للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عَن الْوُجُوب وَظَاهر الْكَلَام يَقْتَضِيهِ (قلت) لما كَانَت الْعلَّة فِيهِ دفع الْمَشَقَّة عَن الْمُصَلِّي لشدَّة الْحر وَكَانَ ذَلِك للشفقة عَلَيْهِ فَصَارَ من بَاب النَّفْع لَهُ فَلَو كَانَ للْوُجُوب يصير عَلَيْهِ وَيعود الْأَمر على مَوْضِعه بِالنَّقْضِ وَفِي التَّوْضِيح اخْتلف الْفُقَهَاء فِي الْإِبْرَاد بِالصَّلَاةِ فَمنهمْ من لم يره وَتَأَول الحَدِيث على إيقاعها فِي برد الْوَقْت وَهُوَ أَوله وَالْجُمْهُور من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَغَيرهم على القَوْل بِهِ ثمَّ اخْتلفُوا فَقيل أَنه عَزِيمَة وَقيل وَاجِب تعويلا على صِيغَة الْأَمر وَقيل رخصَة وَنَصّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيّ وَصَححهُ الشَّيْخ أَبُو عَليّ من الشَّافِعِيَّة وَأغْرب النَّوَوِيّ فوصفه فِي الرَّوْضَة بالشذوذ لكنه لم يحكه قولا وبنوا على ذَلِك أَن من صلى فِي بَيته أَو مَشى فِي كن إِلَى الْمَسْجِد هَل يسن لَهُ الْإِبْرَاد إِن قُلْنَا رخصَة لم يسن لَهُ إِذْ لَا مشقة عَلَيْهِ فِي التَّعْجِيل وَإِن قُلْنَا سنة أبرد وَهُوَ الْأَقْرَب لوُرُود الْأَثر بِهِ مَعَ مَا اقْترن بِهِ من الْعلَّة من أَن شدَّة الْحر من فيح جَهَنَّم وَقَالَ صَاحب الْهِدَايَة من أَصْحَابنَا يسْتَحبّ الْإِبْرَاد بِالظّهْرِ فِي أَيَّام الصَّيف وَيسْتَحب تَقْدِيمه فِي أَيَّام الشتَاء (فَإِن قلت) يُعَارض حَدِيث الْإِبْرَاد حَدِيث إِمَامَة جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لِأَن إِمَامَته فِي الْعَصْر فِي الْيَوْم الأول فِيمَا إِذا صَار ظلّ كل شَيْء مثله فَدلَّ ذَلِك على خُرُوج وَقت الظّهْر وَحَدِيث الْإِبْرَاد دلّ على عدم خُرُوج وَقت الظّهْر لِأَن امتداد الْحر فِي دِيَارهمْ فِي ذَلِك الْوَقْت (قلت) الْآثَار إِذا تَعَارَضَت لَا يَنْقَضِي الْوَقْت الثَّابِت بِيَقِين بِالشَّكِّ وَمَا لم يكن ثَابتا بِيَقِين هُوَ وَقت الْعَصْر لَا يثبت بِالشَّكِّ (فَإِن قلت) هَل فِي الْإِبْرَاد تَحْدِيد (قلت) روى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم من حَدِيث ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كَانَ قدر صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الظّهْر فِي الصَّيف ثَلَاثَة أَقْدَام إِلَى خَمْسَة أَقْدَام وَفِي الشتَاء خَمْسَة أَقْدَام إِلَى سَبْعَة أَقْدَام فَهَذَا يدل على التَّحْدِيد. اعْلَم أَن هَذَا الْأَمر مُخْتَلف فِي الأقاليم والبلدان وَلَا يَسْتَوِي فِي جَمِيع المدن والأمصار وَذَلِكَ لِأَن الْعلَّة فِي طول الظل وقصره هُوَ زِيَادَة ارْتِفَاع الشَّمْس فِي السَّمَاء وانحطاطها فَكلما كَانَت أَعلَى وَإِلَى محاذاة الرؤس فِي مجْراهَا أقرب كَانَ الظل أقصر وَكلما كَانَت أَخفض وَمن محاذاة الرؤس أبعد كَانَ الظل أطول وَلذَلِك ظلال الشتَاء ترَاهَا أبدا أطول من ظلال الصَّيف فِي كل مَكَان