للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَلم يخرجَاهُ. قلت: أُجِيب عَنهُ بِوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: أَنه ضَعِيف، فَإِن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز قَالَ البُخَارِيّ فِيهِ: مُنكر الحَدِيث، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: ضَعِيف الحَدِيث لَيْسَ لَهُ حَدِيث مُسْتَقِيم، وَقَالَ ابْن حبَان فِي (كتاب الضُّعَفَاء) : يروي عَن الثِّقَات المعضلات، وينفرد بالطامات عَن الْأَثْبَات حَتَّى سقط الِاحْتِجَاج بِهِ، وَقَالَ ابْن قطان فِي كِتَابه: هُوَ أحد ثَلَاثَة أخوة كلهم ضعفاء: مُحَمَّد وَعبد الله وَعمْرَان، بَنو عبد الْعَزِيز بن عمر بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وأبوهم عبد الْعَزِيز مَجْهُول الْحَال، فاعتل الحَدِيث بهما. وَالثَّانِي: أَنه معَارض بِحَدِيث رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) بِإِسْنَادِهِ (عَن أنس بن مَالك أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، استسقى فَخَطب قبل الصَّلَاة، واستقبل الْقبْلَة وحول رِدَاءَهُ، ثمَّ نزل فصلى رَكْعَتَيْنِ لم يكبر فيهمَا إلاّ تَكْبِيرَة) .

الْأَمر الثَّالِث: فِي أَن وَقت صَلَاة الاسْتِسْقَاء كوقت صَلَاة الْعِيدَيْنِ، كَمَا دلّ عَلَيْهِ حَدِيث ابْن عَبَّاس، وَقد اخْتلف فِي ذَلِك. فَذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر: إِلَى أَنه يخرج لَهَا كالخروج إِلَى صَلَاة الْعِيدَيْنِ، وَحكى ابْن الْمُنْذر وَابْن عبد الْبر عَن الشَّافِعِي هَذَا، وَنقل ابْن الصّباغ فِي (الشَّامِل) وَصَاحب (جمع الْجَوَامِع) عَن نَص الشَّافِعِي: أَنَّهَا لَا تخْتَص بِوَقْت، وَبِه قطع الْمُتَوَلِي وَالْمَاوَرْدِيّ وَابْن الصّباغ، وَصَححهُ الرَّافِعِيّ فِي الْمُحَرر، وَنقل النَّوَوِيّ الْقطع بِهِ عَن الْأَكْثَرين، وَأَنه صَححهُ الْمُحَقِّقُونَ وَأما وَقتهَا كوقت الْعِيد، فَقَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ: إِنَّه لم يرو لغير الشَّيْخ أبي عَليّ. قلت: لم ينْفَرد بِهِ الشَّيْخ أَبُو عَليّ، بل قَالَه أَيْضا الشَّيْخ أَبُو حَامِد والمحاملي الْبَغَوِيّ فِي (التَّهْذِيب) [/ ح.

الْأَمر الرَّابِع: فِي أَنه يقْرَأ فِي صَلَاة الاسْتِسْقَاء بعد الْفَاتِحَة مَا يقْرَأ فِي الْعِيدَيْنِ، أما سُورَة ق واقتربت، أَو سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى والغاشية، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي اسْتِدْلَالا بِمَا فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمَذْكُور: (فصلى رَكْعَتَيْنِ كَمَا يُصَلِّي فِي الْعِيدَيْنِ) . وَقَالَ الشَّافِعِي فِي (الْأُم) : وَيُصلي رَكْعَتَيْنِ لَا يُخَالف صَلَاة الْعِيد بِشَيْء، ونأمره أَن يقْرَأ فِيهَا مَا يقْرَأ فِي صَلَاة الْعِيد. قَالَ: وَمَا قَرَأَ بِهِ مَعَ أم الْقُرْآن أَجزَأَهُ، وَإِن اقْتصر على أم الْقُرْآن فِي كل رَكْعَة أَجزَأَهُ، وَصدر الرَّافِعِيّ كَلَامه بِأَنَّهُ يقْرَأ فِي الأولى ق، وَفِي الثَّانِيَة: اقْتَرَبت، ثمَّ حكى عَن بعض الْأَصْحَاب أَنه يقْرَأ فِي الأولى: ق، وَفِي الثَّانِيَة: إِنَّا أرسلنَا نوحًا. وَعند أَصْحَابنَا: لَيْسَ فِي صَلَاة، أَي صَلَاة كَانَت، قِرَاءَة مُؤَقَّتَة، وَذكر فِي (الْبَدَائِع) و (التُّحْفَة) : الْأَفْضَل أَن يقْرَأ فيهمَا: سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى فِي الأولى، وَفِي الثَّانِيَة: هَل أَتَاك حَدِيث الغاشية. .

