للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حَدثنَا مُحَمَّد بن خُزَيْمَة حَدثنَا مُحَمَّد بن سِنَان حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة عَن حَمَّاد بن إِبْرَاهِيم، قَالَ: (كَانَ ثَوْبَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يُؤذن مثنى مثنى، وَيُقِيم مثنى مثنى) . حَدثنَا يزِيد بن سِنَان حَدثنَا يحيى بن سعيد الْقطَّان حَدثنَا قطر بن خَليفَة عَن مُجَاهِد قَالَ: فِي الْإِقَامَة مرّة مرّة، إِنَّمَا هُوَ شَيْء أحدثه الْأُمَرَاء، وَأَن الأَصْل التَّثْنِيَة. قلت: وَقد ظهر لَك بِهَذِهِ الدَّلَائِل أَن قَول النَّوَوِيّ فِي (شرح مُسلم) : وَقَالَ أَبُو حنيفَة: الْإِقَامَة سبع عشرَة كلمة، وَهَذَا الْمَذْهَب شَاذ، قَول واهٍ لَا يلْتَفت إِلَيْهِ، وَكَيف يكون شاذا مَعَ وجود هَذِه الْأَحَادِيث وَالْأَخْبَار الصَّحِيحَة؟ فَإِن قَالُوا: حَدِيث أبي مَحْذُورَة لَا يوازي حَدِيث أنس الْمَذْكُور من جِهَة وَاحِدَة، فضلا عَن الْجِهَات كلهَا، مَعَ أَن جمَاعَة من الْحفاظ ذَهَبُوا إِلَى أَن اللَّفْظَة فِي تَثْنِيَة الْإِقَامَة غير مَحْفُوظَة، ثمَّ رووا من طَرِيق البُخَارِيّ: عَن عبد الْملك بن أبي مَحْذُورَة: أَنه سمع أَبَا مَحْذُورَة يَقُول: (إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمره أَن يشفع الْأَذَان ويوتر الْإِقَامَة) . قُلْنَا: قد ذكرنَا أَن التِّرْمِذِيّ صَححهُ، وَكَذَا ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان صححا هَذِه اللَّفْظَة، فَإِن قَالُوا: سلمنَا أَن هَذِه مَحْفُوظَة، وَأَن الحَدِيث ثَابت، وَلَكِن نقُول: إِنَّه مَنْسُوخ لِأَن أَذَان بِلَال هُوَ آخر الأذانين؟ قُلْنَا: لَا نسلم أَنه مَنْسُوخ، لِأَن حَدِيث بِلَال إِنَّمَا كَانَ أول مَا شرع الْأَذَان، كَمَا دلّ عَلَيْهِ حَدِيث أنس، وَحَدِيث أبي مَحْذُورَة كَانَ عَام حنين، وَبَينهمَا مُدَّة مديدة. قَوْله: (ويوتر) ، بِالنّصب عطفا على: يشفع، من: أوتر إيتارا أَي: يَأْتِي بِالْإِقَامَةِ فُرَادَى.

ذكر مَا يستنبط مِنْهُ فِيهِ: التَّصْرِيح بِأَن الْأَذَان مثنى مثنى، وَالْإِقَامَة فُرَادَى، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد، وَحَاصِل مَذْهَب الشَّافِعِي: أَن الْأَذَان تسع عشرَة كلمة بِإِثْبَات الترجيع، وَالْإِقَامَة إِحْدَى عشرَة، وَأسْقط مَالك تربيع التَّكْبِير فِي أَوله وَجعله مثنى، وَجعل الْإِقَامَة عشرَة بإفراد كلمة الْإِقَامَة. وَقَالَ الْخطابِيّ: وَالَّذِي جرى بِهِ الْعَمَل فِي الْحَرَمَيْنِ والحجاز وَالشَّام واليمن ومصر وَالْمغْرب إِلَى أقْصَى بِلَاد الْإِسْلَام: أَن الْإِقَامَة فُرَادَى، وَمذهب عَامَّة الْعلمَاء أَن يكون لفظ: قد قَامَت الصَّلَاة مكررا، إِلَّا مَالِكًا، فَالْمَشْهُور عَنهُ: أَنه لَا تَكْرِير، وَقَالَ: فرق بَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة فِي التَّثْنِيَة والإفراد ليعلم أَن الْأَذَان إِعْلَام بورود الْوَقْت، وَالْإِقَامَة أَمارَة لقِيَام الصَّلَاة، وَلَو سوى بَينهمَا لاشتبه الْأَمر فِي ذَلِك، وَصَارَ سَببا لِأَن يفوت كثير من النَّاس صَلَاة الْجَمَاعَة إِذا سمعُوا