للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْبَاب مِمَّا يَلِي الْحجر، وَإِنَّمَا أَخّرهُ عَن جِدَار الْكَعْبَة أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقَالَ عبد الرَّزَّاق: عَن معمر عَن حميد الْأَعْرَج عَن مُجَاهِد، قَالَ: أول من أخر الْمقَام إِلَى مَوْضِعه الْآن عمر بن الْخطاب.

قَوْله {وعهدنا إِلَى إِبْرَاهِيم} قَالَ أَبُو اللَّيْث فِي تَفْسِيره: أَي: أمرنَا إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل أَن طهرا، بِأَن طهرا الْبَيْت، أَي: بالتطهير من الْأَوْثَان، وَيُقَال: من جَمِيع النَّجَاسَات، للطائفين أَي: لأجل الطائفين الَّذين يطوفون الغرباء، والعاكفين وهم أهل الْحرم المقيمون بِمَكَّة من أهل مَكَّة وَغَيرهم. قَوْله: (والركع) أهل الصَّلَاة، وَهُوَ جمع رَاكِع. وَقَوله: (السُّجُود) مصدر، وَفِيه حذف أَي: الركع ذَوي السُّجُود. قَوْله: {وَإِذ قَالَ إِبْرَاهِيم} أَي: وَاذْكُر إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيم: {رب اجْعَل هَذَا} أَي: الْحرم. {بَلَدا آمنا} وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: أَي: اجْعَل بَلَدا ذَا أَمن. كَقَوْلِه: عيشة راضية وآمنا من فِيهِ، كَقَوْلِك: ليل نَائِم، وَفِي (خُلَاصَة الْبَيَان) : والبلد ينْطَلق على كل مَوضِع من الأَرْض عَامر مسكون أَو خَال، والبلد فِي هَذِه الْآيَة مَكَّة، وَقد صَارَت مَكَّة حَرَامًا بسؤال إِبْرَاهِيم، وَقَبله كَانَت حَلَالا. قلت: فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا هَذَا، وَالْآخر: أَنَّهَا كَانَت حَرَامًا قبل ذَلِك بِدَلِيل قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِن هَذَا الْبَلَد حرَام يَوْم خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض) قَوْله: {وارزق أَهله من الثمرات} يَعْنِي: أَنْوَاع الثمرات، فَاسْتَجَاب الله دعاءه فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: إِن الله تَعَالَى بعث جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، حِين اقتلع الطَّائِف من مَوضِع الْأُرْدُن، ثمَّ طَاف بهَا حول الْكَعْبَة، فسميت الطَّائِف. قَوْله: {من آمن مِنْهُم} بدل: من أَهله، قَالَ أَبُو اللَّيْث: وَإِنَّمَا اشْترط هَذَا الشَّرْط لِأَنَّهُ قد سَأَلَ الْإِمَامَة لذريته، فَلم يستجب لَهُ فِي الظَّالِمين، فخشي إِبْرَاهِيم أَن يكون أَمر الرزق هَكَذَا فَسَأَلَ الرزق للْمُؤْمِنين خَاصَّة، فَأخْبر الله تَعَالَى أَنه يرْزق الْكَافِر وَالْمُؤمن، وَأَن أَمر الرزق لَيْسَ كأمر الْإِمَامَة. قَالُوا: لِأَن الْإِمَامَة فضل والرزق عدل، فَالله تَعَالَى يُعْطي فَضله لمن يَشَاء مِمَّن كَانَ أَهلا لذَلِك، وعدله لجَمِيع النَّاس لأَنهم عباده، وَإِن كَانُوا كفَّارًا. قَوْله: {وَمن كفر} قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وارزق من كفر فأمتعه، وَيجوز أَن يكون من: كفر، مُبْتَدأ متضمنا معنى الشَّرْط. وَقَوله: فأمتعه، جَوَاب الشَّرْط أَي: وَمن كفر فَأَنا أمتعه، وقرىء: فأمتعه فاضطره فالزَّه إِلَى عَذَاب النَّار لز الْمُضْطَر الَّذِي لَا يملك الإمتناع مِمَّا اضْطر إِلَيْهِ. وَقَرَأَ أبي: {فنمتعه قَلِيلا ثمَّ نضطره} وَقَرَأَ يحيى بن وثاب: {فاضطره} بِكَسْر الْهمزَة، وَقَرَأَ ابْن عَبَّاس: {فأمتعه قَلِيلا ثمَّ أضطره} على لفظ الْأَمر. قَوْله: {وَإِذ يرفع} أَي وَاذْكُر إِذْ يرفع {إِبْرَاهِيم الْقَوَاعِد} ، وَهِي جمع قَاعِدَة، وَهِي السارية والأساس. قَوْله: (من الْبَيْت) أَي: الْكَعْبَة. وَقَالَ مقَاتل: فِي الْآيَة تَقْدِيم وَتَأْخِير، مَعْنَاهُ: وَإِذ يرفع إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل الْقَوَاعِد من الْبَيْت، وَيُقَال: إِن إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ السَّلَام، كَانَ يَبْنِي وَإِسْمَاعِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، يُعينهُ وَالْمَلَائِكَة يناقلون الْحجر من إِسْمَاعِيل، وَكَانُوا ينقلون الْحجر من خَمْسَة أجبل: طور سينا، وطور زيتا وجودي ولبنان وحراء. قَوْله: (رَبنَا) أَي: قَالَا: رَبنَا {تقبل منا} أَعمالنَا {إِنَّك أَنْت السَّمِيع} لدعائنا، الْعَلِيم بنياتنا، وَقَالَ جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، لإِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ السَّلَام، قد أُجِيب لَك فاسأل شَيْئا آخر: {قَالَا رَبنَا واجعلنا مُسلمين لَك} د يَعْنِي: مُخلصين لَك، وَيُقَال: واجعلنا متثبتين على الْإِسْلَام، وَيُقَال: مُطِيعِينَ لَك، ثمَّ: {قَالَا وَمن ذريتنا أمة مسلمة لَك} يَعْنِي: اجْعَل بعض ذريتنا من يخلص لَك وَيثبت على الْإِسْلَام، ثمَّ قَالَ: {وأرنا مناسكنا} يَعْنِي: علمنَا أُمُور مناسكنا، ذكر الرُّؤْيَة وَأَرَادَ بِهِ الْعلم، ثمَّ قَالَ: {وَتب علينا} يَعْنِي: تجَاوز عَنَّا الزلة {إِنَّك أَنْت التواب} المتجاوز {الرَّحِيم} بعبادك.

