للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَمن طَرِيقه رَوَاهُ أَبُو نعيم. قَوْله: (فَقلت) ، قَائِله جُبَير، وَأَشَارَ بقوله هَذَا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين رَآهُ وَاقِفًا بِعَرَفَة، فَقَالَ: هَذَا وَالله من الحمس، يَعْنِي: هُوَ من الحمس، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْمِيم وَفِي آخِره سين مُهْملَة، جمع الأحمس، وَفِي اللُّغَة: الأحمس الشَّديد والمشدد على نَفسه فِي الدّين يُسمى أحمس، والحماسة الشدَّة فِي كل شَيْء، قَالَه ابْن سَيّده. وَيُقَال لَهُ: المتحمس أَيْضا. وَفِي (الصِّحَاح) : حمس بِالْكَسْرِ فَهُوَ حمس وأحمس بيِّن الحمس. وَفِي (الموعب) عَن ابْن دُرَيْد: الحمس، بِالْفَتْح التشدد فِي الْأَمر، وَبِه سميت قُرَيْش وخزاعة وَبَنُو عَامر بن صعصعة وَقوم من كنَانَة، وَقَالَ غَيره: الحمس قُرَيْش وَمن ولدت من غَيرهَا، وَقيل: قُرَيْش وَمن ولدت وأحلافها، وَقيل: قُرَيْش وَمن ولدت من قُرَيْش وكنانة وجديلة قيس، وَكَانُوا إِذا أنكحوا امْرَأَة مِنْهُم غَرِيبا اشترطوا عَلَيْهِ أَن وَلَدهَا على دينهم، وَدخل فِي هَذَا الِاسْم من غير قُرَيْش ثَقِيف وَلَيْث بن بكر وخزاعة وَبَنُو عَامر بن صعصعة. وَقَالَ ابْن إِسْحَاق وَكَانَت قُرَيْش، لَا أَدْرِي قبل الْفِيل أَو بعده، ابتدعت أَمر الحمس رَأيا رَأَوْهُ فتركوا الْوُقُوف على عَرَفَة، والإفاضة مِنْهَا، وهم يعْرفُونَ ويقرون أَنَّهَا من المشاعر وَالْحج، إلَاّ أَنهم قَالُوا: نَحن أهل الْحرم نَحن الحمس، والحمس أهل الْحرم. قَالُوا: وَلَا يَنْبَغِي للحمس أَن يأتقطوا الأقط وَلَا يسلوا السّمن، وهم حرم، وَلَا يدخلُوا بَيْتا من شعر، وَلَا يستظلوا إِن استظلوا إلَاّ فِي بيُوت الْأدم مَا كَانُوا حرما، ثمَّ قَالُوا: لَا يَنْبَغِي لأهل الْحل أَن يَأْكُلُوا من طَعَام جاؤا بِهِ مَعَهم من الْحل إِلَى الْحرم إِذا جاؤا حجاجا أَو عمارا، وَلَا يطوفون بِالْبَيْتِ إِذا قدمُوا أول طوافهم إلَاّ فِي ثِيَاب الحمس. وَقَالَ السُّهيْلي: كَانُوا ذَهَبُوا فِي ذَلِك مَذْهَب الترهب والتأله، فَكَانَت نِسَاؤُهُم لَا ينسجن الشّعْر وَلَا الْوَبر. وَعَن إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ فِي (غَرِيب الحَدِيث) : كَانُوا أَي قُرَيْش إِذا أهلوا بِحَجّ أَو عمْرَة لَا يَأْكُلُون لَحْمًا، وَإِذا قدمُوا مَكَّة وضعُوا ثِيَابهمْ الَّتِي كَانَت عَلَيْهِم، وَرُوِيَ عَنهُ أَيْضا: سموا الْكَعْبَة بحمساء لِأَنَّهَا حمساء، حجرها أَبيض يضْرب إِلَى السوَاد. قَوْله: (فَمَا شَأْنه؟) هَذَا تعجب من جُبَير بن مطعم وإنكار مِنْهُ لما رأى النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَاقِفًا بِعَرَفَة، فَقَالَ: هُوَ من الحمس، فَمَا باله يقف بِعَرَفَة والحمس لَا يقفون بهَا؟ لأَنهم لَا يخرجُون من الْحرم. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَقْفَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِعَرَفَة كَانَت سنة عشر، وَجبير بن مطعم كَانَ مُسلما، لِأَنَّهُ أسلم يَوْم الْفَتْح، بل عَام خَيْبَر، فَمَا وَجه سُؤَاله إنكارا أَو تَعَجبا؟ ثمَّ أجَاب بقوله: لَعَلَّه لم يبلغ إِلَيْهِ فِي ذَلِك الْوَقْت قَوْله تَعَالَى: {ثمَّ أفيضوا من حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس} (الْبَقَرَة: ٩٩١) . أولم يكن السُّؤَال ناشئا عَن الْإِنْكَار والتعجب، بل أَرَادَ بِهِ السُّؤَال عَن حِكْمَة الْمُخَالفَة عَمَّا كَانَت الحمس عَلَيْهِ، أَو كَانَ لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقْفَة بهَا قبل الْهِجْرَة. انْتهى. قلت: حج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل النُّبُوَّة وَبعدهَا غير مرّة، وَأما بعد الْهِجْرَة فَلم يحجّ إلَاّ مرّة وَاحِدَة، وروى ابْن خُزَيْمَة وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه من طَرِيق ابْن إِسْحَاق: حَدثنِي عبد الله بن أبي بكر عَن عُثْمَان عَن أبي سُلَيْمَان عَن عَمه نَافِع بن جُبَير عَن أَبِيه، قَالَ: كَانَت قُرَيْش إِنَّمَا تدفع من الْمزْدَلِفَة وَيَقُولُونَ: نَحن الحمس فَلَا نخرج من الْحرم، وَقد تركُوا الْموقف بِعَرَفَة، قَالَ: (فَرَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْجَاهِلِيَّة يقف مَعَ النَّاس بِعَرَفَة على جمل لَهُ، ثمَّ يصبح مَعَ قومه بِالْمُزْدَلِفَةِ فيقف مَعَهم وَيدْفَع إِذا دفعُوا) ، وَلَفظ يُونُس بن بكير عَن ابْن إِسْحَاق فِي الْمَغَازِي مُخْتَصرا، وَفِيه (رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَائِما مَعَ النَّاس قبل أَن ينزل عَلَيْهِ الْوَحْي تَوْفِيقًا من الله تَعَالَى لَهُ) . وَأخرجه إِسْحَاق أَيْضا عَن الْفضل بن مُوسَى عَن عُثْمَان بن الْأسود عَن عَطاء عَن جُبَير بن مطعم، قَالَ: أضللت حمارا لي فِي الْجَاهِلِيَّة فَوَجَدته بِعَرَفَة، فَرَأَيْت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَاقِفًا بِعَرَفَات مَعَ النَّاس، فَلَمَّا أسلمت عرفت أَن الله وَفقه لذَلِك.

٥٦٦١ - حدَّثنا فَرْوَةُ بنُ أبِي المَغْرَاءِ قَالَ حدَّثنا عَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ عنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ قَالَ عُرْوَةُ كانَ الناسُ يَطُوفُونَ فِي الجَاهِلِيَّةِ عُرَاةً إلَاّ الحُمْسَ والحُمْسُ قُرَيْشٌ وَمَا ولَدَتْ وكانَتِ الحُمْسُ يحتَبِسُونَ علَى النَّاسِ يُعطي الرجلُ الرَّجلَ الثِّيابَ يَطُوفُ فِيهَا وتُعْطِي المرْأةُ المرأةَ الثِّيابَ تَطوفُ فِيهَا فَمَنْ لَمْ يُعْطِهِ الحُمْسُ طافَ بالْبَيْتِ عُرْيانا وكانَ يُفِيضُ جَماعَةُ النَّاسِ مِنْ عَرَفاتٍ ويُفِيضُ الحُمْسُ مِنْ جَمْعٍ قَالَ وأخبرَنِي أبِي عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أنَّ هذِهِ الآيَةَ نزَلَتْ فِي الحُمْسِ

<<  <  ج: ص:  >  >>