للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لِأَن قَوْله: (نحر عَن أَزوَاجه بقرة وَاحِدَة فَإِن يُونُس انْفَرد بِهِ وَحده وَخَالفهُ مَالك فَأرْسلهُ وَرَوَاهُ الْقَاسِم وَعمرَة عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نحر عَن أَزوَاجه الْبَقر) ، يحْتَمل أَن يكون نحر عَن كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ بقرة، قَالَ: وَهَذَا غير مَدْفُوع فِي التَّأْوِيل، وردَّ بِأَنَّهُ يَدْفَعهُ رِوَايَة عُرْوَة (عَن عَائِشَة: ذبح رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَمَّن اعْتَمر من نِسَائِهِ بقرة) ، ذكره ابْن عبد الْبر من حَدِيث الْأَوْزَاعِيّ عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة. وَفِي (الصَّحِيحَيْنِ) من حَدِيث جَابر: (ذبح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن نِسَائِهِ بقرة يَوْم النَّحْر) ، وَفِي رِوَايَة: بقرة فِي حجَّته) ، وَفِي رِوَايَة: (ذَبحهَا عَن نِسَائِهِ) . وَفِي (صَحِيح الْحَاكِم) على شَرط الشَّيْخَيْنِ من حَدِيث يحيى بن أبي كثير عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة: (ذبح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَمَّن اعْتَمر من نِسَائِهِ فِي حجَّة الْوَدَاع بقرة بَينهُنَّ) . وَقَالَ ابْن بطال: فَإِن قيل: إِنَّمَا نحر الْبَقَرَة عَنْهُن على حسب مَا أَتَى عَنهُ فِي الْحُدَيْبِيَة أَنه نحر الْبَقَرَة عَن سَبْعَة، والبدنة عَن سَبْعَة. قيل: هَذِه دَعْوَى لَا دَلِيل عَلَيْهَا، لِأَن نَحره فِي الْحُدَيْبِيَة كَانَ عندنَا تَطَوّعا، والاشتراك فِي هدي التَّطَوُّع جَائِز على رِوَايَة ابْن عبد الحكم عَن مَالك، وَالْهَدْي فِي حَدِيث عَائِشَة وَاجِب، والاشتراك مُمْتَنع فِي الْهَدْي الْوَاجِب، فالحديثان مستعملان عندنَا على هَذَا التَّأْوِيل، وَقَالَ القَاضِي إِسْمَاعِيل: وَأما رِوَايَة يُونُس عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نحر عَن أَزوَاجه بقرة وَاحِدَة، فَإِن يُونُس انْفَرد بِهِ وَحده، وَخَالفهُ مَالك فَأرْسلهُ، وَرَوَاهُ الْقَاسِم وَعمرَة عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نحر عَن أَزوَاجه الْبَقر، وَحدثنَا بذلك أَبُو مُصعب عَن مَالك عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم عَن أَبِيه عَن عَائِشَة، وَحدثنَا بِهِ القعْنبِي عَن سُلَيْمَان بن بِلَال عَن يحيى عَن عمْرَة عَنْهَا. انْتهى. وَاعْلَم أَن الشَّاة لَا تجزىء إلَاّ عَن وَاحِد، وَأَنَّهَا أقل مَا يجب، وَذكر بعض شرَّاح (الْهِدَايَة) أَنه إِجْمَاع. وَقَالَ السكاكي وَقَالَ مَالك وَأحمد وَاللَّيْث وَالْأَوْزَاعِيّ: تجوز الشَّاة عَن أهل بَيت وَاحِد، وَكَذَا بقرة أَو بَدَنَة، والبدنة تجزىء عَن سَبْعَة إِذا كَانُوا يُرِيدُونَ بهَا وَجه الله، وَكَذَا الْبَقَرَة. وَإِن كَانَ أحدهم يُرِيد الْأكل لم يجز عَن الْكل. وَكَذَا لَو كَانَ نصيب أحدهم أقل من السَّبع، وَيَسْتَوِي الْجَواب إِذا كَانَ الْكل من جنس وَاحِد أَو من أَجنَاس مُخْتَلفَة أحدهم يُرِيد جَزَاء الصَّيْد، وَالْآخر هدي الْمُتْعَة، وَالْآخر الْأُضْحِية بعد أَن يكون الْكل لوجه الله تَعَالَى، وَهَذَا اسْتِحْسَان، وَالْقِيَاس