَّار لإعلاء كلمة الله وَإِظْهَار شَعَائِر الْإِسْلَام بِالنَّفسِ وَالْمَال. فَإِن قلت: مَا الْحِكْمَة فِي تَخْصِيص الذّكر بِهَذِهِ الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة؟ قلت: هَذِه الثَّلَاثَة أفضل الْأَعْمَال بعد الْإِيمَان، من ضيع الصَّلَاة الَّتِي هِيَ عماد الدّين مَعَ الْعلم بفضيلتها كَانَ لغَيْرهَا من أَمر الدّين أَشد تضييعا، وَأَشد تهاونا واستخفافا، وَكَذَا من ترك بر وَالِديهِ فَهُوَ لغير ذَلِك من حُقُوق الله أَشد تركا، وَكَذَا الْجِهَاد: من تَركه مَعَ قدرته عَلَيْهِ عِنْد تعينه، فَهُوَ لغير ذَلِك من الْأَعْمَال الَّتِي يتَقرَّب بهَا إِلَى الله تَعَالَى أَشد تركا، فالمحافظ على هَذِه الثَّلَاثَة حَافظ على مَا سواهَا، والمضيع لَهَا كَانَ لما سواهَا أضيع. قَوْله: (حَدثنِي بِهن) مقول عبد الله بن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَي: بِهَذِهِ الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة، وَأَنه تَأْكِيد وَتَقْرِير لما تقدم، إِذْ لَا ريب أَن اللَّفْظ صَرِيح فِي ذَلِك، وَهُوَ أرفع دَرَجَات التَّحَمُّل. قَوْله: (وَلَو استزدته) أَي: وَلَو طلبت مِنْهُ الزِّيَادَة فِي السُّؤَال لزادني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْجَواب، ثمَّ طلبه الزِّيَادَة يحْتَمل أَن يكون أرادها من هَذَا النَّوْع، وَهِي مَرَاتِب أفضل الْأَعْمَال، وَيحْتَمل أَن يكون أرادها من مُطلق الْمسَائِل الْمُحْتَاج إِلَيْهَا. وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: من طَرِيق المَسْعُودِيّ عَن الْوَلِيد: (فَسكت عني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَو استزدته لزادني) ، فَكَأَنَّهُ فهم مِنْهُ السَّآمَة، فَلذَلِك قَالَ مَا قَالَه، وَيُؤَيِّدهُ مَا فِي رِوَايَة مُسلم: (فَمَا تركت أَن أستزيده إلَاّ إرعاء عَلَيْهِ) ، أَي: شَفَقَة عَلَيْهِ لِئَلَّا يسأم.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: أَن أَعمال الْبر تفضل بَعْضهَا على بعض عِنْد الله تَعَالَى. فَإِن قلت: ورد أَن إطْعَام الطَّعَام خير أَعمال الْإِسْلَام، وَورد: (إِن أحب الْأَعْمَال إِلَى الله أَدْوَمه) ، وَغير ذَلِك، فَمَا وَجه التَّوْفِيق بَينهمَا؟ قلت: أجَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لكل من سَأَلَ بِمَا يُوَافق غَرَضه، أَو بِمَا يَلِيق بِهِ، أَو بِحَسب الْوَقْت، فَإِن الْجِهَاد كَانَ فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام أفضل الْأَعْمَال، لِأَنَّهُ كَانَ كالوسيلة إِلَى الْقيام بهَا. والتمكن من أَدَائِهَا، أَو بِحَسب الْحَال، فَإِن النُّصُوص تعاضدت على فضل الصَّلَاة على الصَّدَقَة، وَرُبمَا تجدّد حَال يَقْتَضِي مواساة مُضْطَر فَتكون الصَّدَقَة حِينَئِذٍ أفضل، وَيُقَال: إِن أفعل، فِي: أفضل الْأَعْمَال، لَيْسَ على بَابه، بل المُرَاد بِهِ الْفضل الْمُطلق. وَيُقَال: التَّقْدِير أَن من أفضل الْأَعْمَال، فحذفت كلمة: من، وَهِي مُرَادة قلت: وَفِيه نظر. وَفِيه: مَا قَالَ ابْن بطال: إِن البدار إِلَى الصَّلَاة فِي أول وَقتهَا أفضل من التَّرَاخِي فِيهَا، لِأَنَّهُ إِنَّمَا شَرط فِيهَا أَن تكون أحب من الْأَعْمَال إِذا أُقِيمَت لوَقْتهَا الْمُسْتَحبّ. قلت: لفظ الحَدِيث لَا يدل على مَا ذكره على مَا لَا يخفى، وَقَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد: لَيْسَ فِي هَذَا اللَّفْظ مَا يَقْتَضِي أَولا وَلَا آخرا، فَكَانَ الْمَقْصُود بِهِ الِاحْتِرَاز عَمَّا إِذا وَقعت قَضَاء. وَقَالَ بَعضهم: وَتعقب بِأَن إخْرَاجهَا عَن وَقتهَا محرم، وَلَفظ: أحب، يَقْتَضِي الْمُشَاركَة فِي الِاسْتِحْبَاب، فَيكون المُرَاد الِاحْتِرَاز عَن إيقاعها آخر الْوَقْت. قلت: الَّذِي يدل ظَاهر اللَّفْظ أَن الصَّلَاة مُشَاركَة لغَيْرهَا من الْأَعْمَال فِي الْمحبَّة، فَإِذا وَقعت الصَّلَاة فِي وَقتهَا كَانَت أحب إِلَى الله تَعَالَى من غَيرهَا، فَيكون الِاحْتِرَاز عَن وُقُوعهَا خَارج الْوَقْت. فَإِن قلت: روى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (الْوَقْت الأول من الصَّلَاة رضوَان الله، وَالْوَقْت الآخر عَفْو الله) . وَالْعَفو لَا يكون إلَاّ عِنْد التَّقْصِير. . قلت: قَالَ ابْن حبَان، لما رَوَاهُ فِي (كتاب الضُّعَفَاء) : وَتفرد بِهِ يَعْقُوب بن الْوَلِيد، وَكَانَ يضع الحَدِيث. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: هُوَ مَوْضُوع. وَقَالَ الْمَيْمُونِيّ: سَمِعت أَبَا عبد الله يَقُول: لَا أعرف شَيْئا يثبت فِي أَوْقَات الصَّلَاة أَولهَا كَذَا وَآخِرهَا (هَكَذَا، يَعْنِي: مغْفرَة ورضوانا. وَفِيه: تَعْظِيم الْوَالِدين وَبَيَان فَضله وَيجب الْإِحْسَان إِلَيْهِمَا وَلَو كَانَا كَافِرين. وَفِيه: السُّؤَال عَن مسَائِل شَتَّى فِي وَقت وَاحِد، وَجَوَاز تَكْرِير السُّؤَال. وَفِيه: الرِّفْق بالعالم والتوقف عَن الْإِكْثَار عَلَيْهِ خشيَة ملاله. وَفِيه:

<<  <  ج: ص:  >  >>