للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

شَاة. من الأولى ظرف مُسْتَقر لِأَنَّهُ بَيَان لشاة توكيدا كَمَا فِي قَوْله: (فِي كل خمس ذود من الْإِبِل) و: من، الثَّانِيَة لَغوا ابتدائية مُتَّصِلَة بِالْفِعْلِ الْمَحْذُوف، أَي: ليعط فِي أَربع وَعشْرين شَاة كائنة من الْغنم لأجل كل خمس من الْإِبِل. قَوْله: (من الْغنم) ، كَذَا هُوَ بِكَلِمَة: من، فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة ابْن السكن بِإِسْقَاط: من. قيل: هُوَ الصَّوَاب، إِن شَاءَ الله تَعَالَى، فعلى قَوْله: (الْغنم) مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ، وَخَبره: فِي أَربع وَعشْرين، ثمَّ بَين ذَلِك بقوله: (من كل خمس شَاة) ، ويروى: (فِي كل خمس) ، بِكَلِمَة: فِي، عوض: من، وَقَالَ ابْن بطال: وَفِي نُسْخَة البُخَارِيّ بِزِيَادَة لفظ: من الْغنم، وَهُوَ غلط عَن بعض الكتبة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَقَالَ الْفُقَهَاء: فِيهِ تَفْسِير من وَجه وإجمال من وَجه، فالتفسير أَنه لَا يجب فِي أَربع وَعشْرين إلَاّ الْغنم، والإجمال أَنه لَا يدْرِي قدر الْوَاجِب. ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك مُفَسرًا لهَذَا الْإِجْمَال: فِي كل خمس شَاة، فَكَانَ هَذَا بَيَانا لابتداء النّصاب، وَقدر الْوَاجِب فِيهِ، فَأول نِصَاب الْإِبِل خمس، وَقَالَ: إِنَّمَا بَدَأَ بِزَكَاة الْإِبِل لِأَنَّهَا غَالب أَمْوَالهم وتعم الْحَاجة إِلَيْهَا، وَلِأَن أعداد نصبها وأسنان الْوَاجِب فِيهَا يصعب ضَبطهَا، وَتَقْدِيم الْخَبَر على الْمُبْتَدَأ لِأَن الْمَقْصُود بَيَان النصب إِذْ الزَّكَاة إِنَّمَا تجب بعد النّصاب فَكَانَ تَقْدِيمه أهم لِأَنَّهُ السَّابِق فِي السَّبَب، وَكَذَا تَقْدِيم الْخَبَر فِي قَوْله: (بنت مَخَاض انثى) ، قَوْله: (انثى) للتَّأْكِيد، وَقيل: احْتِرَاز عَن الْخُنْثَى، وَفِيه نظر. قَوْله: (بنت لبون) ، انثى، الْكَلَام فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي: (بنت مَخَاض أُنْثَى) . وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: وصفهَا بِالْأُنْثَى تَأْكِيدًا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {نفخة وَاحِدَة} (الحاقة: ٣١) . أَو لِئَلَّا يفهم أَن الْبِنْت هُنَا وَالِابْن فِي ابْن لبون كالبنت فِي: بنت طبق، وَالِابْن فِي: ابْن آوى، يشْتَرك فِيهِ الذّكر وَالْأُنْثَى. قَوْله: (طروقة الْجمل) ، صفة لقَوْله: (حقة) ، وَقد فسرنا الطروقة من: طرقها الْفَحْل إِذا ضربهَا، يَعْنِي جَامعهَا. قَوْله: (فَإِذا بلغت يَعْنِي سِتا وَسبعين) ، كَذَا فِي الأَصْل بِزِيَادَة: يَعْنِي، وَكَأن الْعدَد حذف من الأَصْل اكْتِفَاء بِدلَالَة الْكَلَام عَلَيْهِ، فَذكره بعض رُوَاته وأتى بِلَفْظ: يَعْنِي، لينبه على أَنه مزبدا، وَشك أحد رُوَاته فِيهِ. وَقَالَ الْكرْمَانِي: لَعَلَّ الْمَكْتُوب لم يكن فِيهِ لفظ: سِتا وَسبعين، أَو ترك الرَّاوِي ذكره لظُهُور المُرَاد ففسره الرَّاوِي عَنهُ توضيحا. وَقَالَ: يَعْنِي. فَإِن قلت: لم غير الأسلوب حَيْثُ لم يقل فِي جَوَابه مثل ذَلِك؟ قلت: إشعارا بانتهاء أَسْنَان الْإِبِل فِيهِ، وتعدد الْوَاجِب عِنْده فَغير اللَّفْظ عِنْد مُغَايرَة الحكم. قَوْله: (إِلَّا أَن يَشَاء رَبهَا) ، أَي: إلَاّ أَن يتَبَرَّع صَاحبهَا ويتطوع، وَهُوَ كَمَا ذكر فِي حَدِيث الْأَعرَابِي فِي الْإِيمَان: (إلَاّ أَن تطوع) . قَوْله: (وَإِذا كَانَت) فِي رِوَايَة الْكشميهني (إِذا بلغت) قَوْله (فازدادت على عشْرين وَمِائَة) أَي وَاحِدَة فصاعد قَوْله (فِي سائمتها) أَي: راعيتها. قَالَ الْكرْمَانِي: وَهُوَ دَلِيل على أَن لَا زَكَاة فِي المعلوفة، أما من جِهَة اعْتِبَار مَفْهُوم الصّفة، وَأما من جِهَة أَن لفظ: فِي سائمتها، بدل عَنهُ بِإِعَادَة الْجَار، والمبدل فِي حكم الطرح فَلَا يجب فِي مُطلق الْغنم. فَإِن قلت: لَا يجوز أَن يكون: شَاة، مُبْتَدأ و: فِي صَدَقَة الْغنم، خَبره لِأَن لفظ الصَّدَقَة يأباه، فَمَا وَجه إعرابه؟ قلت: لَا نسلم، وَلَئِن سلمنَا فَلفظ: فِي صَدَقَة، يتَعَلَّق بِفَرْض أَو كتب مُقَدرا، أَي: فرض فِي صدقتها شَاة أَو كتب فِي شَأْن صَدَقَة الْغنم هَذَا، وَهُوَ إِذا كَانَت أَرْبَعِينَ إِلَى آخِره، وَحِينَئِذٍ يكون شَاة خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أَي: فزكاتها شَاة أَو بِالْعَكْسِ، أَي: فَفِيهَا شَاة. وَقَالَ التَّيْمِيّ: شَاة، رفع بِالِابْتِدَاءِ، و: فِي صَدَقَة الْغنم، فِي مَوضِع الْخَبَر، وكذك: شَاتَان، وَالتَّقْدِير: فِيهَا شَاتَان، وَالْخَبَر مَحْذُوف. قَوْله: (وَاحِدَة) ، إِمَّا مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض أَي: بِوَاحِدَة، وَإِمَّا حَال من ضمير النَّاقِصَة، وَفِي بعض الرِّوَايَة: بِشَاة وَاحِدَة، بِالْجَرِّ. قَوْله: (وَفِي الرقة) ، بِكَسْر الرَّاء وَتَخْفِيف الْقَاف: الْوَرق، وَالْهَاء عوض عَن الْوَاو، نَحْو: الْعدة والوعد، وَهِي: الْفضة المضروبة، وَيجمع على: رقين. مثل: أرة وأرين. قَوْله: (فَإِن لم تكن) ، أَي: الرقة، قَوْله: (إِلَّا تسعين وَمِائَة) ، قَالَ الْخطابِيّ: هَذَا يُوهم أَنَّهَا إِذا زَاد عَلَيْهِ شَيْء قبل أَن يتم مِائَتَيْنِ كَانَ فِيهَا الصَّدَقَة، وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك، لِأَن نصابها المئتان. وَإِنَّمَا ذكر التسعين لِأَنَّهُ آخر فصل من فُصُول الْمِائَة، والحساب إِذا جَاوز الْآحَاد كَانَ تركيبه بِالْعُقُودِ كالعشرات والمئات والألوف، فَذكر التسعين ليدل بذلك على أَن لَا صَدَقَة فِيمَا نقص عَن كَمَال الْمِائَتَيْنِ، يدل على صِحَّته حَدِيث: (لَا صَدَقَة إِلَّا فِي خمس أَوَاقٍ) .

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: فِي قَوْله: (فَلَا يُعْط) ، دَلِيل على أَن الإِمَام وَالْحَاكِم إِذا ظهر فسقهما بَطل حكمهمَا، قَالَه الْخطابِيّ. وَفِيه: فِي قَوْله: (من الْمُسلمين) ، دلَالَة على أَن الْكَافِر لَا يُخَاطب بذلك. وَفِيه: فِي قَوْله: (فليعطها) دلَالَة على دفع الْأَمْوَال الظَّاهِرَة إِلَى الْأَمَام. وَفِيه: من أول الحَدِيث إِلَى قَوْله: (فَإِذا زَادَت على عشْرين وَمِائَة) ، لَا خلاف فِيهِ بَين الْأَئِمَّة، وَعَلَيْهَا اتّفقت

<<  <  ج: ص:  >  >>