للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعل مَا سيقع كالواقع إِظْهَارًا لتعظيم شَأْن الْكُسُوف وتنبيها لأمته أَنه إِذا وَقع بعده يَخْشونَ أَمر ذَلِك ويفزعون إِلَى ذكر الله وَالصَّلَاة وَالصَّدَََقَة، لِأَن ذَلِك مِمَّا يدْفع الله بِهِ الْبلَاء. قَوْله: (رَأَيْته قطّ يَفْعَله) كلمة: قطّ، لَا تقع إلاّ بعد الْمَاضِي الْمَنْفِيّ، وَهنا وَقعت بِدُونِ كلمة: مَا، مَعَ أَن فِي كثير من النّسخ وَقعت على الأَصْل، وَهُوَ: (مَا رَأَيْته قطّ يَفْعَله) ، وَوجه ذَلِك: إِمَّا أَن يقدر حرف النَّفْي، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {تالله تفتؤ تذكر يُوسُف} (يُوسُف: ٥٨) . وَإِمَّا أَن لفظ: أطول، فِيهِ معنى عدم الْمُسَاوَاة أَي: بِمَا لم يساو قطّ قيَاما رَأَيْته يَفْعَله، وَإِمَّا أَن يكون قطّ بِمَعْنى: حسب، أَي: صلى فِي ذَلِك الْيَوْم فَحسب بأطول قيام رَأَيْته يَفْعَله، أَو يكون بِمَعْنى: أبدا، وَيَنْبَغِي أَن تكون لَفْظَة: قطّ، فِي النُّسْخَة الَّتِي مَا تقدمها حرف النَّفْي بِفَتْح الْقَاف، وَسُكُون الطَّاء، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يكون بِمَعْنى: حسب، فَلَا يَقْتَضِي حرف النَّفْي. وَأما إِذا كَانَ على بَابه فَهُوَ بِفَتْح الْقَاف وَضمّهَا وَتَشْديد الطَّاء وتخفيفها، وَبِفَتْحِهَا وَكسر الطَّاء المخففة. قَوْله: (هَذِه الْآيَات) أَشَارَ بهَا إِلَى الْآيَات الَّتِي تقع مثل: الْكُسُوف والخسوف والزلزلة وهبوب الرّيح الشَّدِيدَة وَنَحْوهَا، فَفِي كل وَاحِدَة مِنْهَا تخويف الله تَعَالَى لِعِبَادِهِ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَا نرسل بِالْآيَاتِ إلاّ تخويفا} (الْإِسْرَاء: ٩٥) . وَيفهم من هَذَا أَن الْمُبَادرَة وَالذكر وَالدُّعَاء لَا يخْتَص بالكسوفين، وَبِه قَالَ أَصْحَابنَا، وَحكى ذَلِك عَن أبي مُوسَى، وَقَالَ بَعضهم: لم يَقع فِي هَذِه الرِّوَايَة ذكر الصَّلَاة فَلَا حجَّة فِيهِ لمن استحبها عِنْد كل آيَة. قلت: لم تَنْحَصِر الْحجَّة بِهَذِهِ الرِّوَايَة بل فِي قَوْله: (افزعوا إِلَى ذكر الله) حجَّة لمن قَالَ ذَلِك، لِأَن الصَّلَاة يُطلق عَلَيْهَا: ذكر الله، لِأَن فِيهَا أنواعا من ذكر الله تَعَالَى، وَقد ورد ذَلِك فِي (صَحِيح مُسلم) : (إِن هَذِه الصَّلَاة لَا يصلح فِيهَا شَيْء من كَلَام النَّاس، إِنَّمَا هِيَ التَّسْبِيح وَالتَّكْبِير وَقِرَاءَة الْقُرْآن) .

٥١ - (بابُ الدُّعَاءِ فِي الخُسُوفِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الدُّعَاء فِي الْكُسُوف، وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة وَأبي الْوَقْت: بَاب الدُّعَاء فِي الخسوف.

قالَهُ أبُو مُوسى وَعَائِشَةُ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

أَي: قَالَ مَا ذكر من الدُّعَاء فِي الْكُسُوف أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَهُوَ فِي حَدِيثه الْمَذْكُور قبل هَذَا الْبَاب، وَهُوَ قَوْله: (فافزعوا إِلَى ذكره ودعائه واستغفاره) ، وَأما حَدِيث عَائِشَة فقد تقدم فِي الْبَاب الثَّانِي، وَهُوَ: بَاب الصَّدَقَة فِي الْكُسُوف، ولفظها: (فَإِذا رَأَيْتُمْ ذَلِك فادعو الله) .

٠٦٠١ - حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ قَالَ حدَّثنا زَائِدَةُ قَالَ حدَّثنا زيادُ بن عِلَاقَة قَالَ سَمِعْتُ المُغِيرَةَ بنَ شُعْبَةَ يَقُولِ انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ يَوْمَ ماتَ إبْرَاهِيمُ فقالَ النَّاسُ انْكَسَفَتْ لِمَوْتِ إبْرَاهِيمَ فقالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّ الشَّمْسَ والقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ الله لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أحَدٍ ولَا لِحَيَاتِهِ فإذَا رَأيْتُمُوهُمِا فادْعُوا الله وَصَلّوا حَتَّى تَنْجَلِيَ.

(أنظر الحَدِيث ٣٤٠١ وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَقد تقدم فِي الْبَاب الأول، أخرجه عَن عبد الله بن مُحَمَّد عَن هَاشم بن الْقَاسِم عَن شَيبَان بن مُعَاوِيَة عَن زِيَاد بن علاقَة عَن الْمُغيرَة، وَهَذَا من الخماسيات، وَالَّذِي فِي هَذَا الْبَاب من الرباعيات، وَهُنَاكَ: عَن زِيَاد عَن الْمُغيرَة، وَهنا: التَّصْرِيح بِسَمَاعِهِ من الْمُغيرَة، وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ.

قَوْله: (رأيتموها) أَي: الْآيَة ويروى (رأيتموهما) بتثنية الضَّمِير، يرجع إِلَى الشَّمْس وَالْقَمَر بِاعْتِبَار كسوفهما. قَوْله: (حَتَّى تنجلي) ويروى بالتذكير، والتأنيث، ووجههما ظَاهر.

٦١ - (بابُ قَوْلِ الإِمَام فِي خُطْبَةِ الكُسوفِ أمَّا بَعْدُ)

١٦٠١ - وقالَ أبُو أسامَةَ حدَّثنا هِشَامٌ قَالَ أخْبَرَتْنِي فاطِمَة بنْتُ المُنْذِرِ عنْ أسْمَاءَ قالَتْ فانْصَرَفَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ فَخَطَبَ فَحَمِدَ الله بِمَا هُوَ أهْلُهُ ثُمَّ قالَ أمَّا بَعْدُ..

مُطَابقَة هَذَا للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَقد ذكره فِي: بَاب من قَالَ فِي الْخطْبَة بعد الثَّنَاء أما بعد، فِي كتاب الْجُمُعَة. وَقَالَ مَحْمُود: حَدثنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>