للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والجمل الَّتِي بعْدهَا معطوفات عَلَيْهَا، و: الْبَاء، فِي: بالغدوة، للاستعانة، وَالْمعْنَى: اسْتَعِينُوا على الْأَعْمَال بِهَذِهِ الْأَوْقَات المنشطة للْعَمَل. قَوْله: (وَشَيْء من الدلجة) : أَي: اسْتَعِينُوا بِشَيْء، أَي بِبَعْض من الدلجة، وَإِنَّمَا قَالَ: وَشَيْء من الدلجة، وَلم يقل: والدلجة، لمعنيين: أَحدهمَا: التَّنْبِيه على الخفة، لِأَن الدلجة تكون بِاللَّيْلِ، وَعمل اللَّيْل أشق من عمل النَّهَار، وَالْآخر: أَن الدلجة هُوَ سير اللَّيْل كُله عِنْد الْبَعْض، واستغراق اللَّيْل كُله صَعب، فَأَشَارَ بقوله: وَشَيْء إِلَى جُزْء يسير مِنْهُ.

بَيَان الْمعَانِي وَالْبَيَان: قَوْله: (إِن الدّين يسر) فِيهِ: التَّأْكِيد بإن، ردا على مُنكر: يسر هَذَا الدّين، على تَقْدِير كَون الْمُخَاطب مُنْكرا، وإلَاّ فعلى تَقْدِير تَنْزِيله منزلَة الْمُنكر، وإلَاّ فعلى تَقْدِير المنكرين غير الْمُخَاطب، وإلَاّ فلكون الْقَضِيَّة مِمَّا يهتم بهَا. قَوْله: (وَلنْ يشاد الدّين) فِيهِ: حذف الْفَاعِل للْعلم بِهِ. قَوْله: (فسددوا) فِيهِ: حذف، أَي: فِي الْأُمُور، وَكَذَلِكَ فِي قَوْله: (وقاربوا) ، أَي فِي الْعِبَادَة، وَكَذَلِكَ فِي قَوْله: (وَأَبْشِرُوا) أَي: بالثواب على الْعَمَل، وابهم المبشر بِهِ للتّنْبِيه على التَّعْظِيم والتفخيم، وَفِيه: اسْتِعَارَة الغدوة والروحة وَشَيْء من الدلجة لأوقات النشاط، وفراغ الْقلب للطاعة، وَكَأَنَّهُ، عَلَيْهِ السَّلَام، خَاطب مُسَافِرًا يقطع طَرِيقه إِلَى مقْصده فَنَبَّهَهُ على أَوْقَات نشاطه الَّتِي ترك فِيهَا عمله، لِأَن هَذِه الْأَوْقَات أفضل أَوْقَات الْمُسَافِر، وَالْمُسَافر إِذا سَار اللَّيْل وَالنَّهَار جَمِيعًا عجز وَانْقطع، وَإِذا تحرى السّير فِي هَذِه الْأَوْقَات المنشطة أمكنته المداومة من غير مشقة. وَقَالَ الْخطابِيّ: مَعْنَاهُ: الْأَمر بالاقتصاد فِي الْعِبَادَة، أَي: لَا تستوعبوا الْأَيَّام وَلَا اللَّيَالِي كلهَا بهَا، بل أخلطوا طرف اللَّيْل بِطرف النَّهَار، وَأَجْمعُوا أَنفسكُم فِيمَا بَينهمَا لِئَلَّا يَنْقَطِع بكم.

وَمن فَوَائده: الحض على الرِّفْق فِي الْعَمَل لقَوْله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (اكلفوا من الْعَمَل مَا تطيقون) وَقَالَ الْخطابِيّ: هَذَا أَمر بالاقتصاد وَترك الْحمل على النَّفس، لِأَن الله تَعَالَى إِنَّمَا أوجب عَلَيْهِم وظائف من الطَّاعَات فِي وَقت دون وَقت تيسيراً وَرَحْمَة. وَمِنْهَا: التَّنْبِيه على أَوْقَات النشاط. لِأَن الغدو والرواح والإدلاج أفضل أَوْقَات الْمُسَافِر وأوقات نشاطه، بل على الْحَقِيقَة: الدُّنْيَا دَار نقلة وَطَرِيق إِلَى الْآخِرَة، فنبه أمته أَن يغتنموا أَوْقَات فرصتهم وفراغهم.

