للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قد تقدم سائره، وروى الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عبد الْوَهَّاب: عَن عَطاء عَن إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق عَن الْحَارِث عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (مَا أدْركْت فَهُوَ أول صَلَاتك) ، وَعَن ابْن عمر بِسَنَد جيد مثله.

الثَّانِي: أَنه أول صلَاته بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَفْعَال فيبنى عَلَيْهَا، وَآخِرهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَقْوَال فيقضيها، وَهُوَ قَول مَالك. وَقَالَ ابْن بطال عَنهُ: مَا أدْرك فَهُوَ أول صلَاته إلَاّ أَنه يقْضِي مثل الَّذِي فَاتَهُ من الْقِرَاءَة بِأم الْقُرْآن وَسورَة، وَقَالَ سَحْنُون: هَذَا الَّذِي لم يعرف خِلَافه دَلِيله مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث قَتَادَة: أَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: (مَا أدْركْت مَعَ الإِمَام فَهُوَ أول صَلَاتك، واقض مَا سَبَقَك بِهِ من الْقُرْآن) .

الثَّالِث: أَن مَا أدْرك فَهُوَ أول صلَاته إلَاّ أَنه يقْرَأ فِيهَا. بِالْحَمْد وَسورَة مَعَ الإِمَام، وَإِذا قَامَ للْقَضَاء قضى بِالْحَمْد وَحدهَا، لِأَنَّهُ آخر صلَاته، وَهُوَ قَول الْمُزنِيّ وَإِسْحَاق وَأهل الظَّاهِر.

الرَّابِع: أَنه آخر صلَاته وَأَنه يكون قَاضِيا فِي الْأَفْعَال والأقوال، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأحمد فِي رِوَايَة، وسُفْيَان وَمُجاهد وَابْن سِيرِين. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: الْأَشْبَه بمذهبنا وَمذهب أبي حنيفَة أَنه آخر صلَاته، وَقَالَ ابْن بطال: رُوِيَ ذَلِك عَن ابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَالشعْبِيّ وَأبي قلَابَة، وَرَوَاهُ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك، وَهُوَ قَول أَشهب وَابْن الْمَاجشون، وَاخْتَارَهُ ابْن حبيب، وَاسْتَدَلُّوا على ذَلِك بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (وَمَا فاتكم فاقضوا) . وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة بِسَنَد صَحِيح عَن أبي ذَر، وَابْن حزم بِسَنَد مثله عَن أبي هُرَيْرَة، وَالْبَيْهَقِيّ بِسَنَد لَا بَأْس بِهِ على رَأْي جمَاعَة عَن معَاذ بن جبل، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

