للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يُقَاوم حَدِيث ابْن عَبَّاس. وَحَدِيث ابْن عمر أَن عَامَّة من فِي إِسْنَاده مَجْهُولُونَ. وَحَدِيث جَابر فِي إِسْنَاده زَمعَة وَهُوَ مِمَّن لَا يعْتَمد على نَقله. وَأما النَّهْي عَن جُلُود السبَاع فقد قيل: إِنَّهَا كَانَت تسْتَعْمل قبل الدّباغ. وَقَالَ ابْن شاهين: هَذِه الْأَحَادِيث لَا يُمكن ادِّعَاء نسخ شَيْء مِنْهَا بِالْآخرِ. فَإِن قلت: حَدِيث ابْن عكيم قبل الْوَفَاة بِشَهْر؟ قلت: يُمكن أَن يُقَال: يجوز أَن يكون الْأَمر قبل أَن يَمُوت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بجمعة، وَالْأولَى هُنَا هُوَ الْأَخْذ بِالْحَدِيثين جَمِيعًا وَهُوَ أَن يحمل الْمَنْع على مَا قبل الدّباغ وَالْأَخْبَار بِالطَّهَارَةِ بعده على أَن الإهاب فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إيما إهَاب دبغ فقد طهر) ، اسْم للجلد الَّذِي لم يدبغ، فَبعد الدّباغ لَا يُسمى إهابا، وَإِنَّمَا يُسمى أديما أَو جلدا أَو جرابا.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (مولاة) ، أَي: عتيقة وارتفاعها على أَنَّهَا مفعول مَا لم يسم فَاعله للإعطاء، ومَيْمُونَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولميمونة صفة لمولاة. قَوْله: (من الصَّدَقَة) ، يتَعَلَّق بأعطيت أَو صفة لشاة. قَوْله: (إِنَّمَا حرم أكلهَا) اتّفق معمر وَمَالك وَيُونُس على قَوْله: (إِنَّمَا حرم أكلهَا) ، إِلَّا أَن معمرا قَالَ: لَحمهَا وَلم يذكر وَاحِد مِنْهُم زِيَادَة دباغ أَهلهَا طهورها وَكَانَ ابْن عُيَيْنَة يَقُول: لم أسمع أحدا يَقُول: (إِنَّمَا حرم أكلهَا) إلَاّ الزُّهْرِيّ، وَاتفقَ الزبيدِيّ وَعقيل وَسليمَان بن كثير وَالْأَوْزَاعِيّ على ذكر الدّباغ فِي هَذَا الحَدِيث عَن الزُّهْرِيّ، وَكَانَ ابْن عُيَيْنَة مرّة يذكرهُ وَمرَّة لَا يذكرهُ، وَقَالَ مُحَمَّد بن يحيى النَّيْسَابُورِي: لست أعْتَمد فِي هَذَا الحَدِيث على ابْن عُيَيْنَة لاضطرابه فِيهِ، وَأما ذكر الدّباغ فَلَا يُوجد إلَاّ عَن يحيى بن أَيُّوب عَن عقيل، وَمن رِوَايَة بَقِيَّة عَن الزبيدِيّ، وَيحيى وَبَقِيَّة ليسَا بالقويين، وَلم يذكر مَالك وَلَا يُونُس الدّباغ، وَهُوَ الصَّحِيح فِي حَدِيث الزُّهْرِيّ، وَبِه كَانَ يُفْتِي، وَأما من غير رِوَايَة الزُّهْرِيّ فَصَحِيح مَحْفُوظ عَن ابْن عَبَّاس، وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: كَيفَ طابق الْجَواب السُّؤَال يَعْنِي فِي قَوْله: (إِنَّمَا هُوَ حرَام أكلهَا) قلت: الْأكل غَالب فِي اللَّحْم، فَكَأَنَّهُ قَالَ: اللَّحْم حرَام لَا الْجلد. قلت: لَو اطلع الْكرْمَانِي على مَا ذكرنَا الْآن لما احْتَاجَ إِلَى هَذَا السُّؤَال وَلَا إِلَى الْجَواب.