٣٠ - (بابٌ الصَّلاةُ مِنَ الإيمانِ)

الْكَلَام فِيهِ على وُجُوه. الاول: إِن قَوْله: بَاب، خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أَي: هَذَا بَاب، وَيجوز فِيهِ التَّنْوِين وَتَركه بإضافته إِلَى الْجُمْلَة لَان قَوْله: (الصَّلَاة) مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ، وَخَبره قَوْله: (من الْإِيمَان) . اي: الصَّلَاة شُعْبَة من شعب الايمان. الثَّانِي: وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ من حَيْثُ أَن من جملَة الْمَذْكُور فِي حَدِيث الْبَاب الأول الِاسْتِعَانَة بالأوقات الثَّلَاثَة فِي إِقَامَة الطَّاعَات، وافضل الطَّاعَات الْبَدَنِيَّة الَّتِي تُقَام فِي هَذِه الاوقات الصَّلَوَات الْخمس والأوقات الثَّلَاثَة هِيَ: الغدوة والروحة وَشَيْء من الدلجة، فوقت صَلَاة الصُّبْح فِي الغدوة، وَوقت صَلَاة الظّهْر وَالْعصر فِي الروحة، وَوقت الْعشَاء فِي جُزْء الدلجة، على قَول من يَقُول من أهل اللُّغَة: ان الدلجة سير اللَّيْل كُله، وَلما كَانَ العَبْد مَأْمُورا بالاستعانة بِهَذِهِ الْأَوْقَات، وَكَانَت هِيَ أَوْقَات الصَّلَوَات الْخمس أَيْضا، وَهِي من الايمان، ناسب ذكرهَا عقيب هَذِه الْأَوْقَات الَّتِي يتضمنها الْبَاب الَّذِي قبل هَذَا الْبَاب، على أَن هَذَا الْبَاب إِنَّمَا ذكر بَينه وَبَين هَذَا الْبَاب اسْتِطْرَادًا للْوَجْه الَّذِي ذَكرْنَاهُ هُنَاكَ، وَفِي الْحَقِيقَة يطْلب وَجه الْمُنَاسبَة بَين هَذَا الْبَاب وَبَاب صَوْم رَمَضَان احتساباً من الْإِيمَان وَهُوَ ظَاهر، لِأَن كلا من الصَّلَاة وَالصَّوْم من أَرْكَان الدّين الْعَظِيمَة، وَمن الْعِبَادَات الْبَدَنِيَّة. الثَّالِث: كَون الصَّلَاة من الْإِيمَان ظَاهر، وَلَا سِيمَا على قَول من يَقُول: الاعمال من الْإِيمَان. وَحَدِيث ابْن عمر، رَضِي الله عَنْهُمَا: (بني الاسلام على خمس) الحَدِيث.

وَقَوْلُ الله تَعَالَى {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضيِعَ إيمانَكُمْ} يَعْني صَلَاتكُمْ عندَ البَيْتِ

لَفْظَة: قَول، يجوز فِيهِ الْوَجْهَانِ من الْإِعْرَاب، الْجَرّ، عطفا على الْمُضَاف إِلَيْهِ اعني قَوْله: (الصَّلَاة من الايمان) فَإِنَّهَا جملَة إضيف إِلَيْهَا الْبَاب على تَقْدِير ترك التَّنْوِين فِيهِ كَمَا ذكرنَا، وَالرَّفْع عطفا على لَفْظَة: الصَّلَاة. ثمَّ الْكَلَام فِيهِ على وُجُوه. الأول: هَذِه الْآيَة من جملَة التَّرْجَمَة. لِأَن الْبَاب مترجم بترجمتين: إِحْدَاهمَا قَوْله: الصَّلَاة من الْإِيمَان. والاخرى: قَوْله،

<<  <  ج: ص:  >  >>