وَكَانَت صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِمَكَّة وَالْمَدينَة وهما من الإقليم الثَّانِي ثَلَاثَة أَقْدَام ويذكرون أَن الظل فيهمَا فِي أول الصَّيف فِي شهر أدَار ثَلَاثَة أَقْدَام وَشَيْء وَيُشبه أَن تكون صلَاته إِذا اشْتَدَّ الْحر مُتَأَخِّرَة عَن الْوَقْت الْمَعْهُود قبله فَيكون الظل عِنْد ذَلِك خَمْسَة أَقْدَام وَأما الظل فِي الشتَاء فَإِنَّهُم يذكرُونَ أَنه فِي تشرين الأول خَمْسَة أَقْدَام وَشَيْء وَفِي الكانون سَبْعَة أَقْدَام أَو سَبْعَة وَشَيْء فَقَوْل ابْن مَسْعُود منزل على هَذَا التَّقْدِير فِي ذَلِك الإقليم دون سَائِر الأقاليم والبلدان الَّتِي هِيَ خَارِجَة عَن الإقليم الثَّانِي وَفِي التَّوْضِيح اخْتلف فِي مِقْدَار وقته فَقيل أَن يُؤَخر الصَّلَاة عَن أول الْوَقْت مِقْدَار مَا يظْهر للحيطان ظلّ وَظَاهر النَّص أَن الْمُعْتَبر أَن ينْصَرف مِنْهَا قبل آخر الْوَقْت وَيُؤَيِّدهُ حَدِيث أبي ذَر " حَتَّى رَأينَا فَيْء التلول " وَقَالَ مَالك أَنه يُؤَخر الظّهْر إِلَى أَن يصير الْفَيْء ذِرَاعا وَسَوَاء فِي ذَلِك الصَّيف والشتاء وَقَالَ أَشهب فِي مدونته لَا يُؤَخر الظّهْر إِلَى آخر وَقتهَا وَقَالَ ابْن بزيزة ذكر أهل النَّقْل عَن مَالك أَنه كره أَن يصلى الظّهْر فِي أول الْوَقْت وَكَانَ يَقُول هِيَ صَلَاة الْخَوَارِج وَأهل الْأَهْوَاء وَأَجَازَ ابْن عبد الحكم التَّأْخِير إِلَى آخر الْوَقْت وَحكى أَبُو الْفرج عَن مَالك أول الْوَقْت أفضل فِي كل صَلَاة إِلَّا الظّهْر فِي شدَّة الْحر وَعَن أبي حنيفَة والكوفيين وَأحمد واسحق يؤخرها حَتَّى يبرد الْحر الْوَجْه الثَّانِي أَن بعض النَّاس استدلوا بقوله " فأبردوا بِالصَّلَاةِ " على أَن الْإِبْرَاد يشرع فِي يَوْم الْجُمُعَة أَيْضا لِأَن لفظ الصَّلَاة يُطلق على الظّهْر وَالْجُمُعَة وَالتَّعْلِيل مُسْتَمر فِيهَا وَفِي التَّوْضِيح اخْتلف فِي الْإِبْرَاد بِالْجمعَةِ على وَجْهَيْن لِأَصْحَابِنَا أصَحهمَا عِنْد جمهورهم لَا يشرع وَهُوَ مَشْهُور مَذْهَب مَالك أَيْضا فَإِن التبكير سنة فِيهَا انْتهى (قلت) مَذْهَبنَا أَيْضا التبكير يَوْم الْجُمُعَة لما ثَبت فِي الصَّحِيح أَنهم كَانُوا يرجعُونَ من صَلَاة الْجُمُعَة وَلَيْسَ للحيطان ظلّ يَسْتَظِلُّونَ بِهِ من شدَّة التبكير لَهَا أول الْوَقْت فَدلَّ على عدم الْإِبْرَاد وَالْمرَاد بِالصَّلَاةِ فِي الحَدِيث الظّهْر كَمَا ذكرنَا فعلى هَذَا لَا يبرد بالعصر إِذا اشْتَدَّ الْحر فِيهِ وَقَالَ ابْن بزيزة إِذا اشْتَدَّ الْحر فِي الْعَصْر هَل يبرد بهَا أم لَا الْمَشْهُور نفي الْإِبْرَاد بهَا وَتفرد أَشهب بإبراده وَقَالَ أَيْضا وَهل يبرد الفذام لَا وَالظَّاهِر أَن الْإِبْرَاد مَخْصُوص بِالْجَمَاعَة وَهل يبرد فِي زمن الشتَاء أم لَا فِيهِ قَولَانِ وَالظَّاهِر نَفْيه وَهل يبرد بِالْجمعَةِ أم لَا الْمَشْهُور نَفْيه الْوَجْه الثَّالِث فِيهِ دَلِيل على وجود جَهَنَّم الْآن

<<  <  ج: ص:  >  >>