للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

من إِحْرَامه إِلَى آخر شَيْء فَفِيهِ دلَالَة على أَنه لم يكن مُتَمَتِّعا. قلت: هَذَا لَا يرد على فُقَهَاء الْكُوفَة لِأَن عِنْدهم الْمُتَمَتّع إِذا أهْدى لَا يتَحَلَّل حَتَّى يفرغ من حجه، وَهَذَا الحَدِيث أَيْضا يَنْفِي كَونه مُفردا لِأَن الْهَدْي لَا يمْنَع الْمُفْرد من الْإِحْلَال فَهُوَ حجَّة على الْبَيْهَقِيّ. وَفِي (الاستذكار) : لَا يَصح عندنَا أَن يكون مُتَمَتِّعا إلَاّ تمتّع قرَان، لِأَنَّهُ لَا خلاف بَين الْعلمَاء أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يتَحَلَّل من عمرته، وَأقَام محرما من أجل هَدْيه، وَهَذَا حكم الْقَارِن لَا الْمُتَمَتّع، وَفِي (شرح الْمُوَطَّأ) لأبي الْحسن الأشبيلي: وَلَا يَصح عِنْدِي أَن يكون، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مُتَمَتِّعا إلَاّ تمتّع قرَان، لِأَنَّهُ لَا خلاف أَنه لم يحل من عمرته حَتَّى أَمر أَصْحَابه أَن يحلوا ويفسخوا حجهم فِي عمْرَة، وَفسخ الْحَج فِي الْعمرَة خص بِهِ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلَا يجوز الْيَوْم أَن يفعل ذَلِك عِنْد أَكثر الصَّحَابَة وَغَيرهم لقَوْله تَعَالَى: {وَأَتمُّوا الْحَج} (الْبَقَرَة: ٦٩١) . يَعْنِي لمن دخل فِيهِ، وَمَا أعلم من الصَّحَابَة من يُجِيز ذَلِك إلَاّ ابْن عبَّاس، وَتَابعه أَحْمد وَدَاوُد دون سَائِر الْفُقَهَاء، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مستقصىً، فِي: بَاب التَّمَتُّع وَالْقرَان. قَوْله: (فساق مَعَه الْهَدْي من ذِي الحليفة) وَهُوَ الْمِيقَات. قَوْله: (وَبَدَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأهل بِالْحَجِّ) ، قَالَ ابْن بطال: إِنَّمَا يُرِيد أَنه بَدَأَ حِين أَمرهم بالتمتع أَن يهلوا بِالْعُمْرَةِ أول، ويقدموها قبل الْحَج، وَأَن ينشؤا الْحَج بعْدهَا إِذا حلوا مِنْهَا. قَوْله: (وبالصفا والمروة) ، ظَاهر فِي وجوب السَّعْي. قَوْله: (فتمتع النَّاس مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: بِحَضْرَتِهِ. قَوْله: (وليقصر) على صُورَة أَمر الْغَائِب، وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: (وَيقصر) ، على صُورَة الْمُضَارع، وَقَالَ الْكرْمَانِي، بِالرَّفْع والجزم. قلت: وَجه الرّفْع أَن يكون الْمُضَارع على أَصله لتجرده عَن النواسخ، وَالتَّقْدِير: وَبعد الطّواف بِالْبَيْتِ وَالسَّعْي بَين الصَّفَا والمروة يقصر، من التَّقْصِير، وَهُوَ أَخذ بعض شعر رَأسه. وَوجه الْجَزْم أَن يكون عطفا على المجزوم قبله، وَيكون فِي التَّقْدِير: وليقصر. وَقَالَ الْكرْمَانِي: لِمَ خصص التقصيرَ والحلقُ جَائِز بل أفضل؟ وَأجَاب: بِأَنَّهُ أمره بذلك ليبقى لَهُ شعر يحلقه فِي الْحَج، فَإِن الْحلق فِي تحلل الْحَج أفضل مِنْهُ فِي تحلل الْعمرَة. قَوْله: (وليحلل) ، صورته أَمر، وَمَعْنَاهُ الْخَبَر يَعْنِي صَار: حَلَالا، فَلهُ فعل كل مَا كَانَ مَحْظُورًا عَلَيْهِ فِي الْإِحْرَام. قَوْله: (ثمَّ ليهل بِالْحَجِّ) أَي: بعد تَقْصِيره وتحلله يحرم بِالْحَجِّ، وَإِنَّمَا أَتَى بِلَفْظ: ثمَّ، الدَّال على التَّرَاخِي ليدل على أَنه لَا يلْزم أَن يهل بِالْحَجِّ عقيب إحلاله من الْعمرَة. قَوْله: (فَمن لم يجد