للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن مُعلى بن أَسد، وَعَن سُلَيْمَان بن حَرْب وَأبي النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُسَدّد وَزِيَاد بن أَيُّوب. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن زِيَاد بن أَيُّوب وَعَن مُحَمَّد بن بشار.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (فِي مَسْجِدنَا هَذَا) ، الظَّاهِر أَنه مَسْجِد الْبَصْرَة. قَوْله: (إِنِّي لأصلي) اللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد، وَهِي مَفْتُوحَة. قَوْله: (وَمَا أُرِيد الصَّلَاة) : الْوَاو، فِيهِ للْحَال أَي: لَيْسَ مَقْصُود أَدَاء فرض الصَّلَاة، لِأَنَّهُ لَيْسَ وَقت الْفَرْض، أَو لِأَنِّي صليته، بل الْمَقْصُود أَن أعلمكُم صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وكيفيتها. فَإِن قلت: فِي هَذَا النَّفْي يلْزم وجود الصَّلَاة بِغَيْر قربَة، وَهَذَا لَا يَصح؟ قلت: أوضحت لَك مَعْنَاهُ، وَلَيْسَ مُرَاده نفي الْقرْبَة، وَإِنَّمَا هُوَ بَيَان أَن السَّبَب الْبَاعِث لَهُ على ذَلِك قصد التَّعْلِيم. فَإِن قلت: هَل تعين التَّعْلِيم عَلَيْهِ حَتَّى فعل ذَلِك؟ قلت: يحْتَمل ذَلِك لِأَنَّهُ أحد من خُوطِبَ بذلك فِي قَوْله: (صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي) . فَإِن قلت: فِيهِ نوع التَّشْرِيك فِي الْعِبَادَة قلت: لَا، لِأَن قَصده كَانَ التَّعْلِيم وَلَيْسَ للتشريك فِيهِ دخل. قَوْله: (أُصَلِّي كَيفَ رَأَيْت) أَي: أُصَلِّي هَذِه الصَّلَاة على الْكَيْفِيَّة الَّتِي رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي، وَفِي الْحَقِيقَة، كَيفَ، مفعول فعل مُقَدّر، تَقْدِيره: أريكم كَيفَ رَأَيْت، وَالْمرَاد من الرُّؤْيَة لازمها، وَهِي كَيْفيَّة صلَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لِأَن كَيْفيَّة الرُّؤْيَة لَا يُمكن أَن يُرِيهم إِيَّاهَا. قَوْله: (فَقلت لأبي قلَابَة) الْقَائِل هُوَ أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ. قَوْله: (مثل شَيخنَا) ، هَذَا هُوَ عَمْرو بن سَلمَة، كَمَا سَيَأْتِي فِي: بَاب اللّّبْث بَين السَّجْدَتَيْنِ. قَالَ أَيُّوب: وَكَانَ ذَلِك الشَّيْخ يتم الرُّكُوع، وَإِذا رفع رَأسه من السَّجْدَة الثَّانِيَة جلس وَاعْتمد على الأَرْض ثمَّ قَامَ. قَوْله: (فِي الرَّكْعَة الأولى) يتَعَلَّق بقوله: (من السُّجُود) أَي: السُّجُود الَّذِي فِي الرَّكْعَة الأولى، لَا بقوله: قبل أَن ينْهض، لِأَن النهوض يكون مِنْهَا لَا فِيهَا، وَيجوز أَن يكون فِي الرَّكْعَة الأولى خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أَي: هَذَا الْجُلُوس أَو هَذَا الحكم بِهِ كَانَ فِي الرَّكْعَة الأولى، وَيجوز أَن تكون كلمة: فِي، بِمَعْنى: من فَإِن قلت: هَل جَاءَ: فِي، بِمَعْنى: من؟ قلت: نعم، كَمَا فِي قَول امرىء الْقَيْس:

(وَهل يعمن من كَانَ أحدث عَهده ... ثَلَاثِينَ شهرا فِي ثَلَاث أَحْوَال)