أَن لَا يجوز، وَبِه قَالَ زفر، رَحمَه الله تَعَالَى. وَفِيه: مَا قَالَه الدَّاودِيّ وَهُوَ: النَّحْر عَمَّن لم يَأْمر، فَإِن الْإِنْسَان يُدْرِكهُ مَا عمل عَنهُ بِغَيْر أمره. وَأَن معنى قَوْله تَعَالَى: {وَأَن لَيْسَ للْإنْسَان إلَاّ مَا سعى} (النَّجْم: ٩٣) . أَي: لَا يكون لَهُ مَا سعاه غَيره لنَفسِهِ. وَقد قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تنسوا الْفضل بَيْنكُم} (الْبَقَرَة: ٧٣٢) . مَعَ قَوْله: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تكون تِجَارَة عَن ترَاض مِنْكُم} (النِّسَاء: ٩٢) . فَخرج هَذَا عُمُوما يُرَاد بِهِ الْخُصُوص، ثمَّ بَينه بقوله: {وَلَا تنسوا الْفضل بَيْنكُم} (الْبَقَرَة: ٧٣٢) . وَبِقَوْلِهِ: {إلَاّ أَن تَفعلُوا إِلَى أوليائكم مَعْرُوفا} (سُورَة الْأَحْزَاب: ٦) . وَبِقَوْلِهِ: {من بعد وَصِيَّة يوصى بهَا أَو دين} (النِّسَاء: ١١) . فَلَيْسَ للْإنْسَان إِلَّا مَا سعى، أَو سعى لَهُ.

٦١١ - (بابُ النَّحْرِ فِي مَنْحَرِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمِنًى)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان النَّحْر فِي منحر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. المنحر، بِفَتْح الْمِيم: اسْم الْموضع الَّذِي تنحر فِيهِ الْإِبِل، وَقَالَ ابْن التِّين: منحر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ عِنْد الْجَمْرَة الأولى الَّتِي تلِي مَسْجِد منى، وَأخرج الفاكهي عَن ابْن جريج عَن عَطاء عَن طَاوُوس قَالَ: كَانَ منزل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بمنى عَن يسَار الْمُصَلِّي. وَقَالَ غير طَاوُوس: وَأمر بنسائه أَن ينزلن جنب الدَّار بمنى. وَأمر الْأَنْصَار أَن ينزلُوا الشّعب وَرَاء الدَّار. انْتهى. والشِّعب، هُوَ عِنْد الْجَمْرَة الْمَذْكُورَة، وللنحر فِي منحر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَضِيلَة لما روى مُسلم، فَقَالَ: حَدثنَا عمر بن حَفْص بن غياث، قَالَ: حَدثنَا أبي عَن جَعْفَر، قَالَ: حَدثنِي أبي (عَن جَابر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: نحرت هَهُنَا، وَمنى كلهَا منحر، فَانْحَرُوا فِي رحالكُمْ، ووقفت هَهُنَا، وعرفة كلهَا موقف، ووقفت هَهُنَا، وَجمع كلهَا موقف) . وَقَالَ النَّوَوِيّ: فِي هَذِه الْأَلْفَاظ بَيَان رفق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بأمته وشفقته عَلَيْهِم فِي تنبيههم عَن مصَالح دينهم ودنياهم فَإِنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكر لَهُم الْأَكْمَل والجائز، فالأكمل مَوضِع نَحره ووقوفه، والجائز كل جُزْء من أَجزَاء منى للنحر، وجزء من أَجزَاء عَرَفَات، وجزء من أَجزَاء مُزْدَلِفَة. وَقَالَ فِي (شرح الْمُهَذّب) : قَالَ الشَّافِعِي وأصحابنا: يجوز نحر الْهَدْي وَدِمَاء الجبرانات فِي جَمِيع الْحرم، لَكِن الْأَفْضَل فِي حق الْحَاج النَّحْر بمنى، وَأفضل مَوضِع فِي منى للنحر مَوضِع نحر رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمَا قاربه، وَالْأَفْضَل فِي حق الْمُعْتَمِر أَن ينْحَر فِي الْمَرْوَة، لِأَنَّهَا مَوضِع تَحْلِيله، كَمَا أَن منى مَوضِع تَحْلِيل

<<  <  ج: ص:  >  >>