للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ذكر من أخرجه غَيره أخرجه مُسلم فِي الْحَج عَن يحيى بن يحيى وَأبي بكر بن أبي شيبَة، وَمُحَمّد بن عبد الله بن نمير وَزُهَيْر بن حَرْب أربعتهم عَن أبي مُعَاوِيَة عَن الْأَعْمَش بِهِ، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُحَمَّد بن كثير بِهِ، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن هناد عَن أبي مُعَاوِيَة بِهِ. وَقَالَ: حسن صَحِيح، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَنِّي أعلم أَنَّك حجر لَا تضر وَلَا تَنْفَع) ، تكلم الشارحون فِي مُرَاد عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِهَذَا الْكَلَام، فَقَالَ مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ: إِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَن النَّاس كَانُوا حَدِيثي عهد بِعبَادة الْأَصْنَام، فخشي عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن يظنّ الْجُهَّال بِأَن استلام الْحجر، هُوَ مثل مَا كَانَت الْعَرَب تَفْعَلهُ، فَأَرَادَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن يعلم أَن استلامه لَا يقْصد بِهِ إلَاّ تَعْظِيم الله، عز وَجل، وَالْوُقُوف عِنْد أَمر نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَن ذَلِك من شَعَائِر الْحَج الَّتِي أَمر الله بتعظيمها، وَأَن استلامه مُخَالف لفعل الْجَاهِلِيَّة فِي عِبَادَتهم الْأَصْنَام، لأَنهم كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا تقربهم إِلَى الله زلفى، فنبه عمر على مُخَالفَة هَذَا الِاعْتِقَاد، وَأَنه لَا يَنْبَغِي أَن يعبد إلَاّ من يملك الضَّرَر والنفع، وَهُوَ الله جلّ جَلَاله، وَقَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ: أَن قَول عمر لذَلِك طلب مِنْهُ للآثار وَبحث عَنْهَا وَعَن مَعَانِيهَا. قَالَ: وَلما رأى أَن الْحجر يسْتَلم وَلَا يعلم لَهُ سَبَب يظْهر للحس، وَلَا من جِهَة الْعقل، ترك فِيهِ الرَّأْي وَالْقِيَاس، وَصَارَ إِلَى مَحْض الِاتِّبَاع، كَمَا صنع فِي الرمل. وَقَالَ الْخطابِيّ: فِي حَدِيث عمر من الْفِقْه أَن مُتَابعَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَاجِبَة وَإِن لم يُوقف فِيهَا على علل مَعْلُومَة وَأَسْبَاب معقولة، وَأَن أعيانها حجَّة على من بلغته وَإِن لم يفقه مَعَانِيهَا، وَمن الْمَعْلُوم أَن تَقْبِيل الْحجر إكرام وإعظام لحقه. قَالَ: وفضَّل الله بعض الْأَحْجَار على بعض، كَمَا فضل بعضَ الْبِقَاع على بعض، وَبَعض اللَّيَالِي وَالْأَيَّام على بعض. وَقَالَ النَّوَوِيّ: الْحِكْمَة فِي كَون الرُّكْن الَّذِي فِيهِ الْحجر الْأسود يجمع فِيهِ بَين التَّقْبِيل والاستلام، كَونه على قَوَاعِد إِبْرَاهِيم، وَفِيه الْحجر الْأسود، وَأَن الرُّكْن الْيَمَانِيّ اقْتصر فِيهِ على الاستلام لكَونه على قَوَاعِد إِبْرَاهِيم وَلم يقبَّل، وَإِن الرُّكْنَيْنِ الغربيين لَا يقبلان وَلَا يستلمان لفقد الْأَمريْنِ الْمَذْكُورين فيهمَا. قَوْله: (وَلَا تضر وَلَا تَنْفَع) يَعْنِي إلَاّ بِإِذن الله، وروى الْحَاكِم من حَدِيث أبي سعيد: (حجَجنَا مَعَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَلَمَّا دخل الطّواف اسْتقْبل الْحجر، فَقَالَ: إِنِّي أعلم أَنَّك حجر لَا تضر وَلَا تَنْفَع، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبَّلك مَا قبلتك، ثمَّ قبله، فَقَالَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إِنَّه يضر وينفع. قَالَ: بِمَ؟ قَالَ: بِكِتَاب الله تَعَالَى. عز وَجل {وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم من ظُهُورهمْ ذُرِّيتهمْ وأشهدهم على أَنفسكُم أَلَسْت بربكم؟ قَالُوا: بلَى} (الْأَعْرَاف: ٢٧١) . وَذَلِكَ أَن الله لما خلق آدم مسح يَده على ظَهره فقررهم بِأَنَّهُ الرب، وَأَنَّهُمْ العبيد وَأخذ عهودهم ومواثيقهم، وَكتب ذَلِك فِي رق، وَكَانَ لهَذَا الْحجر عينان ولسان، فَقَالَ: إفتح، فَفتح فَاه فألقمه ذَلِك الرّقّ، فَقَالَ: أشهد لمن وافاك بالموافاة يَوْم الْقِيَامَة، وَأَنِّي أشهد لسمعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: يُؤْتى يَوْم الْقِيَامَة بِالْحجرِ الْأسود وَله لِسَان دلق يشْهد لمن يستلمه بِالتَّوْحِيدِ، فَهُوَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ يضر وينفع. فَقَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أعوذ بِاللَّه من قوم لست فيهم يَا أَبَا الْحسن) . وَفِي سَنَده أَبُو هَارُون، عمَارَة بن جُوَيْن ضَعِيف، وَرَوَاهُ الْأَزْرَقِيّ أَيْضا فِي (تَارِيخ مَكَّة) وَفِي لَفظه: (أعوذ بِاللَّه أَن أعيش فِي قوم لست فيهم) .

وَمن الْحِكْمَة فِي تَقْبِيل الْحجر الْأسود غير مَا ذكر عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخبر أَنه من أَحْجَار الْجنَّة على، مَا يَأْتِي، فَإِذا كَانَ كَذَلِك فالتقبيل ارتياح إِلَى الْجنَّة وآثارها. وَمِنْهَا: (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أخبر أَنه يَمِين الله فِي الأَرْض) ، رَوَاهُ أَبُو عبيد فِي (غَرِيب الحَدِيث) . وَفِي (فَضَائِل مَكَّة) للجندي من حَدِيث ابْن جريج عَن مُحَمَّد بن عباد بن جَعْفَر عَن ابْن عَبَّاس: (إِن هَذَا الرُّكْن الْأسود هُوَ يَمِين الله فِي الأَرْض، يُصَافح بِهِ عباده مصافحة الرجل أَخَاهُ) . وَمن حَدِيث الحكم بن أبان عَن عِكْرِمَة عَنهُ زِيَادَة: (فَمن لم يدْرك بيعَة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ اسْتَلم الْحجر فقد بَايع الله وَرَسُوله) . وَفِي (سنَن ابْن مَاجَه) من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من فاوض الْحجر الْأسود فَكَأَنَّمَا يفاوض يَد الرَّحْمَن) . وَقَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ: وَالْمعْنَى فِي كَونه يَمِين الله، وَالله أعلم، أَن كل ملك إِذا قدم عَلَيْهِ قبلت يَمِينه، وَلما كَانَ الْحَاج والمعتمر أول مَا يقدمان يسن لَهما تقبيله، فَنزل منزلَة يَمِين الْملك، وَيَده، وَللَّه الْمثل الْأَعْلَى، وَلذَلِك من صافحه كَانَ لَهُ عِنْد الله عهد، كَمَا أَن الْملك يُعْطي الْعَهْد بالمصافحة.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: أَن تَقْبِيل الْحجر الْأسود سنة، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: الْعَمَل على هَذَا عِنْد أهل الْعلم يستحبون

<<  <  ج: ص:  >  >>