الْأَمر الْخَامِس: أَنه يجْهر بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاة الاسْتِسْقَاء، لما روى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث (عبد الله بن زيد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج بِالنَّاسِ يَسْتَسْقِي، فصلى بهم رَكْعَتَيْنِ جهر بِالْقِرَاءَةِ فيهمَا. .) الحَدِيث. وَعَن أبي يُوسُف: أحسن مَا سمعنَا فِيهِ أَن يُصَلِّي الإِمَام رَكْعَتَيْنِ جاهرا بِالْقِرَاءَةِ مُسْتَقْبلا بِوَجْهِهِ قَائِما على الأَرْض دون الْمِنْبَر، مُتكئا على قَوس يخْطب بعد الصَّلَاة خطبتين، وَعَن أبي يُوسُف: خطْبَة وَاحِدَة، لِأَن الْمَقْصُود مِنْهَا الدُّعَاء فَلَا يقطعهَا بالجلسة، وَعند مُحَمَّد: يخْطب خطبتين يفصل بَينهمَا بجلسة، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي.

ثمَّ إعلم أَن أَبَا حنيفَة قَالَ: لَيْسَ فِي الاسْتِسْقَاء صَلَاة مسنونة فِي جمَاعَة، فَإِن صلى النَّاس وحدانا جَازَ، إِنَّمَا الاسْتِسْقَاء الدُّعَاء وَالِاسْتِغْفَار، لقَوْله تَعَالَى: {اسْتَغْفرُوا ربكُم إِنَّه كَانَ غفارًا يُرْسل السَّمَاء عَلَيْكُم مدرارا} (نوح: ٠١ و ١١) . علق نزُول الْغَيْث بالاستغفار لَا بِالصَّلَاةِ، فَكَأَن الأَصْل فِيهِ الدُّعَاء والتضرع دون الصَّلَاة، وَيشْهد لذَلِك أَحَادِيث: مِنْهَا: الحَدِيث الْمَذْكُور، لِأَنَّهُ لم يذكر فِيهِ الصَّلَاة. وَمِنْهَا: حَدِيث أنس، على مَا يَأْتِي فِي الْبَاب الْآتِي. وَمِنْهَا: حَدِيث كَعْب بن مرّة، رَوَاهُ ابْن مَاجَه من رِوَايَة شُرَحْبِيل بن السمط، أَنه قَالَ لكعب: يَا كَعْب بن مرّة (حدِّثنا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاحْذَرْ! قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله، استسق الله، عز وَجل، فَرفع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إسقنا غيثا مريعا طبقًا عَاجلا غير رائث، نَافِعًا غير ضار، قَالَ: فَاجْتمعُوا حَتَّى أجِيبُوا. قَالَ: فاتوه فشكوا إِلَيْهِ الْمَطَر، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، تهدمت الْبيُوت، فَقَالَ رَسُول الله: اللَّهُمَّ حوالينا وَلَا علينا. قَالَ: فَجعل السَّحَاب يتقطع يَمِينا وَشمَالًا) . وَمِنْهَا: حَدِيث جَابر، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من رِوَايَة يزِيد الْفَقِير (عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: أَتَت إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بواكٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا نَافِعًا غير ضار، عَاجلا غير آجل، قَالَ: فأطبقت عَلَيْهِم السَّمَاء) ، انْتهى. قَوْله: (بواك) ، جمع باكية. وَقَالَ الْخطابِيّ: بواكي، بِضَم الْيَاء آخر الْحُرُوف، قَالَ: مَعْنَاهُ التحامل. قَوْله: (مريعا) ، بِفَتْح

<<  <  ج: ص:  >  >>