للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٤١٣١ - حدَّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حَدثنَا الليْثُ عنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ عنْ أبِيهِ أنَّهُ سَمِعَ أبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إذَا وُضِعَتِ الجِنَازَةُ وَاحْتَمَلَهَا الرِّجالُ عَلَى أعْناقِهِمْ فإنْ كانَتْ صالِحَةً قالَتْ قَدِّمُونِي وَإنْ كانَتْ غَيْرَ صالِحَةٍ قالَتْ يَا وَيْلَهَا أيْنَ يَذْهَبُونَ بِهَا يَسْمَعُ صَوْتَهَا كْلُّ شَيءٍ إلَاّ الإنْسَانَ ولَوْ سَمِعَهُ لَصَعِقَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (واحتملها الرِّجَال) فَإِن قلت: هَذَا إِخْبَار، فَكيف يكون حجَّة فِي منع النِّسَاء؟ قلت: كَلَام الشَّارِع مهما أمكن يحمل على التشريع لَا مُجَرّد الْإِخْبَار عَن الْوَاقِع.

وَرِجَاله تقدمُوا غير مرّة، وَاسم أبي سعيد: كيسَان، وَاسم أبي سعيد الْخُدْرِيّ: سعد بن مَالك، والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا عَن قُتَيْبَة.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (إِذا وضعت الْجِنَازَة) ، أَي: الْمَيِّت على النعش، وَقد ذكرنَا أَن هَذَا اللَّفْظ يُطلق على الْمَيِّت وعَلى السرير الَّذِي يحمل عَلَيْهِ الْمَيِّت، وَيحْتَمل أَن يُرَاد بهَا النعش، وَلَفظ: احتملها، يؤكده وَيكون إِسْنَاد القَوْل إِلَيْهِ مجَازًا. قَوْله: (يَا وَيْلَهَا) ، مَعْنَاهُ: يَا حزني إحضر فَهَذَا أوانك، وَكَانَ الْقيَاس أَن يُقَال: يَا ويلي، لكنه أضيف إِلَى الْغَائِب حملا على الْمَعْنى، كَأَنَّهُ لما أبْصر نَفسه غير صَالِحَة نفر عَنْهَا وَجعلهَا كَأَنَّهَا غَيره، وَكره أَن يضيف الويل إِلَى نَفسه. قَوْله: (لصعق) الصَّعق: أَن يغشى على الْإِنْسَان من صَوت شَدِيد يسمعهُ، وَرُبمَا مَاتَ مِنْهُ، وَقَالَ ابْن بطال: (قدموني) أَي: إِلَى الْعَمَل الصَّالح الَّذِي عملته، يَعْنِي إِلَى ثَوَابه. وَفِي لفظ: (يسمع) ، دلَالَة أَن القَوْل هَهُنَا حَقِيقَة لَا مجَاز، وَأَنه تَعَالَى يحدث النُّطْق فِي الْمَيِّت إِذا شَاءَ. وَقَالَ: يَا وَيْلَهَا، لِأَنَّهَا تعلم أَنَّهَا لم تقدم خيرا، وَأَنَّهَا تقدم على مَا يسوؤها فتكره الْقدوم عَلَيْهَا، وَالضَّمِير فِي قَوْله: (لَو سَمعه) رَاجع إِلَى دُعَائِهِ بِالْوَيْلِ على نَفسهَا، أَي: تصيح بِصَوْت مُنكر لَو سَمعه الْإِنْسَان لأغشي عَلَيْهِ.

١٥ - (بابُ السُّرْعَةِ بِالْجِنَازَةِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْإِسْرَاع بالجنازة بعد الْحمل.

وَقَالَ أنَسٌ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنْتُمْ مُشَيِّعُونَ فَامْشُوا بَيْنَ يَدَيْهَا وَخَلْفَهَا وعَنْ يَمِينِهَا وعَنْ شِمَالِهَا

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن السرعة بالجنازة لَا تكون غَالِبا إلَاّ فِي وجهات مُخْتَلفَة، وَلَا تكون فِي جِهَة مُعينَة لتَفَاوت النَّاس فِي الْمَشْي، وَتحصل الْمَشَقَّة من بَعضهم على بعض فِي تعْيين جِهَة، فَإِذا كَانَ كَذَلِك تكون السرعة من جوانبها الْأَرْبَع، وَهَذَا التَّعْلِيق ذكره ابْن أبي شيبَة عَن أبي بكر بن عَيَّاش عَن حميد عَن أنس فِي الْجِنَازَة: أَنْتُم مشيعون لَهَا تمشون أمامها وَخَلفهَا وَعَن يَمِينهَا وَعَن شمالها. وَأخرجه عبد الرَّزَّاق عَن أبي جَعْفَر الرَّازِيّ عَن حميد بِهِ. قَوْله: (فامشوا) بِصِيغَة الْجمع، رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: (فامش) ، بِالْإِفْرَادِ وَالْأول أنسب.

وَقَالَ غَيْرُهُ: قَرِيبا مِنْهَا

أَي: قَالَ غير أنس: إمشِ قَرِيبا من الْجِنَازَة، وَالْمَقْصُود أَن يكون قَرِيبا من الْجِنَازَة من أَي جِهَة كَانَ، لاحْتِمَال أَن يحْتَاج حاملوها إِلَى المعاونة، فَإِن بعد مِنْهَا لم يكن مشيعا، فَإِن كَانَت الْمُتَابَعَة بعده لِكَثْرَة الْجَمَاعَة حصل لَهُ فضل الْمُتَابَعَة، وَقَالَ بَعضهم: والغير الْمَذْكُور أَظُنهُ عبد الرَّحْمَن بن قرط، بِضَم الْقَاف وَسُكُون الرَّاء بعْدهَا طاء مُهْملَة. قَالَ سعيد بن مَنْصُور: حَدثنَا مِسْكين بن مَيْمُون حَدثنِي عُرْوَة بن رُوَيْم، قَالَ: (شهد عبد الرَّحْمَن بن قرط جَنَازَة فَرَأى نَاسا تقدمُوا، وَآخَرين استأخروا، فَأمر بالجنازة فَوضعت، ثمَّ رماهم بِالْحِجَارَةِ حَتَّى اجْتَمعُوا إِلَيْهِ، ثمَّ أَمر بهَا فَحملت، ثمَّ قَالَ: بَين يَديهَا وَخَلفهَا وَعَن يسارها وَعَن يَمِينهَا) . انْتهى. قلت: هَذَا تخمين وحسبان، وَلَئِن سلمنَا إِنَّه هُوَ ذَاك الْغَيْر، فَلَا نسلم أَن هَذَا مُنَاسِب لما ذكره الْغَيْر، بل هُوَ بِعَيْنِه مثل مَا قَالَه أنس، وَلَا يخفى ذَلِك على المتأمل، وَعبد الرَّحْمَن الْمَذْكُور صَحَابِيّ ذكر البُخَارِيّ وَغَيره أَنه كَانَ من أهل الصّفة، وَكَانَ واليا على حمص فِي زمن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>