للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

انْحَلَّت عقد) على الْجمع، وَكَذَا ضبطناه فِي البُخَارِيّ وَفِي غَيرهمَا: (عقدَة) ، وَكِلَاهُمَا صَحِيح، وَالْجمع أولى لَا سِيمَا وَقد جَاءَ مُسلم فِي الأولى: عقدَة وَفِي الثَّانِيَة: عقدان، وَفِي الثَّالِثَة: انْحَلَّت العقد. قَوْله: (أصبح نشيطا) أَي: لسروره بِمَا وَفقه الله تَعَالَى من الطَّاعَة وَطيب النَّفس لما بَارك الله لَهُ فِي نَفسه وتصرفه فِي كل أُمُوره، وَبِمَا زَالَ عَنهُ من عقد الشَّيْطَان. قَوْله: (وإلاّ أصبح خَبِيث النَّفس) يَعْنِي: بِتَرْكِهِ مَا كَانَ اعتاده أَو نَوَاه من فعل الْخَيْر. قَوْله: (كسلان) يَعْنِي: بِبَقَاء أثر تثبيط الشَّيْطَان عَلَيْهِ. قَالَ الْكرْمَانِي: وَاعْلَم أَن مُقْتَضى (وإلَاّ أصبح) أَن من لم يجمع الْأُمُور الثَّلَاثَة: الذّكر وَالْوُضُوء وَالصَّلَاة، فَهُوَ دَاخل تَحت من يصبح خبيثا كسلان وَإِن أَتَى بِبَعْضِهَا. قلت: فعلى هَذَا تَقْدِير الْكَلَام: وَإِن لم يذكر وَلم يتَوَضَّأ وَلم يصل يصبح خَبِيث النَّفس كسلان.

الأسئلة والأجوبة مِنْهَا مَا قيل: إِن أَبَا بكر وَأَبا هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، كَانَا يوتران أول اللَّيْل وينامان آخِره؟ وَأجِيب: بِأَن المُرَاد: الَّذِي ينَام وَلَا نِيَّة لَهُ فِي الْقيام، وَأما من صلى من النَّافِلَة مَا قدر لَهُ ونام بنية الْقيام فَلَا يدْخل فِي ذَلِك، وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : بِدَلِيل قَوْله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَا من امرىء يكون لَهُ صَلَاة بلَيْل فغلبه عَلَيْهَا نوم إلَاّ كتب لَهُ أجر صلَاته، وَكَانَ نَومه صَلَاة) . ذكره ابْن التِّين قلت: روى ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) فِي: بَاب من نوى أَن يُصَلِّي من اللَّيْل، من حَدِيث شُعْبَة، قَالَ أَبُو ذَر وَأَبُو الدَّرْدَاء، شكّ شُعْبَة: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَا من عبد يحدث نَفسه بِقِيَام سَاعَة من اللَّيْل فينام عَنْهَا إلَاّ كَانَ نَومه صَدَقَة تصدق الله بهَا عَلَيْهِ وَكتب لَهُ أجر مَا نوى) .

وَمِنْهَا مَا قيل: فِي هَذَا الحَدِيث مَا يُعَارض قَوْله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا يَقُولَن أحدكُم خبثت نَفسِي؟) وَأجِيب: بِأَن النَّهْي إِنَّمَا ورد عَن إِضَافَة الْمَرْء ذَلِك إِلَى نَفسه كَرَاهَة لتِلْك الْكَلِمَة، وَهَذَا الحَدِيث وَقع ذما لفعله، وَلكُل من الْخَبَرَيْنِ وَجه، وَقَالَ الْبَاجِيّ: لَيْسَ بَين الْحَدِيثين اخْتِلَاف لِأَنَّهُ نهي عَن إِضَافَة ذَلِك إِلَى النَّفس، لكَون الْخبث فَمَعْنَى فَسَاد الدّين، وَوصف بعض الْأَفْعَال بذلك تحذيرا مِنْهَا وتنفيرا.

وَمِنْهَا مَا قيل: مَا فَائِدَة تَقْيِيد العقد بِالثلَاثِ؟ وَأجِيب: بإنه أما تَأْكِيد وَإِمَّا لِأَن مَا ينْحل بِهِ العقد ثَلَاثَة أَشْيَاء: الذّكر وَالْوُضُوء وَالصَّلَاة، فَكَانَ الشَّيْطَان منع عَن كل وَاحِد مِنْهَا بعقدة عقدهَا على قافيته.