أَي: من ثَلَاثَة أَحْوَال. فَإِن قلت: هَذِه ضَرُورَة الشَّاعِر قلت: لَا ضَرُورَة هُنَا لِأَن هَذَا من الطَّوِيل فَلَو قَالَ: من، لَا يخْتل الْوَزْن.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: من ذَلِك: احْتج بِهِ الشَّافِعِي وَقَالَ: إِذا رفع رَأسه من السَّجْدَة الثَّانِيَة يجلس جلْسَة خَفِيفَة ثمَّ ينْهض مُعْتَمدًا يَدَيْهِ على الأَرْض. وَفِي (التَّلْوِيح) : اخْتلف الْعلمَاء فِي هَذِه الجلسة الَّتِي تسمى: جلْسَة الاسْتِرَاحَة، عقيب الْفَرَاغ من الرَّكْعَة الأولى وَالثَّالِثَة، فَقَالَ بهَا الشَّافِعِي فِي قَول: وَزعم ابْن الْأَثِير أَنَّهَا مُسْتَحبَّة. وَقَالَ فِي (الام) : يقوم من السَّجْدَة الثَّانِيَة، وَلم يَأْمر بِالْجُلُوسِ. فَقَالَ بعض أَصْحَابه: إِن ذَلِك على اخْتِلَاف حَالين إِن كَانَ كَبِيرا أَو ضَعِيفا جلس، وإلَاّ لم يجلس. وَقَالَ بعض أَصْحَابه: فِي الْمَسْأَلَة قَولَانِ: أَحدهمَا: لَا يجلس، وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالثَّوْري وَأحمد وَإِسْحَاق، وَرُوِيَ ذَلِك عَن ابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَعمر وَعلي وَأبي الزِّنَاد وَالنَّخَعِيّ. وَقَالَ ابْن قدامَة: وَعَن أَحْمد قَول: إِنَّه يجلس، وَهُوَ اخْتِيَار الْخلال. وَقيل: إِنَّه فصل بَين الضَّعِيف وَغَيره. وَقَالَ أَحْمد: وَترك الْجُلُوس عَلَيْهِ أَكثر الْأَحَادِيث. وَقَالَ النُّعْمَان بن أبي عَيَّاش: أدْركْت غير وَاحِد من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يجلس. قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَعَلِيهِ الْعَمَل عِنْد أهل الْعلم. وَقَالَ أَبُو (الزِّنَاد: تِلْكَ السّنة، وَأَجَابُوا عَن حَدِيث مَالك بن الْحُوَيْرِث بِأَنَّهُ: يحْتَمل ذَلِك أَن يكون بِسَبَب ضعف كَانَ بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ السفاقسي: قَالَ أَبُو عبد الْملك: كَيفَ ذهب هَذَا الَّذِي أَخذ بِهِ الشَّافِعِي على أهل الْمَدِينَة وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يُصَلِّي بهم عشر سِنِين، وَصلى بهم أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَالصَّحَابَة والتابعون؟ فَأَيْنَ كَانَ يذهب عَلَيْهِم هَذَا الْمَذْهَب؟ قَالَ الطَّحَاوِيّ: وَالنَّظَر يُوجب أَنه لَيْسَ بَين السُّجُود وَالْقِيَام جُلُوس، لِأَن من شَأْن الصَّلَاة التَّكْبِير فِيهَا والتحميد عِنْد كل خفض وَرفع وانتقال من حَال إِلَى حَال، فَلَو كَانَ بَينهمَا جُلُوس لاحتاج أَن يكبر عِنْد قِيَامه من ذَلِك الْجُلُوس تَكْبِيرَة، كَمَا يكبر عِنْد قِيَامه من الْجُلُوس فِي صلَاته إِذا أَرَادَ الْقيام إِلَى الرَّكْعَة الَّتِي بعد الْجُلُوس. وَرُوِيَ عَن ابْن عمر أَنه كَانَ يعْتَمد عِنْد قِيَامه، وَفعله مَسْرُوق وَمَكْحُول وَعَطَاء وَالْحسن، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَأحمد محتجين بِهَذَا الحَدِيث. وَأَجَازَهُ مَالك فِي (الْعُتْبِيَّة) ثمَّ كرهه، وَرَأَتْ طَائِفَة أَن لَا يعْتَمد على يَدَيْهِ إلَاّ أَن يكون شَيخا أَو مَرِيضا، وَقَالَ ابْن بطال: رُوِيَ ذَلِك عَن عَليّ وَالنَّخَعِيّ وَالثَّوْري، وَكره الِاعْتِمَاد ابْن سِيرِين وَقَالَ صَاحب (الْهِدَايَة) . وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِي، وَهُوَ حَدِيث مَالك بن الْحُوَيْرِث، مَحْمُول على فعله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بعد

<<  <  ج: ص:  >  >>