هَديا) أَي: لم يجده هُنَاكَ، إِمَّا لعدم الْهَدْي، وَإِمَّا لعدم ثمنه، وَإِمَّا لكَونه يُبَاع بِأَكْثَرَ من ثمن الْمثل. قَوْله: (فليصم ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج) ، وَهُوَ الْيَوْم السَّابِع من ذِي الْحجَّة، وَالثَّامِن وَالتَّاسِع. قَوْله: (وَسَبْعَة) أَي: وليصم سَبْعَة (أَيَّام إِذا رَجَعَ إِلَى أَهله) بِظَاهِرِهِ أَخذ الشَّافِعِي، لِأَن المُرَاد حَقِيقَة الرُّجُوع، وَقَالَ أَصْحَابنَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَسَبْعَة إِذا رجعتم} (الْبَقَرَة: ٦٩١) . مَعْنَاهُ: إِذا فَرَغْتُمْ من أَفعَال الْحَج، والفراغ سَبَب الرُّجُوع، فَأطلق الْمُسَبّب على السَّبَب، فَلَو صَامَ هَذِه السَّبْعَة بِمَكَّة فَإِنَّهُ يجوز عندنَا. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجوز إلَاّ أَن يَنْوِي الْإِقَامَة بهَا، فَإِن لم يصم الثَّلَاثَة فِي الْحَج إِلَى يَوْم النَّحْر تعين الدَّم، فَلَا يجوز أَن يَصُوم الثَّلَاثَة وَلَا السَّبْعَة بعْدهَا. وَقَالَ الشَّافِعِي: يَصُوم الثَّلَاثَة بعد هَذِه الْأَيَّام: يَعْنِي أَيَّام التَّشْرِيق. وَقَالَ مَالك: يصومها فِي هَذِه الْأَيَّام. قُلْنَا: النَّهْي الْمَعْرُوف عَن صَوْم هَذِه الْأَيَّام، وَلَا يُؤدى بعْدهَا أَيْضا لِأَن الْهَدْي أصل وَقد نقل حكمه إِلَى بدل مَوْصُوف بِصفة، وَقد فَاتَت، فَعَاد الحكم إِلَى الأَصْل وَهُوَ الْهَدْي. وَفِي (شرح الْمُوَطَّأ) للأشبيلي: وَوقت هَذَا الصَّوْم من حِين يحرم بِالْحَجِّ إِلَى آخر أَيَّام التَّشْرِيق، وَالِاخْتِيَار تَقْدِيمه فِي أول الْإِحْرَام، رَوَاهُ ابْن الْجلاب، وَإِنَّمَا اخْتَار تَقْدِيمه لتعجيل إِبْرَاء الذِّمَّة، وَلِأَنَّهُ وَقت مُتَّفق على جَوَاز الصَّوْم فِيهِ، فَإِن فَاتَهُ ذَلِك قبل يَوْم النَّحْر صَامَهُ أَيَّام منى، فَإِن لم يصم أَيَّام منى صَامَ بعْدهَا. قَالَه عَليّ وَابْن عمر وَعَائِشَة وَابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي، وَرُوِيَ عَن عَطاء بن أبي رَبَاح أَنه أجَاز للمتمتع أَن يَصُوم فِي الْعشْر وَهُوَ حَلَال. وَقَالَ مُجَاهِد وطاووس: إِذا صامهن فِي أشهر الْحَج أَجزَأَهُ، وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ شَاذان. وَقَالَ أَبُو بكر الْجَصَّاص فِي (أَحْكَام الْقُرْآن) : اخْتلف السّلف فِيمَن لم يجد الْهَدْي وَلم يصم الْأَيَّام الثَّلَاثَة قبل يَوْم النَّحْر، فَقَالَ عمر بن الْخطاب وَابْن عَبَّاس وَسَعِيد بن جُبَير وَإِبْرَاهِيم وطاووس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم: لَا يجْزِيه إلَاّ الْهَدْي، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد، وَقَالَ ابْن عمر وَعَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، يَصُوم أَيَّام منى، وَهُوَ قَول مَالك. وَقَالَ عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: يَصُوم بعد أَيَّام التَّشْرِيق، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي. انْتهى. فَإِن قلت: روى البُخَارِيّ فِي كتاب الصَّوْم من حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة وَعَن سَالم عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. قَالَا: لم

<<  <  ج: ص:  >  >>