وَمِنْهَا مَا قيل: مَا وَجه تَخْصِيص قافية الرَّأْس بِضَرْب العقد عَلَيْهَا. وَأجِيب بِأَنَّهَا مَحل الواهمة وَمحل تصرفها، وَهِي أطوع القوى للشَّيْطَان وأسرعها إِجَابَة لدعوته.

وَمِنْهَا مَا قيل: أَنه قد يظنّ أَن بَين هَذَا الحَدِيث وَبَين مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ وَغَيره أَن قارىء آيَة الْكُرْسِيّ عِنْد نَومه لَا يقربهُ شَيْطَان تعَارض؟ وَأجِيب: بِأَن المُرَاد من العقد إِن كَانَ أمرا معنويا، وَمن الْقرب أمرا حسيا أَو بِالْعَكْسِ، فَلَا إِشْكَال، وَإِن كَانَ كِلَاهُمَا معنويا أَو بِالْعَكْسِ فَيكون أَحدهمَا مَخْصُوصًا، وَالْأَقْرَب أَن يكون حَدِيث الْبَاب مَخْصُوصًا بِمن لم يقْرَأ آيَة الْكُرْسِيّ لطرد الشَّيْطَان.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: أَن الذّكر يطرد الشَّيْطَان، وَكَذَا الْوضُوء وَالصَّلَاة، وَلَا يتَعَيَّن للذّكر شَيْء مَخْصُوص لَا يجزىء غَيره، بل كل مَا يصدق عَلَيْهِ، ذكر الله تَعَالَى أَجزَأَهُ، وَيدخل فِيهِ تِلَاوَة الْقُرْآن، وَأولى مَا يذكر فِيهِ مَا سَيَجِيءُ فِي: بَاب فضل من تعار من اللَّيْل، إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَإِن قلت: كَيفَ حكم الْجنب؟ فَهَل تحل عقدته بِالْوضُوءِ؟ قلت: لَا تحل إلاّ بالاغتسال وَتَخْصِيص الْوضُوء بِالذكر لكَونه الْغَالِب، وَالتَّيَمُّم يقوم مقامهما عِنْد جَوَازه، وَالله أعلم.

٣٤١١ - حدَّثنا مُؤَمِّلُ بنُ هِشَامٍ قَالَ حدَّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ حدَّثنا عَوفٌ قَالَ حدَّثنا أبُو رَجَاءٍ قَالَ حدَّثَنَا سَمْرَةُ بنُ جُنْدَبٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عنِ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الرُّؤيَا قَالَ أمَّا الَّذِي يُثْلَغُ رَأسُهُ بِالحَجَرِ فإنَّهُ يَأخُذُ القُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ ويَنَامُ عنِ الصَّلَاة المَكْتُوبَةِ..

زعم الْإِسْمَاعِيلِيّ أَن حَدِيث سَمُرَة هَذَا لَا يدْخل فِي هَذَا الْبَاب لِأَن رفض الْقُرْآن لَيْسَ ترك الصَّلَاة بِاللَّيْلِ. قلت: حفظ شَيْئا وَغَابَ عَنهُ مَا هُوَ أعظم مِنْهُ، فَفِي الحَدِيث: (وينام عَن الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة) ، وَالْمرَاد مِنْهَا الْعشَاء الْآخِرَة، فَأَي مُنَاسبَة تطلب بِأَكْثَرَ من هَذَا؟

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: مُؤَمل، بِلَفْظ اسْم الْمَفْعُول: ابْن هِشَام الْبَصْرِيّ ختن شَيْخه إِسْمَاعِيل بن علية، مَاتَ سنة ثَلَاث وَخمسين وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: إِسْمَاعِيل بن علية، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح اللَّام، وَعليَّة اسْم أمه، وَهُوَ إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن سهم الْأَسدي الْبَصْرِيّ، مَاتَ سنة ثَلَاث أَو أَربع وَتِسْعين وَمِائَة بِبَغْدَاد. الثَّالِث: عَوْف الْأَعرَابِي، مر فِي: بَاب اتِّبَاع الْجَنَائِز من الْإِيمَان. الرَّابِع: أَبُو رَجَاء، بخفة الْجِيم وبالمد: اسْمه عمرَان بن ملْحَان العطاردي.

<<  <  ج: ص:  >  >>