للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْآتِيَة: (هَلَكت الْمَوَاشِي هلك الْعِيَال هلك النَّاس) ، وَهُوَ من قبيل ذكر الْعَام بعد الْخَاص، وَالْمرَاد بهلاكهم عدم وجود مَا يعيشون بِهِ من الأقوات المفقودة بِحَبْس الْمَطَر. قَوْله: (وانقطعت السبل) ، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: (وتقطعت) ، بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق وَتَشْديد الطَّاء، فَالْأول من بَاب الانفعال، وَالثَّانِي من بَاب التفعل، وَالْمرَاد من السبل: الطّرق، وَهُوَ بِضَم السِّين وَالْبَاء جمع: سَبِيل، وَاخْتلف فِي مَعْنَاهُ فَقيل: ضعفت الْإِبِل لقلَّة الْكلأ أَن يُسَافر بهَا، وَقيل: إِنَّهَا لَا تَجِد فِي سفرها من الْكلأ مَا يبلغهَا، وَقيل: إِن النَّاس أَمْسكُوا مَا عِنْدهم من الطَّعَام وَلم يجلبوه إِلَى الْأَسْوَاق، وَقيل: نفاد مَا عِنْدهم من الطَّعَام أَو قلته فَلَا يَجدونَ مَا يحملونه إِلَى الْأَسْوَاق، وَوَقع فِي رِوَايَة قَتَادَة الْآتِيَة عَن أنس: (قحط الْمَطَر) ، أَي: قل أَو لم ينزل أصلا. وَفِي رِوَايَة ثَابت الْآتِيَة عَن أنس: (واحمرت الشّجر) ، واحمرارها كِنَايَة عَن يبس وَرقهَا لعدم شربهَا المَاء أَو لانتشاره، فَيصير الشّجر أعوادا بِغَيْر ورق، وَقَالَ أَحْمد فِي رِوَايَة قَتَادَة: (وانحلت الأَرْض) . فَإِن قلت: مَا وَجه هَذَا الِاخْتِلَاف؟ قلت: يحْتَمل أَن يكون السَّائِل قَالَ ذَلِك كُله، وَيحْتَمل أَن يكون بعض الروَاة روى شَيْئا مِمَّا قَالَه بِالْمَعْنَى، فَإِنَّهَا مُتَقَارِبَة. قَوْله: (فَادع الله أَن يغيثنا) هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة أبي ذَر وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين (فَادع الله يغيثنا) ، وَوَجهه أَن كلمة: أَن، مقدرَة قبل، أَي: فَهُوَ يغيثنا، وَفِيه بعد. وَفِي رِوَايَة إِسْمَاعِيل ابْن جَعْفَر الْآتِيَة للكشميهني: (يغثنا) ، بِالْجَزْمِ، وَهَذَا هُوَ الْأَوْجه لِأَنَّهُ جَوَاب الْأَمر.

ثمَّ إعلم أَن لفظ: يغيثنا، بِضَم الْيَاء فِي جَمِيع النّسخ، و: اللَّهُمَّ أغثنا، بِالْألف من بَاب أغاث يغيث إغاثة من مزِيد الثلاثي، وَالْمَشْهُور فِي كتب اللُّغَة أَنه يُقَال فِي الْمَطَر: غاث الله النَّاس وَالْأَرْض يغيثهم، بِفَتْح الْيَاء. قَالَ عِيَاض: قَالَ بَعضهم: هَذَا الْمَذْكُور فِي الحَدِيث من الإغاثة بِمَعْنى المعونة وَلَيْسَ من طلب الْغَيْث، وَإِنَّمَا يُقَال فِي طلب الْغَيْث: أللهم أغثنا. قَالَ أَبُو الفهل: وَيحْتَمل أَن يكون من طلب الْغَيْث، أَي: هَب لنا غيثا أَو ارزقنا غيثا، كَمَا يُقَال: سقَاهُ وأسقاه، أَي: جعل لَهُ سقيا على لُغَة من فرق بَينهمَا. وَقيل: يحْتَمل أَن يكون معنى قَوْله: (أللهم أغثنا) أَي: فرج عَنَّا وأدركنا، فعلى هَذَا يجوز مَا وَقع فِي عَامَّة النّسخ. وَقَالَ أَبُو الْمعَانِي فِي (الْمُنْتَهى) : يُقَال أغاثه الله يغيثه، والغياث مَا أغاثك الله بِهِ إسم من أغاث واستغاثني فأغثته. وَقَالَ الْقَزاز: غاثه يغوثه غوثا وأغاثه يغيثه إغاثة، فأميت: غاث، وَاسْتعْمل: أغات. وَيَقُول الْوَاقِع فِي بلية: أللهم أَغِثْنِي، أَي: فرج عني. وَقَالَ الْفراء: الْغَيْث والغوث متقاربان فِي الْمَعْنى، وَالْأَصْل، وَفِي (كتاب النَّبَات) لأبي حنيفَة: وَقد غيثت الأَرْض فَهِيَ مغيثة ومغيوثة. وَقَالَ أَبُو الْحسن اللحياني: أَرض مغيثة ومغيوثة أَي مسقية ومغيرة ومغيورة، والإسم الْغيرَة والغيث. وَقَالَ الْفراء: الْغَيْث يغورنا ويغيرنا، وَقد غارنا الله بِخَير: أغاثنا.

