للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَلَيْسَ بَين حديثيهما تضَاد وَلَا تهاتر وَلَا نَاسخ وَلَا مَنْسُوخ، بل مُجمل مُفَسّر. وَإِذا ضم بَعْضهَا إِلَى بعض بَطل التضاد بَينهمَا، وَاسْتعْمل كل خبر فِي مَوْضِعه. بَيَان ذَلِك أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى فِي علته صَلَاتَيْنِ فِي الْمَسْجِد جمَاعَة لَا صَلَاة وَاحِدَة، فِي إِحْدَاهمَا: كَانَ إِمَامًا، وَفِي الْأُخْرَى كَانَ مَأْمُوما، وَالدَّلِيل على أَن ذَلِك فِي خبر عبد الله بن جريج: بَين رجلَيْنِ أَحدهمَا الْعَبَّاس وَالْآخر عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَفِي خبر مَسْرُوق: خرج بَين بَرِيرَة ونوبة، فَهَذَا يدلك على أَنَّهَا كَانَت صَلَاتَيْنِ لَا صَلَاة وَاحِدَة، وَكَذَلِكَ التَّوْفِيق بَين كَلَام نعيم بن أبي هِنْد، وَبَين كَلَام عَاصِم بن أبي النجُود فِي متن خبر أبي وَائِل، فَإِن فِيهِ: (وَجِيء بِنَبِي لله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوضع بحذاء أبي بكر فِي الصَّفّ) قَالَ أَبُو حَاتِم: فِي هَذِه الصَّلَاة كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَأْمُوما وَصلى قَاعِدا خلف أبي بكر، فَإِن عَاصِمًا جعل أَبَا بكر مَأْمُوما وَجعل نعيم أَبَا بكر إِمَامًا، وهما ثقتان حَافِظَانِ متقنان. وَذكر أَبُو حَاتِم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج بَين الجاريتين إِلَى الْبَاب، وَمن الْبَاب أَخذه الْعَبَّاس وَعلي، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، حَتَّى دخلا بِهِ الْمَسْجِد، وَذكر الدَّارَقُطْنِيّ فِي (سنَنه) : (خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يهادي بَين الرجلَيْن: أُسَامَة وَالْفضل، حَتَّى صلى خلف أبي بكر) ، فِيمَا ذكره السُّهيْلي، وَزعم بعض النَّاس أَن طَرِيق الْجمع أَنهم كَانُوا يتناوبون الْأَخْذ بِيَدِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ الْعَبَّاس ألزمهم بِيَدِهِ، وَأُولَئِكَ يتناوبونها، فَذكرت عَائِشَة أَكْثَرهم مُلَازمَة ليده وَهُوَ: الْعَبَّاس، وعبرت عَن أحد المتناوبين بِرَجُل آخر. فَإِن قلت: لَيْسَ بَين الْمَسْجِد وبيته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَسَافَة تَقْتَضِي التناوب. قلت: يحْتَمل أَن يكون ذَلِك لزِيَادَة فِي إكرامه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَو لالتماس الْبركَة من يَده وَفِي حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا (إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ وجعا، فَأمر أَبَا بكر يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَوجدَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خفَّة فجَاء فَقعدَ إِلَى جنب أبي بكر، فَأم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا بكر وَهُوَ قَاعد، وَأم أَبُو بكر النَّاس وَهُوَ قَائِم) . وَفِي حَدِيث قيس عَن عبد الله ابْن أبي السّفر عَن الأرقم بن شُرَحْبِيل عَن ابْن عَبَّاس عَن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب: (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي مَرضه: مروا أَبَا بكر فليصلِّ بِالنَّاسِ، وَوجد النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي نَفسه خفَّة، فَخرج يهادي بَين رجلَيْنِ، فَتَأَخر أَبُو بكر فَجَلَسَ إِلَى جنب أبي بكر، فَقَرَأَ من الْمَكَان الَّذِي انْتهى إِلَيْهِ أَبُو بكر من السُّورَة) ، وَفِي حَدِيث ابْن خُزَيْمَة أخرجه عَن سَالم بن عبيد قَالَ: (مرض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثمَّ أَفَاق فَقَالَ: أحضرت الصَّلَاة؟ قُلْنَ: نعم. قَالَ: مروا بِلَالًا فليؤذن، ومروا أَبَا بكر فليصلِّ بِالنَّاسِ، ثمَّ أُغمي عَلَيْهِ) . فَذكر الحَدِيث. وَفِيه: (أُقِيمَت الصَّلَاة؟) قُلْنَ: نعم. قَالَ: جيئوني بِإِنْسَان فأعتمد عَلَيْهِ، فجاؤا ببريرة وَرجل آخر فاعتمد عَلَيْهِمَا. ثمَّ خرج إِلَى الصَّلَاة، فأجلس إِلَى جنب أبي بكر فَذهب أَبُو بكر يتَنَحَّى، فأمسكه حَتَّى فرغ من الصَّلَاة) . وَفِي كتاب عبد الرَّزَّاق: أَخْبرنِي ابْن جريج، أَخْبرنِي عَطاء قَالَ: (اشْتَكَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمر أَبَا بكر يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فصلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للنَّاس يَوْمًا قَاعِدا وَجعل أَبَا بكر وَرَاءه بَينه وَبَين النَّاس، قَالَ: فصلى النَّاس وَرَاءه قيَاما، وَإِن صلى قَاعِدا فصلوا قعُودا) . وَعند أبي دَاوُد من حَدِيث عبد الله بن زَمعَة، لما قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مروا أَبَا بكر يُصَلِّي بِالنَّاسِ) ، خرج عبد الله ابْن زَمعَة، فَإِذا عمر فِي النَّاس، وَكَانَ أَبُو بكر غَائِبا، فَقَالَ: قُم يَا عمر فصلِّ بِالنَّاسِ، فَتقدم، فَلَمَّا سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَوته قَالَ: أَيْن أَبُو بكر؟ يَأْبَى الله ذَلِك والمسلمون. فَبعث إِلَى أبي بكر فجَاء بعد أَن صلي عمر تِلْكَ الصَّلَاة، فصلى أَبُو بكر بِالنَّاسِ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (والتعظيم لَهَا) ، بِالنّصب عطفا على: الْمُوَاظبَة، قَوْله: (مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ) ، قد بيَّن الزُّهْرِيّ فِي رِوَايَته كَمَا فِي الحَدِيث الثَّانِي من هَذَا الْبَاب، أَن ذَلِك كَانَ بعد أَن اشْتَدَّ بِهِ الْمَرَض وَاسْتقر فِي بَيت عَائِشَة. قَوْله: (فَأذن) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، من: التأذين. وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: وَأذن بِالْوَاو، وَقَالَ بَعضهم: وَهُوَ أوجه قلت: لم يبين مَا وَجه الأوجهية، بل الْفَاء أوجه على مَا لَا يخفى. قَوْله: (وَإِذن) أَي: بِالصَّلَاةِ كَمَا فِي رِوَايَة أُخْرَى جَاءَ كَذَلِك، وَفِي أُخْرَى: وَجَاء بِلَال يُؤذنهُ بِالصَّلَاةِ، وَفِي أُخْرَى: إِن هَذِه الصَّلَاة صَلَاة الظّهْر. وَفِي مُسلم: خرج لصَلَاة الْعَصْر. قَوْله: (مروا) أَصله: أؤمروا، لِأَنَّهُ من: أَمر، فحذفت الْهمزَة للاستثقال، واستغني عَن الْألف فحذفت، فَبَقيَ: مروا، على وزن: علو، لِأَن الْمَحْذُوف فَاء الْفِعْل. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَهَذَا أَمر من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي بكر، وَلَفظ: مروا، يدل على أَنهم الأمرون لَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ أجَاب بقوله: الْأَصَح عِنْد الأصولي أَن الْمَأْمُور بِالْأَمر بالشَّيْء لَيْسَ أمرا بِهِ، سِيمَا وَقد صرح النَّبِي بقوله هَهُنَا بِلَفْظ الْأَمر، حَيْثُ قَالَ: فَليصل. انْتهى. هَذِه مَسْأَلَة مَعْرُوفَة فِي الْأُصُول، وفيهَا خلاف. قَالَ بَعضهم: إِن الْأَمر بِالْأَمر بالشَّيْء يكون أمرا بِهِ، وَمِنْهُم من منع

<<  <  ج: ص:  >  >>