للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمُزَارعَة عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، وَفِي الِاعْتِصَام عَن سعيد بن الرّبيع. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْحَج عَن النُّفَيْلِي. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن دُحَيْم عَن الْوَلِيد وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله (بوادي العقيق) ، حَال، وَالْبَاء بِمَعْنى: فِي. قَوْله: (آتٍ) ، هُوَ جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، قَالُوا، هَكَذَا، قلت: يحْتَمل أَن يكون ملكا من الْمَلَائِكَة غير جِبْرِيل لِأَن إسْرَافيل أَيْضا نزل إِلَيْهِ مُدَّة، وَلَكِن صرح فِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ أَنه جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام. قَوْله: (من رَبِّي) جملَة فِي مَحل الرّفْع لِأَنَّهَا صفة لقَوْله: آتٍ، وآتٍ فَاعل أَتَى، وَأَصله: آتى، فأعل إعلال: قاضٍ، قَوْله: (صلِّ) أَمر بِالصَّلَاةِ. قَالَ الْكرْمَانِي: ظَاهره أَن هَذِه الصَّلَاة صَلَاة الْإِحْرَام. وَقيل: كَانَت صَلَاة الصُّبْح، وَالْأول أظهر. قَوْله: (وَقل: عمْرَة فِي حجَّة) عمْرَة، مَنْصُوب فِي رِوَايَة أبي ذَر، ومرفوع فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَأما وَجه النصب فبفعل مُقَدّر تَقْدِيره: قل جعلت عمْرَة فِي حجَّة، وَأما وَجه الرّفْع فعلى أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، وَالتَّقْدِير: قل هَذِه عمْرَة فِي حجَّة، وَقَالَ الْخطابِيّ: إِمَّا أَن تكون: فِي، بِمَعْنى: مَعَ، كَأَنَّهُ قَالَ: عمْرَة مَعهَا حجَّة، وَإِمَّا أَن يُرَاد: عمْرَة مدرجة فِي حجَّة، على مَذْهَب من رأى أَن عمل الْعمرَة مضمن فِي عمل الْحَج يجْزِيه لَهما طواف وَاحِد. قلت: هَذَا بعيد، وَأبْعد مِنْهُ من قَالَ: إِنَّه يعْتَمر فِي تِلْكَ السّنة بعد فرَاغ حجَّة لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يفعل ذَلِك، وَقَالَ الطَّبَرِيّ: يحْتَمل أَن يكون أمرا بِأَن يَقُول ذَلِك لأَصْحَابه ليعلمهم مَشْرُوعِيَّة الْقُرْآن، وَهُوَ كَقَوْلِه: دخلت الْعمرَة فِي الْحَج، ورد عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَيْسَ نَظِيره، لِأَن قَوْله: دخلت ... إِلَى آخِره، تأسيس قَاعِدَة، وَقَوله: عمْرَة فِي حجَّة، بالتنكير يَسْتَدْعِي على الْوحدَة، وَهُوَ إِشَارَة إِلَى الْفِعْل الْوَاقِع فِي الْقُرْآن إِذْ ذَاك، والآن نحرر هَذَا المبحث إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: فضل العقيق لفضل الْمَدِينَة، وَفِيه: فضل الصَّلَاة فِيهِ ومطلوبيتها عِنْد الْإِحْرَام لَا سِيمَا فِي هَذَا الْوَادي الْمُبَارك، وَهُوَ مَذْهَب الْعلمَاء كَافَّة إلَاّ مَا رُوِيَ عَن الْحسن الْبَصْرِيّ فَإِنَّهُ اسْتحبَّ كَونهَا بعد فرض. وَقَالَ الطَّبَرِيّ: وَمعنى الحَدِيث الْإِعْلَام بِفضل الْمَكَان لَا إِيجَاب الصَّلَاة فِيهِ لقِيَام الْإِجْمَاع على أَن الصَّلَاة فِي هَذَا الْوَادي لَيست بِفَرْض. قَالَ: فَبَان بذلك أَن أمره بِالصَّلَاةِ فِيهِ نَظِير حثه لأمته على الصَّلَاة فِي