٢٨٥١ - حَدثنَا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثنا أبُو عاصِمٍ قَالَ أخبرنِي ابنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبرنِي عَمْرُو بنُ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بنَ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ لَمَّا بُنِيَتِ الكَعْبَةُ ذَهَبَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَبَّاسٌ يَنْقُلَانِ الحِجَارَةَ فقالَ العَبَّاسُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اجْعَلْ إزَارَكَ عَلى رَقَبتِكَ فَخَرَّ إِلَى الأرْضِ وطَمِحتْ عَيْنَاهُ إلَى السَّمَاءِ فَقَالَ أرِنِي إزَارِي فَشَدَّهُ عَلَيْهِ..

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (لما بنيت الْكَعْبَة) ، فَإِن قلت: التَّرْجَمَة بُنيان مَكَّة، وَفِي الحَدِيث بُنيان الْكَعْبَة؟ قلت: قد ذكرت فِي أول الْبَاب أَن بُنيان الْكَعْبَة كَانَ سَببا لبنيان مَكَّة، وَبَين السَّبَب والمسبب ملائمة، فيستأنس بِهَذَا وَجه الْمُطَابقَة.

ذكر رِجَاله: وهم: خَمْسَة: الأول: عبد الله بن مُحَمَّد الْجعْفِيّ الْمَعْرُوف بالمسندي. الثَّانِي: أَبُو عَاصِم النَّبِيل، واسْمه: الضَّحَّاك

<<  <  ج: ص:  >  >>