للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْجَنَائِز أَيْضا عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَن عَليّ بن حجر وَعَن ابْن أبي عمر، وَفِي مُقَدّمَة كِتَابه: عَن مُحَمَّد بن عبد الله. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ أَيْضا عَن أَحْمد بن منيع.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (إِن كذبا) ، بِفَتْح الْكَاف وَكسر الذَّال، وبكسر الْكَاف وَسُكُون الذَّال، وَكِلَاهُمَا مصدر: كذب يكذب فَهُوَ كَاذِب وَكَذَّاب وكذوب وكيذوبان ومكذبان ومكذبان ومكذبانة وكذبة، مثل: همزَة، وكذبذب مخفف، وَقد يشدد. وَالْكذب خلاف الصدْق، وَقد اسْتَوْفَيْنَا الْكَلَام فِيهِ فِي كتاب الْعلم فِي: بَاب من كذب على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله: (على أحد) أَي: غَيْرِي، قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: الْكَذِب على غَيره أَيْضا مَعْصِيّة: {وَمن يعَض الله وَرَسُوله ويتعد حُدُوده يدْخلهُ نَارا خَالِدا فِيهَا} (النِّسَاء: ٤١) . قلت الْكَذِب عَلَيْهِ كَبِيرَة لِأَنَّهَا على الصَّحِيح مَا توعد الشَّارِع عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ، وَهَذَا كَذَلِك، بِخِلَاف الْكَذِب على غَيره فَإِنَّهُ صَغِيرَة، مَعَ أَن الْفرق ظَاهر بَين دُخُول النَّار فِي الْجُمْلَة وَبَين جعل النَّار مسكنا ومثوىً، سِيمَا وَبَاب التفعيل يدل على الْمُبَالغَة، وَلَفظ الْأَمر على الْإِيجَاب، أَو المُرَاد بالمعصية فِي الْآيَة: الْكَبِيرَة أَو الْكفْر بِقَرِينَة الخلود. قَوْله: (فَليَتَبَوَّأ) أَي: فليتخذ لَهُ مسكنا فِي النَّار. قَوْله: (من ينح عَلَيْهِ) ، بِضَم الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح النُّون وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة: من النوح، وَأَصله يناح سَقَطت الْألف عَلامَة الْجَزْم لِأَن: من، شَرْطِيَّة. وَقَوله: (يعذب) على صِيغَة الْمَجْهُول بِالْجَزْمِ لِأَنَّهُ جَوَاب الشَّرْط، وَيجوز فِيهِ الرّفْع على تَقْدِير: فَهُوَ يعذب، وَهَذِه رِوَايَة الْأَكْثَرين. ويروى: (من نيح عَلَيْهِ) بِكَسْر النُّون وَسُكُون الْيَاء وَفتح الْحَاء: على صِيغَة الْمَجْهُول من الْمَاضِي، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (من يناح) ، ووجهها أَن تكون: من، مَوْصُولَة. وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ عَن عَليّ ابْن عبد الْعَزِيز عَن أبي نعيم بِلَفْظ: (إِذا نيح على الْمَيِّت عذب بالنياحة عَلَيْهِ) . قَوْله: (بِمَا نيح عَلَيْهِ) الْبَاء للسَّبَبِيَّة، و: مَا، مَصْدَرِيَّة أَي: بِسَبَب النوح عَلَيْهِ، وَهُوَ بِكَسْر النُّون عِنْد الْجَمِيع، ويروى: (مَا نيح) ، بِغَيْر الْبَاء. قَالَ بَعضهم: على أَن: مَا، ظرفية. قلت: فِي هَذِه الرِّوَايَة تكون: مَا، للمدة أَي: يعذب مُدَّة النوح عَلَيْهِ، وَلَا يُقَال: مَا، ظرفية، وَيجوز أَن يكون (بِمَا نيح) حَالا، وَمَا، مَوْصُولَة أَي: يعذب ملتبسا بِمَا ندب عَلَيْهِ من الْأَلْفَاظ: يَا جبلاه، يَا كهفاه، وَنَحْوهمَا على سَبِيل التهكم.