مَسْجده وَمَسْجِد قبا. قلت: الصَّلَاة بِرَكْعَتَيْنِ من سنة الْإِحْرَام لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بذلك أَمر إرشاد، وَأَنه صلى رَكْعَتَيْنِ وَلَا يُصَلِّيهمَا فِي الْوَقْت الْمَكْرُوه. وَقَالَ النَّوَوِيّ: فَإِن كَانَ إِحْرَامه فِي وَقت من الْأَوْقَات الْمنْهِي فِيهَا عَن الصَّلَاة لم يصلهمَا، هَذَا هُوَ الْمَشْهُور. وَفِيه: وَجه لبَعض أَصْحَابنَا أَنه: يُصَلِّيهمَا فِيهِ لِأَن سببهما إِرَادَة الْإِحْرَام، وَقد وجد ذَلِك. وَفِيه: اسْتِحْبَاب نزُول الْحَاج فِي منزلَة قريبَة من الْبَلَد ومبيتهم بهَا ليجتمع إِلَيْهِم من تَأَخّر عَنْهُم مِمَّن أَرَادَ مرافقتهم، وليستدرك حَاجته من نَسِيَهَا فَيرجع إِلَيْهَا من قريب. وَفِيه: أَفضَلِيَّة الْقُرْآن وَالدّلَالَة على وجوده، وعَلى أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ قَارِئًا فِي حجَّة الْوَدَاع، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَمر أَن يَقُول: عمْرَة فِي حجَّة، فَيكون مَأْمُورا بِأَنَّهُ يجمع بَينهمَا من الْمِيقَات، وَهَذَا هُوَ عين الْقُرْآن، فَإِذا كَانَ مَأْمُورا بِهِ اسْتَحَالَ أَن يكون حجَّة خلاف مَا أَمر بِهِ. فَإِن قلت: لَا نسلم ذَلِك وَلَا يدل ذَلِك على أَفضَلِيَّة الْقُرْآن، وَلَا على كَون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَارِئًا لِأَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَة أُخْرَى: قل عمْرَة وَحجَّة، ففصل بَينهمَا بِالْوَاو، فَحِينَئِذٍ يحْتَمل أَن يُرِيد أَن يحرم بِعُمْرَة إِذا فرغ من حجَّته قبل أَن يرجع إِلَى منزله، فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِذا حججْت فَقل: لبيْك بِعُمْرَة وَتَكون فِي حجتك الَّتِي حججْت، أَو يكون مَحْمُولا على معنى تحصيلهما مَعًا قلت: رِوَايَة البُخَارِيّ وَغَيره: قل عمْرَة فِي حجَّة، وَهَذِه هِيَ الصَّحِيحَة، وَهِي تدل على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر أَن يَجْعَل الْعمرَة فِي الْحجَّة، وَهِي صفة الْقُرْآن، وَالرِّوَايَة الَّتِي بواو الْعَطف تدل على مَا قُلْنَا أَيْضا لِأَن الْوَاو لمُطلق الْجمع، وَالْجمع بَين الْحَج وَالْعمْرَة هُوَ الْقُرْآن، فَيدل أَيْضا على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ قَارِئًا، وَمَا ذَكرُوهُ من الإحتمال بعيدد وَصرف اللَّفْظ إِلَى غير مَدْلُوله، فَلَا يقبل. وَالله أعلم.

٥٣٥١ - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ أبي بَكْرٍ قَالَ حدَّثنا فُضَيْلُ بنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حدَّثنا مُوسى بنُ عُقْبَةَ قَالَ حدَّثني سالِمُ بنُ عَبْدِ الله عنْ أبِيهِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّهُ رُؤِيَ وهْوَ فِي مُعَرَّسٍ بذِي الحُلَيْفَةِ بِبَطنِ الوادِي قِيلَ لهُ إنَّكَ بِبَطْحَاءَ مُبَاركَةٍ وقَدْ أنَاخَ بِنَا سالِمٌ يَتَوَخَّى بِالمُنَاخِ الَّذِي كانَ عَبْدُ الله يُنِيخُ يَتَحَرَّى مُعَرَّسَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهْوَ أسْفَلُ مِنَ المَسْجِدِ الَّذِي بِبَطْنِ الوَادِي

<<  <  ج: ص:  >  >>