للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن اخْتِيَاره أَن أقل الْمسَافَة الَّتِي يجوز فِيهَا الْقصر يَوْم وَلَيْلَة، حَاصله أَن من خرج من منزله وَقصد موضعا إِن كَانَ بَينه وَبَين مقْصده ذَلِك مسيرَة يَوْم وَلَيْلَة يجوز لَهُ أَن يقصر صلَاته الرّبَاعِيّة، وَإِن كَانَ أقل من ذَلِك لَا يجوز، وَهَذِه الْعبارَة رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره: وسمى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا وَلَيْلَة سفرا، وَإِطْلَاق السّفر على يَوْم وَلَيْلَة تجوز، وَكَذَا إِطْلَاق يَوْم وَلَيْلَة على السّفر، وَهَذَا أنسب. يُقَال: سميت فلَانا زيدا، وَقد ذكر فِي هَذَا الْبَاب ثَلَاثَة أَحَادِيث: إثنان مِنْهَا عَن ابْن عمر وَالْآخر عَن أبي هُرَيْرَة، وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة: أقل مُدَّة السّفر الَّتِي لَا يحل للْمَرْأَة أَن تُسَافِر فِيهَا بِدُونِ زوج أَو محرم يَوْم وَلَيْلَة كَمَا يَأْتِي ذكره. وَأَشَارَ إِلَى هَذَا بقوله: (وسمى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم السّفر يَوْمًا وَلَيْلَة) . وَقَالَ بَعضهم: وَتعقب بِأَن فِي بعض طرقه: ثَلَاثَة أَيَّام، كَمَا فِي حَدِيث ابْن عمر، وَفِي بَعْضهَا: يَوْم وَلَيْلَة، وَفِي بَعْضهَا: يَوْم، وَفِي بَعْضهَا: لَيْلَة، وَفِي بَعْضهَا: بريد. قلت: لَيْسَ فِيهِ تعقب لِأَن المحكي فِي هَذَا الْبَاب نَحْو من عشْرين قولا، وَقد ذكرنَا فِي هَذَا الْبَاب الصَّلَاة بمنى، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن أقل الْمسَافَة الَّتِي اخْتَارَهَا من هَذِه الْأَقْوَال، يَوْم وَلَيْلَة، وَلَا يُقَال الْمَذْكُور فِي بَعْضهَا يَوْم فَقَط بِدُونِ لَيْلَة، لأَنا نقُول: إِذا ذكر الْيَوْم مُطلقًا يُرَاد بِهِ الْكَامِل، وَهُوَ الْيَوْم بليلته، وَكَذَا إِذا أطلقت اللَّيْلَة بِدُونِ ذكر الْيَوْم.

وكانَ ابنُ عُمَرَ وابنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم يَقْصُرَانِ ويُفْطِرانِ فِي أرْبَعَةِ بُرُدٍ وَهْيَ سِتَّةَ عشَرَ فَرْسَخا

هَذَا التَّعْلِيق أسْندهُ الْبَيْهَقِيّ، فَقَالَ: أخبرنَا ابْن حَامِد الْحَافِظ أخبرنَا زَاهِر بن أَحْمد حَدثنَا أَبُو بكر النَّيْسَابُورِي حَدثنَا يُوسُف بن سعيد بن مُسلم حَدثنَا حجاج حَدثنِي لَيْث حَدثنَا يزِيد بن أبي حبيب (عَن عَطاء بن أبي رَبَاح: أَن ابْن عمر وَابْن عَبَّاس كَانَا يصليان رَكْعَتَيْنِ ويفطران فِي أَرْبَعَة برد، فَمَا فَوق ذَلِك) . قَالَ أَبُو عمر: هَذَا عَن ابْن عَبَّاس مَعْرُوف من نقل الثِّقَات مُتَّصِل الْإِسْنَاد عَنهُ من وُجُوه. مِنْهَا مَا رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج عَن عَطاء عَنهُ، وَقَالَ ابْن أبي شيبَة أخبرنَا ابْن عُيَيْنَة عَن عمر وَأَخْبرنِي عَطاء عَنهُ، وَحدثنَا وَكِيع حَدثنَا هِشَام بن الْغَاز عَن ربيعَة الجرشِي عَن عَطاء عَنهُ، وَقد اخْتلف عَن ابْن عمر فِي تَحْدِيد ذَلِك اخْتِلَافا كثيرا، فروى عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج عَن نَافِع أَن