للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

آخر عَن أَيُّوب بن سُلَيْمَان وَلم يقل فِيهِ وَغَيره قَوْله " وَنَافِع " بِالرَّفْع عطف على قَوْله الْأَعْرَج (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ " أَي أَن أَبَا هُرَيْرَة وَابْن عمر حَدثا من حدث صَالح بن كيسَان وَيحْتَمل أَن يعود الضَّمِير فِي أَنَّهُمَا إِلَى الْأَعْرَج وَنَافِع أَي أَن الْأَعْرَج ونافعا حَدَّثَاهُ أَي صَالح بن كيسَان عَن شيخيهما بذلك وَوَقع فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ " أَنَّهُمَا حَدثا " بِغَيْر ضمير فَلَا يحْتَاج إِلَى التَّقْدِير الْمَذْكُور قَوْله " إِذا اشْتَدَّ " من الاشتداد من بَاب الافتعال وَأَصله اشتدد أدغمت الدَّال الأولى فِي الثَّانِيَة قَوْله " فأبردوا " بِفَتْح الْهمزَة من الْإِبْرَاد قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْفَائِق حَقِيقَة الْإِبْرَاد الدُّخُول فِي الْبرد وَالْبَاء للتعدية وَالْمعْنَى إِدْخَال الصَّلَاة فِي الْبرد وَيُقَال مَعْنَاهُ افعلوها فِي وَقت الْبرد وَهُوَ الزَّمَان الَّذِي يتَبَيَّن فِيهِ شدَّة انكسار الْحر لِأَن شدته تذْهب الْخُشُوع وَقَالَ السفاقسي أبردوا أَي ادخُلُوا فِي وَقت الْإِبْرَاد مثل أظلم دخل فِي الظلام وَأمسى دخل فِي الْمسَاء. وَقَالَ الْخطابِيّ الْإِبْرَاد انكسار شدَّة حر الظهيرة وَذَلِكَ أَن فتور حرهَا بِالْإِضَافَة إِلَى وهج الهاجرة برد وَلَيْسَ ذَلِك بِأَن يُؤَخر إِلَى آخر برد النَّهَار وَهُوَ برد العشى إِذْ فِيهِ الْخُرُوج عَن قَول الْأَئِمَّة قَوْله " بِالصَّلَاةِ " وَفِي حَدِيث أبي ذَر الَّذِي يَأْتِي بعد هَذَا الحَدِيث " عَن الصَّلَاة " وَالْفرق بَينهمَا أَن الْبَاء هُوَ الأَصْل وَأما عَن فَفِيهِ تضمين معنى التَّأْخِير أَي أخروا عَنْهَا مبردين وَقيل هما بِمَعْنى وَاحِد لِأَن عَن تَأتي بِمَعْنى الْبَاء كَمَا يُقَال رميت عَن الْقوس أَي بِالْقَوْسِ وَقيل الْبَاء زَائِدَة وَالْمعْنَى أبردوا بِالصَّلَاةِ وَقَوله " بِالصَّلَاةِ " بِالْبَاء هُوَ رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة الْكشميهني " عَن الصَّلَاة " كَمَا فِي حَدِيث أبي ذَر وَقَالَ بَعضهم فِي قَوْله " بِالصَّلَاةِ " الْبَاء للتعدية وَقيل زَائِدَة وَمعنى أبردوا أخروا على سَبِيل التَّضْمِين (قلت) قَوْله للتعدية غير صَحِيح لِأَنَّهُ لَا يجمع فِي تَعديَة اللَّازِم بَين الْهمزَة وَالْبَاء وَقَوله على سَبِيل التَّضْمِين أَيْضا غير صَحِيح لِأَن معنى التَّضْمِين فِي رِوَايَة عَن كَمَا ذكرنَا لَا فِي رِوَايَة الْبَاء فَافْهَم وَقد ذكرنَا أَن المُرَاد من الصَّلَاة هِيَ صَلَاة الظّهْر قَوْله " فَإِن شدَّة الْحر " الْفَاء فِيهِ للتَّعْلِيل أَرَادَ أَن عِلّة الْأَمر بالإبراد هِيَ شدَّة الْحر وَاخْتلف فِي حِكْمَة هَذَا التَّأْخِير فَقيل دفع الْمَشَقَّة لكَون شدَّة الْحر مِمَّا يذهب الْخُشُوع وَقيل لِأَنَّهُ وَقت تسجر