وَالْجَوَاب عَمَّا اسْتدلَّ بِهِ الشَّافِعِي وَمن تبعه وَهُوَ قَوْله: (فَأتمُّوا) : أَن صَلَاة الْمَأْمُوم مرتبطة بِصَلَاة الإِمَام، فَحمل قَوْله: (فَأتمُّوا) على أَن: من قضى مَا فَاتَهُ فقد أتم لِأَن الصَّلَاة تنقص بِمَا فَاتَ، فقضاؤه إتْمَام لما نقص. فَإِن قلت: قَالَ النَّوَوِيّ: وَحجَّة الْجُمْهُور أَن أَكثر الرِّوَايَات: (وَمَا فاتكم فَأتمُّوا) . وَأجِيب: عَن رِوَايَة: (واقض مَا سَبَقَك) بِأَن المُرَاد بِالْقضَاءِ الْفِعْل لَا الْقَضَاء المصطلح عَلَيْهِ عِنْد الْفُقَهَاء، وَقد كثر اسْتِعْمَال الْقَضَاء بِمَعْنى الْفِعْل، فَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {فقضاهن سبع سموات فِي يَوْمَيْنِ} (فصلت: ١٢) . وَقَوله تَعَالَى: {فَإِذا قضيتم مَنَاسِككُم} (الْبَقَرَة: ٢٠٠) . وَقَوله تَعَالَى: {فَإِذا قضيت الصَّلَاة} (الْجُمُعَة: ١٠) . وَيُقَال: قضيت حق فلَان، وَمعنى الْجَمِيع: الْفِعْل. قلت: أما الْجَواب عَن قَوْله: (فَأتمُّوا) فقد ذَكرْنَاهُ آنِفا، وَأما قَوْله: المُرَاد بِالْقضَاءِ: الْفِعْل، فمشترك الدّلَالَة، لِأَن الْفِعْل يُطلق على الْأَدَاء وَالْقَضَاء جَمِيعًا، وَمعنى: {فقضاهن سبع سموات} (فصلت: ١٢) . قدرهن، وَمعنى {قضيتم مَنَاسِككُم} (الْبَقَرَة: ٢٠٠) . فَرَغْتُمْ عَنْهَا، وَكَذَا معنى {فَإِذا قضيت الصَّلَاة} (الْجُمُعَة: ١٠) . وَمعنى: قضيت حق فلَان، انهيت إِلَيْهِ حَقه، وَلَو سلمنَا أَن الْقَضَاء بِمَعْنى الْأَدَاء فَيكون مجَازًا، والحقيقة أولى من الْمجَاز، وَلَا سِيمَا على أصلهم أَن الْمجَاز ضَرُورِيّ لَا يُصَار إِلَيْهِ إلَاّ عِنْد الضَّرُورَة والتعذر. فَإِن قلت: حكى الْبَيْهَقِيّ عَن مُسلم أَنه قَالَ: لَا أعلم هَذِه اللَّفْظَة يَعْنِي: فاقضوا رَوَاهَا عَن الزُّهْرِيّ إلَاّ ابْن عُيَيْنَة، وَأَخْطَأ. قلت: تَابعه ابْن أبي ذِئْب فرواها عَن الزُّهْرِيّ، كَذَلِك، وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة لمُسلم وَأبي دَاوُد كَمَا ذكرنَا عَن قريب، وَقَالَ الْكرْمَانِي: (وَمَا فاتكم فَأتمُّوا) ، دَلِيل للشَّافِعِيَّة حَيْثُ قَالُوا: مَا أدْركهُ الْمَسْبُوق مَعَ الإِمَام فَهُوَ أَولهَا، لِأَن التَّمام لَا يكون إلَاّ للْآخر، لِأَنَّهُ لَا يَقع على بَاقِي شَيْء تقدم أَوله، وَعكس أَبُو حنيفَة فَقَالَ: ماأدراك مَعَ الإِمَام فَهُوَ آخرهَا. انْتهى. قلت: هُوَ عكس حَيْثُ غفل عَن رِوَايَة: فاقضوا، وَمَا قَالَ فِيهِ الْعلمَاء وَقد ذَكرْنَاهُ، وَلَو تأدب لأحسن فِي عِبَارَته، وَلَيْسَ أَبُو حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِيمَا قَالَه وَحده، وَقد ذكرنَا أَنه قَول: عبد الله بن مَسْعُود وَعبد الله بن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَقَول سُفْيَان وَابْن سِيرِين وَمُجاهد وَالنَّخَعِيّ وَالشعْبِيّ وَأبي قلَابَة وَآخَرين.

وَمِمَّا يُسْتَفَاد من الحَدِيث: الْحَث فِي الْإِتْيَان إِلَى الصَّلَاة بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقار، وَسَوَاء فِيهِ سَائِر الصَّلَوَات، سَوَاء خَافَ فَوت تَكْبِيرَة الْإِحْرَام أم لَا. وَفِيه: جَوَاز قَول الرجل: فاتتنا الصَّلَاة، وَأَنه لَا كَرَاهَة فِيهِ عِنْد جُمْهُور الْعلمَاء، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ، وَالله أعلم.

٢١ - (بابٌ لَا يَسْعَى إلَى الصَّلَاةِ وَلْيَأْتِ بالسَّكِينَةِ والوَقارِ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: لَا يسْعَى الرجل إِلَى الصَّلَاة ... إِلَى آخِره، وَسَقَطت هَذِه التَّرْجَمَة من رِوَايَة الْأصيلِيّ وَمن رِوَايَة أبي ذَر عَن غير السَّرخسِيّ، وَفِي بعض نسخ السراج: بَاب مَا أدركتم فصلوا وَمَا فاتكم فَأتمُّوا، قَالَه أَبُو قَتَادَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالْأَوْجه مَا مشينا عَلَيْهِ.

وَقَالَ مَا أدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَما فَاتَكُمْ فَأتِمُّوا قالَهُ أبُو قَتَادَة عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

<<  <  ج: ص:  >  >>