ابْن عمر كَانَ أدنى مَا يقصر الصَّلَاة فِيهِ مَال لَهُ بِخَيْبَر، وَبَين الْمَدِينَة وخيبر سِتَّة وَتسْعُونَ ميلًا، وروى وَكِيع من وَجه آخر عَن ابْن عمر أَنه قَالَ: يقصر من الْمَدِينَة إِلَى السويداء، وَبَينهمَا إثنان وَسَبْعُونَ ميلًا، وروى عبد الرَّزَّاق عَن مَالك عَن ابْن شهَاب عَن سَالم عَن أَبِيه: أَنه سَافر إِلَى ريم فقصر الصَّلَاة. قَالَ عبد الرَّزَّاق: وَهِي على ثَلَاثِينَ ميلًا من الْمَدِينَة، وروى ابْن أبي شيبَة عَن وَكِيع عَن مسعر عَن محَارب: سَمِعت ابْن عمر يَقُول: إِنِّي لأسافر السَّاعَة من النَّهَار فأقصر. وَقَالَ الثَّوْريّ: سَمِعت جبلة بن سحيم، سَمِعت ابْن عمر يَقُول: لَو خرجت ميلًا لقصرت الصَّلَاة، وَإسْنَاد كل من هَذِه الْآثَار صَحِيح، وَقد اخْتلف فِي ذَلِك على ابْن عمر، وَأَصَح مَا رُوِيَ عَنهُ مَا رَوَاهُ ابْنه سَالم وَنَافِع أَنه: كَانَ لَا يقصر إلاّ فِي الْيَوْم التَّام أَرْبَعَة برد، وَفِي (الْمُوَطَّأ) عَن ابْن شهَاب عَن مَالك عَن سَالم عَن أَبِيه: أَنه كَانَ يقصر فِي مسيرَة الْيَوْم التَّام، وَقَالَ بَعضهم: على هَذَا فِي تمسك الْحَنَفِيَّة بِحَدِيث ابْن عمر، على أَن: أقل مَسَافَة الْقصر ثَلَاثَة أَيَّام إِشْكَال، لَا سِيمَا على قاعدتهم بِأَن الِاعْتِبَار بِمَا رأى الصَّحَابِيّ لَا بِمَا روى. قلت: لَيْسَ فِيهِ إِشْكَال، لِأَن هَذَا لَا يشبه أَن يكون رَأيا، إِنَّمَا يشبه أَن يكون توقيفا على أَن أَصْحَابنَا أَيْضا اخْتلفُوا فِي هَذَا الْبَاب إختلافا كثيرا، فَالَّذِي ذكره صَاحب (الْهِدَايَة) : السّفر الَّذِي تَتَغَيَّر بِهِ الْأَحْكَام أَن يقْصد الْإِنْسَان مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام ولياليها بسير الْإِبِل ومشي الْأَقْدَام، وَقدر أَبُو يُوسُف بيومين وَأكْثر الثَّالِث، وَهُوَ رِوَايَة الْحسن عَن أبي حنيفَة، وَرِوَايَة ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد، وَقَالَ المرغيناني وَعَامة الْمَشَايِخ: قدروها بالفراسخ، فَقيل: أحد وَعِشْرُونَ فرسخا، وَقيل: ثَمَانِيَة عشر فرسخا. قَالَ المرغيناني: وَعَلِيهِ الْفَتْوَى. وَقيل خَمْسَة عشر فرسخا. وَمَا ذكره صَاحب (الْهِدَايَة) هُوَ مَذْهَب عُثْمَان وَابْن مَسْعُود وسُويد بن غَفلَة وَفِي (التَّمْهِيد) : وَحُذَيْفَة بن الْيَمَان وَأَبُو قلَابَة وَشريك بن عبد الله وَابْن جُبَير وَابْن سِيرِين وَالشعْبِيّ وَالنَّخَعِيّ وَالثَّوْري وَالْحسن بن حَيّ، وَقد استقصينا الْكَلَام فِيهِ فِي: بَاب الصَّلَاة بمنى. قَوْله: (وَهُوَ سِتَّة عشر فرسخا) من كَلَام البُخَارِيّ أَي: الْبرد سِتَّة عشر فرسخا، وَالْبرد، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة: جمع بريد، وَقَالَ ابْن سَيّده: الْبَرِيد فرسخان. وَقيل: مَا بَين كل منزلين بريد، وَقَالَ صَاحب (الْجَامِع) : الْبَرِيد أَمْيَال مَعْرُوفَة، يُقَال: هُوَ أَرْبَعَة فراسخ. والفراسخ ثَلَاثَة أَمْيَال. وَفِي (الواعي) : الْبَرِيد سكَّة من السكَك، كل اثْنَي عشر ميلًا بريد، وَكَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>