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: احتجت بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور جمَاعَة كَثِيرَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ على أَن جلد الْميتَة يطهر بالدباغ، فَمِمَّنْ قَالَ ذَلِك ابْن مَسْعُود وَابْن الْمسيب وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وَالْحسن وَالشعْبِيّ وَالنَّخَعِيّ وَسَالم وَابْن جُبَير وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك وَيحيى الْأنْصَارِيّ وَاللَّيْث وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري وَعبد الله بن الْمُبَارك وَأَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه وَإِسْحَاق. وَفِيه: دَلِيل على بطلَان قَول من قَالَ: إِن الْجلد من الْميتَة لَا ينْتَفع بِهِ بعد الدّباغ، وَبَطل أَيْضا قَول من قَالَ إِن جلد الْميتَة وَإِن لم يدبغ يسْتَمْتع بِهِ وَينْتَفع بِهِ، وَهُوَ قَول مَرْوِيّ عَن ابْن شهَاب وَاللَّيْث بن سعد، وَهُوَ مَشْهُور عَنْهُمَا على أَنه قد روى عَنْهُمَا خِلَافه، قَالَ معمر: وَكَانَ الزُّهْرِيّ يُنكر الدّباغ، وَيَقُول: مستمتع بِهِ على كل حَال، قَالَ أَبُو عبد الله الْمروزِي: مَا علمت أحدا قَالَ ذَلِك قبل الزُّهْرِيّ، وَكَانَ الزُّهْرِيّ يذهب إِلَى ظَاهر الحَدِيث فِي قَوْله: (إِنَّمَا حرَام أكلهَا) ، قَالَ الطَّحَاوِيّ: قَالَ اللَّيْث: لَا بَأْس بِبيع جُلُود الْميتَة قبل الدّباغ لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أذن فِي الِانْتِفَاع بهَا، وَالْبيع من الِانْتِفَاع، قَالَ أَبُو جَعْفَر: لم يُحكَ عَن أحدِ من الْفُقَهَاء جَوَاز بيع جلد الْميتَة قبل الدّباغ إلَاّ عَن اللَّيْث. قَالَ ابْن عمر: يَعْنِي من الْفُقَهَاء أَئِمَّة الْفَتْوَى بالأمصار بعد التَّابِعين، لِأَن ابْن شهَاب ذَاك عَنهُ صَحِيح، وَقد ذكر ابْن عبد الحكم عَن مَالك مَا يشبه مَذْهَب ابْن شهَاب فِي ذَلِك، قَالَ: من اشْترى جلد ميتَة فدبغه فَقَطعه نعالاً فَلَا يَبِيعهُ حَتَّى ييبس، فَهَذَا يدل على أَن مذْهبه يجوز بيع جلد الْميتَة قبل الدّباغ وَبعده، وَهُوَ ظَاهر مَذْهَب مَالك وَغَيره. وَفِي (التَّوْضِيح) : ومجموع مَا ذكر فِي دباغ جلد الْميتَة وطهارتها سَبْعَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنه يطهر بِهِ جَمِيع جُلُود الْميتَة إلَاّ الْكَلْب وَالْخِنْزِير، وَالْفرع ظَاهرا وَبَاطنا، وَيسْتَعْمل فِي الْيَابِس والمائع، وَسَوَاء مَأْكُول اللَّحْم وَغَيره، وَبِه قَالَ عَليّ وَابْن مَسْعُود وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي. ثَانِيهَا: لَا يطهر مِنْهَا شَيْء بِهِ، رُوِيَ عَن جمَاعَة من السّلف، قيل: مِنْهُم عمر بن الْخطاب وَابْنه عبد الله وَعَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَهِي أشهر الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد، وَرِوَايَة عَن مَالك. ثَالِثهَا: يطهر بِهِ جلد مَأْكُول اللَّحْم دون غَيره، وَهُوَ مَذْهَب الْأَوْزَاعِيّ وَابْن الْمُبَارك وَأبي ثَوْر، رَابِعهَا: يطهر جَمِيعهَا إلَاّ الْخِنْزِير، وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة. خَامِسهَا: يطهر الْجَمِيع إلَاّ أَنه يطهر ظَاهره دون بَاطِنه وَيسْتَعْمل فِي اليابسات دون الْمَائِعَات، وَيصلى عَلَيْهِ لَا فِيهِ، وَهُوَ مَشْهُور مَذْهَب مَالك، رَحمَه الله تَعَالَى، فِيمَا حَكَاهُ عَنهُ أَصْحَابه. سادسها: يطهر الْجَمِيع وَالْكَلب وَالْخِنْزِير ظَاهرا وَبَاطنا، وَهُوَ مَذْهَب دَاوُد وَأهل الظَّاهِر، وَحكي عَن أبي يُوسُف.

<<  <  ج: ص:  >  >>