قَوْله: (فَرفع يَدَيْهِ) وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ عَن شريك: (فَرفع يَدَيْهِ حذاء وَجهه) ، وَتقدم فِي الْجُمُعَة بِلَفْظ: (فَمد يَدَيْهِ ودعا) ، وَزَاد فِي رِوَايَة قَتَادَة فِي الْأَدَب: (فَنظر إِلَى السَّمَاء) . قَوْله: (فَقَالَ: أللهم اسقنا ثَلَاث مَرَّات) ، وَوَقع فِي هَذِه الرِّوَايَة: (اللَّهُمَّ اسقنا ثَلَاث مَرَّات) ، وَوَقع فِي رِوَايَة ثَابت الْآتِيَة عَن أنس: (أللهم إسقنا مرَّتَيْنِ) . قَوْله: (فَلَا وَالله) ، بِالْفَاءِ فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره: (لَا وَالله) بِالْوَاو، وَفِي رِوَايَة ثَابت الْآتِيَة: (وأيم الله) ، وَالتَّقْدِير: فَلَا نرى وَالله، فَحذف الْفِعْل مِنْهُ لدلَالَة الْمَذْكُور عَلَيْهِ. قَوْله: (من سَحَاب) أَي: من سَحَاب مُجْتَمع وَلَا قزعة أَي من سَحَاب متفرق، وَهُوَ بِفَتْح الْقَاف وَالزَّاي وَالْعين الْمُهْملَة. وَفِي (التَّلْوِيح) : القزعة، مِثَال شَجَرَة قِطْعَة من السَّحَاب رقيقَة كَأَنَّهَا ظلّ إِذا مرت من تَحت السَّحَاب الْكثير. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: القزع: السَّحَاب المتفرق. وَقَالَ يَعْقُوب عَن الْبَاهِلِيّ: يُقَال: مَا على السَّحَاب قزعة أَي: شَيْء من غيم، ذكره فِي (الموعب) وَفِي (تَهْذِيب الْأَزْهَرِي) : كل شَيْء متفرق فَهُوَ قزع. وَفِي (الْمُحكم) : أَكثر مَا يكون ذَلِك فِي الخريف. قَوْله: (وَلَا شَيْئا) بِالنّصب تَقْدِيره أَي: وَلَا نرى شَيْئا من الكدورة الَّتِي تكون مَظَنَّة للمطر. قَوْله: (وَبَين سلع) ، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام، وَفِي آخِره عين مُهْملَة: وَهُوَ جبل مَعْرُوف بِالْمَدِينَةِ، وَوَقع عِنْد ابْن سهل، بِفَتْح اللَّام وسكونها: وَقيل: بغين مُعْجمَة، وَكله خطأ. وَفِي (الْمُحكم) و (الْجَامِع) : سلع مَوضِع، وَقيل: جبل. وَقَالَ الْبكْرِيّ: هُوَ جبل مُتَّصِل بِالْمَدِينَةِ، وَزعم الْهَرَوِيّ أَن سلعا معرفَة لَا يجوز إِدْخَال اللَّام عَلَيْهِ. قلت: وَفِي (دَلَائِل النُّبُوَّة) للبيهقي، وَكتاب أبي نعيم الْأَصْبَهَانِيّ، وَأبي سعيد الْوَاعِظ و (الإكليل) للْحَاكِم: (فطلعت سَحَابَة من وَرَاء السّلع) . قَوْله: (من بَيت وَلَا دَار) أَي: تحجبنا عَن رُؤْيَته، وَأَرَادَ بذلك أَن السَّحَاب كَانَ مفقودا لَا مستترا بِبَيْت وَلَا غَيره، وَوَقع فِي رِوَايَة ثَابت فِي (عَلَامَات النُّبُوَّة) : (وَإِن السَّمَاء لفي مثل الزجاجة أَي لشدَّة صفائها وَذَلِكَ أَيْضا مشْعر بقدم السَّحَاب أصلا قَوْله (فطلعت) أَي: ظَهرت من وَرَائه أَي من وَرَاء سلع. قَوْله: (مثل

<<  <  ج: ص:  >  >>