للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مَا يَشَاء قَوْله " وَمَلَائِكَته " أَي الْإِيمَان بِجَمِيعِ مَلَائكَته فَمن ثَبت تَعْيِينه كجبريل وَمِيكَائِيل وإسرافيل وعزرائيل عَلَيْهِم السَّلَام وَجب الْإِيمَان بِهِ وَمن لم يعرف اسْمه آمنا بِهِ اجمالا وَكَذَلِكَ الانبياء المُرْسَلُونَ من علمنَا آمنا بِهِ وَمن لم نعلم آمنا بِهِ اجمالا وَمَا كَانَ من ذَلِك ثَابتا بِالنَّصِّ أَو التَّوَاتُر كفر من يكفر بِهِ والايمان برسل الله عَلَيْهِم السَّلَام هُوَ بِأَنَّهُم صَادِقُونَ فِيمَا اخبروا بِهِ عَن الله تَعَالَى وَأَن الله تَعَالَى أَيّدهُم بالمعجزات الدَّالَّة على صدقهم وَأَنَّهُمْ بلغُوا عَن الله رسالاته وبينوا للمكلفين مَا آمُرهُم ببيانه وَأَنه يجب احترامهم وَإِن لَا يفرق بَين أحد مِنْهُم قَوْله " وبلقائه " الْأَيْمَان بلقائه هُوَ التَّصْدِيق بِرُؤْيَة الله تَعَالَى فِي الْآخِرَة قَالَه الْخطابِيّ وَاعْترض عَلَيْهِ النَّوَوِيّ بِأَن أحدا لَا يقطع لنَفسِهِ بِرُؤْيَة الله تَعَالَى فَأَنَّهَا مُخْتَصَّة لمن مَاتَ مُؤمنا والمرء لَا يدْرِي بِمَ يخْتم لَهُ فَكيف يكون من شُرُوط الْإِيمَان ورد عَلَيْهِ بَان المُرَاد الْإِيمَان بَان ذَلِك حق فِي نفس الْأَمر وَقد قيل أَنَّهَا مكررة لِأَنَّهَا دَاخِلَة فِي الْإِيمَان بِالْبَعْثِ وَهُوَ الْقيام من الْقُبُور قُلْنَا لَا نسلم التّكْرَار لِأَن المُرَاد باللقاء مَا بعد تِلْكَ وَقَالَ النَّوَوِيّ اخْتلفُوا فِي المُرَاد بِالْجمعِ بَين الْإِيمَان بلقاء الله والبعث فَقيل اللِّقَاء يحصل بالانتقال إِلَى دَار الْجَزَاء والبعث عِنْد قيام السَّاعَة وَقيل اللِّقَاء مَا يكون بعد الْبَعْث عِنْد الْحساب قَوْله " وتقيم الصَّلَاة " المُرَاد بهَا الْمَكْتُوبَة كَمَا صرح بهَا فِي رِوَايَة مُسلم وَهُوَ احْتِرَاز عَن النَّافِلَة فَإِنَّهَا وَأَن كَانَت من وظائف الْإِسْلَام لَكِنَّهَا لَيست من أَرْكَانه فَتحمل الْمُطلقَة هَهُنَا على الْمقيدَة فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى جمعا بَيْنَمَا قَوْله " الزكوة الْمَفْرُوضَة " قيل احْتَرز بالمفروضة عَن الزكوة المعجلة قبل الْحول فَإِنَّهَا لَيست مَفْرُوضَة حَال الإداء وَقيل احْتَرز من صَدَقَة التَّطَوُّع فَإِنَّهَا زَكَاة لغوية قَوْله " مَا الْإِحْسَان " وَهُوَ يسْتَعْمل لمعنيين احدهما مُتَعَدٍّ بِنَفسِهِ كَقَوْلِك احسنت كَذَا إِذا حسنته وكملته منقولة بِالْهَمْزَةِ من حسن الشَّيْء وَالْآخر بِحرف الْجَرّ كَقَوْلِك أَحْسَنت إِلَيْهِ إِذا أوصلت إِلَيْهِ النَّفْع وَالْإِحْسَان وَفِي الحَدِيث بِالْمَعْنَى الأول فَإِنَّهُ يرجع إِلَى اتقان الْعِبَادَات ومراعاة حق الله تَعَالَى ومراقبته وَيُقَال الْإِحْسَان على مقامين الأول كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " إِن تعبد الله كَأَنَّك ترَاهُ " فَهَذَا مقَام. الثَّانِي قَوْله " فَإِن لم تكن ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك " قَالَ عبد الْجَلِيل الأول على ثَلَاثَة أَقسَام الأول فِي مقَام الْإِسْلَام وَذَلِكَ أَن الْأُمُور فِي عَالم الْحسن ثَلَاثَة معاصي وطاعات ومباحات المعايش فَأَما قسم الْمعاصِي على اخْتِلَاف أَنْوَاعهَا فَإِن العَبْد مَأْمُور بِأَن يعلم أَن الله يرَاهُ فَإِذا هم بِمَعْصِيَة وَعلم أَن الله يرَاهُ ويبصره على أَي حَالَة كَانَت وَأَنه يعلم خائنه الْأَعْين وَمَا تخفى الصُّدُور كف عَن الْمعْصِيَة وَرجع عَنْهَا وَأما الأنسان فيذهل عَن نظر الله إِلَيْهِ فينسى حِين الْمعْصِيَة أَنه يرَاهُ أَو يكون جَاهِلا فيظن أَن الله تَعَالَى بعيد مِنْهُ وَلَا يتَذَكَّر وَيعلم أَنه يُحَرك جوارحه حِين الْعَمَل الْمَعْمُول فينسى ذَلِك أَو يجهل فَيَقَع فيا لمعصية وَلَو علم وَتحقّق أَن وَالِده أَو رجلا كَبِيرا لَو يرَاهُ حِين الْمعْصِيَة لكف عَنْهَا وهرب مِنْهَا فَإِذا علم العَبْد أَن الله يرَاهُ فِي حِين الْمعْصِيَة كف عَنْهَا بِحُصُول الْبُرْهَان الإحساني عِنْده وَهُوَ الْبُرْهَان عِنْده وَهُوَ الْبُرْهَان الَّذِي أوتيه وَرَآهُ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ قيام الدَّلِيل الْوَاضِح العلمي بِأَن الله تَعَالَى مَوْجُود حق وَأَنه نَاظر إِلَى كل شَيْء ومصرف لكل شَيْء ومحركه ومسكنه فَمن أرَاهُ الله تَعَالَى هَذَا الْبُرْهَان عِنْد جَمِيع الْمُهِمَّات صرف عَنهُ السوء والفحشاء من جَمِيع الْمُنْكَرَات الثَّانِي قسم الطَّاعَات فَهِيَ أَن تعلم أَن الله تَعَالَى مَوْجُود وتبرهن عِنْده أَنه يرَاهُ لَا محَالة إِلَّا أَن يكون زنديقا جاحدا لَا يقر بِرَبّ فَإِن كَانَ مقرّ بِوُجُودِهِ فَترك الْعِبَادَة فَإِنَّمَا تَركهَا تهاونا لنُقْصَان الْبُرْهَان الإحساني عِنْده وَهَذِه حَال المضيعين للفرائض لجهلهم بِقدر إِلَّا مرو قدر أمره الثَّالِث من الْمُبَاحَات وَهُوَ مَحل الْغَفْلَة والسهو عَن هَذَا الْمقَام الإحساني فَإِذا تذكر العَبْد أَن الله تَعَالَى يرَاهُ فِي تصريفه وَأَنه أره بالإقبال عَلَيْهِ وَقلة الْأَعْرَاض عَنهُ استحي أَن يرَاهُ مكبا على الخسيس الفاني مستغر قافي الِاشْتِغَال بِهِ عَن ذكره وَعَن الإقبال على مَا يقطع عَنهُ الْمقَام الثَّانِي فِي عَالم الْغَيْب فَإِن العَبْد إِذْ فكر فِي مَوَاطِن الْآخِرَة من موت وقبر وَحشر وَعرض وحساب وغي ذَلِك وَعلم أَنه معروض على الله تَعَالَى فِي ذَلِك الْعَالم ومواطنه تهَيَّأ لذَلِك الْعرض فيتزين للآخرة بزينة أهل الْآخِرَة مَا اسْتَطَاعَ وَأما الْمقَام الثَّالِث فِي الْإِحْسَان فَإِن العَبْد إِذا علم فِي قُلُوب اوليائه فيزيل الصِّفَات الممهلكات ويطهره مِنْهَا ويتصف المحمودات حَتَّى يَجْعَل سره كالمرآة المجلوة قَوْله " كَأَنَّك ترَاهُ فَإِن لم تكن ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك " قَالَ النَّوَوِيّ هَذَا اصل عَظِيم من أصُول الدّين وَقَاعِدَة مهمة من قَوَاعِد الْمُسلمين وَهُوَ عُمْدَة الصديقين وبغية السالكين

<<  <  ج: ص:  >  >>