الْإِقَامَة، فظنوا أَنَّهَا الْأَذَان. انْتهى. قلت: الْعجب من الْخطابِيّ كَيفَ يصدر عَنهُ مثل هَذَا الْكَلَام الَّذِي تمجه الأسماع، وَمثل هَذَا الْفرق الَّذِي بَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة غير صَحِيح، لِأَن الْأَذَان إِعْلَام الغائبين، وَلِهَذَا لَا يكون إِلَّا على الْمَوَاضِع الْعَالِيَة كالمنائر وَنَحْوهَا، وَالْإِقَامَة إِعْلَام الْحَاضِرين من الْجَمَاعَة للصَّلَاة، فَكيف يَقع الِاشْتِبَاه بَينهمَا؟ فَالَّذِي يتَأَمَّل الْكَلَام لَا يَقُول هَذَا، وَأبْعد من ذَلِك قَوْله: إِن تَثْنِيَة الْإِقَامَة تكون سَببا لفَوَات كثير من النَّاس صَلَاة الْجَمَاعَة لظنهم أَنَّهَا الْأَذَان، وَكَيف يظنون هَذَا وهم حاضرون، لِأَن الْإِقَامَة إِعْلَام الْحَاضِرين؟ وبمثل هَذَا الْكَلَام يحْتَج أحد لنصرة مذْهبه وتمشية قَوْله، وأعجب من هَذَا قَول الْكرْمَانِي: قَالَ أَبُو حنيفَة: تثنى الْإِقَامَة، والْحَدِيث حجَّة عَلَيْهِ، وَكَيف يكون حجَّة عَلَيْهِ وَقد تمسك فِيمَا ذهب إِلَيْهِ بالأحاديث الصَّحِيحَة الدَّالَّة على تَثْنِيَة الْإِقَامَة على مَا ذَكرنَاهَا عَن قريب؟ وَنحن أَيْضا نقُول: هَذِه الْأَحَادِيث حجَّة على الشَّافِعِي، وَرُوِيَ عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه مر بمؤذن أوتر الْإِقَامَة فَقَالَ لَهُ: اشفعها لَا أم لَك. وَرُوِيَ عَن النَّخعِيّ أَنه قَالَ: أول من أفرد الْإِقَامَة مُعَاوِيَة، وَقَالَ مُجَاهِد: كَانَت الْإِقَامَة فِي عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثنى مثنى حَتَّى استخفه بعض أُمَرَاء الْجور لحَاجَة لَهُم، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب. وَقَالَ الْكرْمَانِي أَيْضا: ظَاهر الْأَمر للْوُجُوب، لَكِن الْأَذَان سنة؟ قلت: ظَاهر صِيغَة الْأَمر لَهُ لَا ظَاهر لَفظه، يَعْنِي: (أَمر) ، وَهَهُنَا لم تذكر الصِّيغَة، سلمنَا أَنه للْإِيجَاب، لكنه لإِيجَاب الشفع لَا لأصل الْأَذَان، وَلَا شكّ أَن الشفع وَاجِب ليَقَع الْأَذَان مَشْرُوعا، كَمَا أَن الطَّهَارَة وَاجِبَة لصِحَّة صَلَاة النَّفْل، وَلَئِن سلمنَا أَنه لنَفس الْأَذَان يُقَال: إِنَّه فرض كِفَايَة، لِأَن أهل بَلْدَة لَو اتَّفقُوا على تَركه قاتلناهم، أَو أَن الْإِجْمَاع مَانع عَن الْحمل على ظَاهره قلت: كَيفَ يَقُول: إِن الْإِجْمَاع مَانع عَن الْحمل على ظَاهره، وَقد حمله قوم على ظَاهره، وَقَالُوا: إِنَّه وَاجِب؟ وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: إِنَّه فرض كِفَايَة فِي حق الْجَمَاعَة فِي الْحَضَر وَالسّفر، وَقَالَ مَالك: يجب فِي مَسْجِد الْجَمَاعَة. وَقَالَ عَطاء وَمُجاهد: لَا تصح الصَّلَاة بِغَيْر أَذَان، وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ، وَعنهُ: يُعَاد فِي الْوَقْت. وَقَالَ أَبُو عَليّ والاصطخري: هُوَ فرض فِي الْجُمُعَة. وَقَالَ: الظَّاهِرِيَّة هما واجبان لكل صَلَاة، وَاخْتلفُوا فِي صِحَة الصَّلَاة بدونهما. وَقَالَ دَاوُد: هما فرض الْجَمَاعَة وليسا بِشَرْط لصحتها. وَذكر مُحَمَّد بن الْحسن مَا يدل على وُجُوبه، فَإِنَّهُ قَالَ: لَو

<<  <  ج: ص:  >  >>