وَمِمَّا يُسْتَفَاد مِنْهُ: أَن النوح حرَام بِالْإِجْمَاع لِأَنَّهُ جاهلي، وَكَانَ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يشْتَرط على النِّسَاء فِي مبايعتهن على الْإِسْلَام أَن لَا يَنحن، وَالْبَاب دَال على أَن النَّهْي عَن الْبكاء على الْمَيِّت إِنَّمَا هُوَ إِذا كَانَ فِيهِ نوح، وَأَنه جَائِز بِدُونِهِ، فقد أَبَاحَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لَهُنَّ الْبكاء بِدُونِهِ، وَشرط الشَّارِع فِي حَدِيث الْمُغيرَة أَنه: (يعذب بِمَا نيح عَلَيْهِ) يدل على أَن الْبكاء بِدُونِهِ لَا عَذَاب فِيهِ.

ذكر الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي هَذ الْبَاب: وَفِي (التَّوْضِيح) : وَفِي الْبَاب عَن خَمْسَة عشر صحابيا فِي لعن فَاعله، والوعيد والتبري، ابْن مَسْعُود، وَأَبُو مُوسَى، وَمَعْقِل بن مقرن، وَأَبُو مَالك الْأَشْعَرِيّ، وَأَبُو هُرَيْرَة، وَابْن عَبَّاس، وَمُعَاوِيَة، وَأَبُو سعيد، وَأَبُو أُمَامَة وَعلي، وَجَابِر، وَقيس بن عَاصِم، وجنادة بن مَالك، وَأم عَطِيَّة، وَأم سَلمَة. وَذكرهمْ بالعد دون بَيَان من استخرج أَحَادِيثهم، فَنَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق: أما حَدِيث ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عِنْد البُخَارِيّ على مَا يَأْتِي، وَأخرجه مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه. وَحَدِيث أبي مُوسَى عِنْد البُخَارِيّ أَيْضا على مَا يَأْتِي. وَحَدِيث معقل بن مقرون عِنْد الْكَجِّي فِي (السّنَن الْكَبِير) بِسَنَد صَحِيح عَن عبد الله بن معقل بن مقرن: (لعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المرنة والشاقة جيبها واللاطمة وَجههَا) . وَحَدِيث أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ عِنْد مُسلم من رِوَايَة أبي سَلام: أَن أَبَا مَالك الْأَشْعَرِيّ حَدثهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (أَربع فِي أمتِي من أَمر الْجَاهِلِيَّة لَا يتركونهن: الْفَخر فِي الأحساب، والطعن فِي الْأَنْسَاب، وَالِاسْتِسْقَاء بالأنواء، والنياحة. وَقَالَ: النائحة إِذا لم تتب قبل مَوتهَا تُقَام يَوْم الْقِيَامَة وَعَلَيْهَا سربال من قطران وَدرع من جرب) . وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه، وَلَفظه: (النِّيَاحَة من أَمر الْجَاهِلِيَّة، وَأَن النائحة إِذا لم تتب قطع الله لَهَا ثيابًا من قطران وَدِرْعًا من لَهب النَّار) . وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة عِنْد التِّرْمِذِيّ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أَربع فِي أمتِي من أَمر الْجَاهِلِيَّة لَيْسَ يدعهن النَّاس: النِّيَاحَة. .) الحَدِيث، وَتفرد بِهِ التِّرْمِذِيّ. وَحَدِيث ابْن عَبَّاس أخرجه ابْن مرْدَوَيْه فِي (تَفْسِيره) بِإِسْنَادِهِ عَنهُ. {وَلَا يَعْصِينَك فِي مَعْرُوف} (الممتحنة: ٢١) . قَالَ (مَنعهنَّ أَن يَنحن، وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يُمَزِّقْنَ الثِّيَاب، وَيَخْدِشْنَ الْوُجُوه، وَيَقْطَعْنَ الشُّعُور، وَيدعونَ بالثبور وَالثُّبُور الويل. وَحَدِيث مُعَاوِيَة أخرجه ابْن مَاجَه: خطب مُعَاوِيَة بحمص، فَذكر فِي خطبَته أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (نهى عَن النوح) .

<<  <  ج: ص:  >  >>