فِيهِ جَهَنَّم كَمَا روى مُسلم من حَدِيث عَمْرو بن عبسة حَيْثُ قَالَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " اقصر عَن الصَّلَاة عِنْد اسْتِوَاء الشَّمْس فَإِنَّهَا سَاعَة تسجر فِيهَا جَهَنَّم " انْتهى فَهَذِهِ الْحَالة ينتشر فِيهَا الْعَذَاب (فَإِن قلت) الصَّلَاة سَبَب الرَّحْمَة وإقامتها مَظَنَّة دفع الْعَذَاب فَكيف أَمر - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِتَرْكِهَا فِي هَذِه الْحَالة (قلت) أُجِيب عَنهُ بجوابين أَحدهمَا قَالَه الْيَعْمرِي بِأَن التَّعْلِيل إِذا جَاءَ من جِهَة الشَّارِع وَجب قبُوله وَإِن لم يفهم مَعْنَاهُ وَالْآخر من جِهَة أهل الْحِكْمَة وَهُوَ أَن هَذَا الْوَقْت وَقت ظُهُور الْغَضَب فَلَا ينجع فِيهِ الطّلب إِلَّا مِمَّن أذن لَهُ كَمَا فِي حَدِيث الشَّفَاعَة حَيْثُ اعتذر الْأَنْبِيَاء كلهم عَلَيْهِم السَّلَام للأمم بذلك سوى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَإِنَّهُ أذن لَهُ فِي ذَلِك. قَوْله " من فيح جَهَنَّم " بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره حاء مُهْملَة وَهُوَ سطوع الْحر وفورانه وَيُقَال بِالْوَاو فوح وفاحت الْقُدْرَة تفوح إِذا غلت وَقَالَ ابْن سَيّده فاح الْحر يفيح فيحا سَطَعَ وهاج وَيُقَال هَذَا خَارج مخرج التَّشْبِيه والتمثيل أَي كَأَنَّهُ فار جَهَنَّم فِي حرهَا وَيُقَال هُوَ حَقِيقَة وَهُوَ أَن نثار وهج الْحر فِي الأَرْض من فيح جَهَنَّم حَقِيقَة ويقوى هَذَا حَدِيث " اشتكت النَّار إِلَى رَبهَا " كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَأما لفظ جَهَنَّم فقد قَالَ قطرب زعم يُونُس أَنه اسْم أعجمي وَفِي الزَّاهِر لِابْنِ الْأَنْبَارِي قَالَ أَكثر النَّحْوِيين هِيَ أَعْجَمِيَّة لَا تجْرِي للتعريف والعجمة وَقَالَ أَنه عَرَبِيّ وَلم تجر للتعريف والتأنيث وَفِي المغيث هِيَ نعريب كهنام بالعبرانية وَذكره فِي الصِّحَاح فِي الرباعي ثمَّ قَالَ هُوَ مُلْحق بالخماسي لتشديد الْحَرْف الثَّالِث وَفِي الْمُحكم سميت جَهَنَّم لبعد قعرها وَلم يَقُولُوا فِيهَا جهنام وَيُقَال بِئْر جهنام بعيدَة القعر وَبِه سميت جَهَنَّم وَقَالَ أَبُو عَمْرو جهنام اسْم وَهُوَ الغليظ الْبعيد القعر (ذكر مَا يستنبط مِنْهُ) وَهُوَ على وُجُوه. الأول أَن فِيهِ الْأَمر بالإبراد فِي صَلَاة الظّهْر وَاخْتلفُوا فِي كَيْفيَّة هَذَا الْأَمر فَحكى القَاضِي عِيَاض وَغَيره أَن بَعضهم ذهب إِلَى أَن الْأَمر فِيهِ للْوُجُوب وَقَالَ الْكرْمَانِي (فَإِن قلت) ظَاهر الْأَمر للْوُجُوب فَلم قلت للاستحباب (قلت) للْإِجْمَاع على عَدمه وَقَالَ بَعضهم وغفل الْكرْمَانِي فَنقل الْإِجْمَاع على عدم الْوُجُوب (قلت) لَا يُقَال أَنه غفل بل الَّذين نقل عَنْهُم فِيهِ الْإِجْمَاع كَأَنَّهُمْ لم يعتبروا كَلَام من ادّعى الْوُجُوب فَصَارَ كَالْعدمِ وَأَجْمعُوا على أَن الْأَمر للاستحباب (فَإِن قلت) مَا الْقَرِينَة الصارفة

<<  <  ج: ص:  >  >>