للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا ينصرفن أحدكُم حَتَّى يكون آخر عَهده بِالْبَيْتِ) . قَالَ زُهَيْر: يَنْصَرِفُونَ كل، وَجه وَلم يقل: فِي. وروى مُسلم أَيْضا من رِوَايَة الْحسن بن مُسلم (عَن طَاوُوس، قَالَ: كنت مَعَ ابْن عَبَّاس إِذْ قَالَ زيد بن ثَابت: تَعْنِي أَن تصدر الْحَائِض قبل أَن يكون آخر عهدها بِالْبَيْتِ؟ فَقَالَ لَهُ ابْن عَبَّاس: أما لَا فسل فُلَانَة الْأَنْصَارِيَّة، هَل أمرهَا بذلك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: فَرجع زيد إِلَى ابْن عَبَّاس يضْحك، وَهُوَ يَقُول: مَا أَرَاك إلَاّ قد صدقت!) . وَفِي رِوَايَة: (فَسَأَلَهَا زيد ثمَّ رَجَعَ وَهُوَ يضْحك، فَقَالَ ... الحَدِيث كَمَا حَدَّثتنِي) . وَفِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ: (أرسل زيد إِلَى ابْن عَبَّاس: إِنِّي وجدت الَّذِي قلت كَمَا قلت، فَقَالَ ابْن عَبَّاس: إِنِّي لأعْلم قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للنِّسَاء، وَلَكِن أَحْبَبْت أَن أَقُول مَا فِي كتاب الله تَعَالَى، ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة: {ثمَّ ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق} (الْحَج: ٩٢) . فقد قَضَت التفث ووفت النّذر وطافت بِالْبَيْتِ فَمَا بَقِي) . قَوْله: (أما لَا) بِكَسْر الْهمزَة وَفتح اللَّام وبالإمالة الْخفية، وَهُوَ الصَّوَاب الْمَشْهُور. قَالَ القَاضِي: ضَبطه الطَّبَرِيّ والأصيلي بِكَسْر اللَّام، قَالَ: وَالْمَعْرُوف فِي كَلَام الْعَرَب فتحهَا إلَاّ على لُغَة من يمِيل. وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي قَوْلهم: إفعل هَذَا إِمَّا لَا، مَعْنَاهُ: إفعله إِن كنت لَا تفعل غَيره. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: أصل هَذِه الْكَلِمَة أَن وَمَا، فأدغمت النُّون فِي الْمِيم، وَمَا زَائِدَة فِي اللَّفْظ لَا حكم لَهَا، وَقد أمالت الْعَرَب: لَا، إمالة خُفْيَة. قَالَ: والعوام يشبعون إمالتها فَتَصِير ألفها يَاء، وَهُوَ خطأ، وَمَعْنَاهُ: إِن لم تفعل هَذَا فَلْيَكُن هَذَا. قَوْله: (بِالْبَيْتِ) خبر: كَانَ، يَعْنِي طواف الْوَدَاع لَا بُد أَن يكون آخر الْعَهْد بِهِ. قَالَ النَّوَوِيّ: هُوَ وَاجِب يلْزم بِتَرْكِهِ دم على الصَّحِيح عندنَا، وَهُوَ قَول أَكثر الْعلمَاء. وَقَالَ مَالك وَدَاوُد وَابْن الْمُنْذر: هُوَ سنة لَا شَيْء فِي تَركه. وَقَالَ أَصْحَابنَا الْحَنَفِيَّة: هُوَ وَاجِب على الآفاقي دون الْمَكِّيّ والميقاتي، وَمن دونهم، وَقَالَ أَبُو يُوسُف: أحب إليَّ أَن يطوف الْمَكِّيّ لِأَنَّهُ يخْتم الْمَنَاسِك، وَلَا يجب على الْحَائِض وَالنُّفَسَاء، وَلَا على الْمُعْتَمِر لِأَن وُجُوبه عرف نصا فِي الْحَج، فَيقْتَصر عَلَيْهِ وَلَا على فَائت الْحَج، لِأَن الْوَاجِب عَلَيْهِ الْعمرَة وَلَيْسَ لَهَا طواف الْوَدَاع، وَقَالَ مَالك: إِنَّمَا أَمر النَّاس أَن يكون آخر نسكهم الطّواف لقَوْله تَعَالَى: {ذَلِك وَمن يعظم شَعَائِر الله فَإِنَّهَا من تقوى الْقُلُوب} (الْحَج: ٢٣) . وَقَالَ: {ثمَّ محلهَا إِلَى الْبَيْت الْعَتِيق} (الْحَج: ٣٣) . فَمحل الشعائر كلهَا وانقضاؤها بِالْبَيْتِ الْعَتِيق. قَالَ: وَمن أخَّر طواف الْوَدَاع وَخرج وَلم يطف، إِن كَانَ قَرِيبا رَجَعَ فَطَافَ، وَإِن لم يرجع فَلَا شَيْء عَلَيْهِ. وَقَالَ عَطاء وَالثَّوْري وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي أظهر قوليه، وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر: إِن كَانَ قَرِيبا رَجَعَ فَطَافَ، وَإِن تبَاعد مضى وإهراق دَمًا.

وَاخْتلفُوا فِي حد الْقرب، فَروِيَ أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رد رجلا من مر الظهْرَان وَلم يكن ودع، وَبَين مر الظهْرَان وَمَكَّة ثَمَانِيَة عشر ميلًا، وَعند أبي حنيفَة يرجع مَا لم يبلغ الْمَوَاقِيت، وَعند الشَّافِعِي: يرجع من مَسَافَة لَا تقصر فِيهَا الصَّلَاة. وَعند الثَّوْريّ: يرجع مَا لم يخرج من الْحرم. وَاخْتلفُوا فِيمَن ودع ثمَّ بدا لَهُ فِي شِرَاء حَوَائِجه. فَقَالَ عَطاء: يُعِيد حَتَّى يكون آخر عَهده الطّواف بِالْبَيْتِ وبنحوه. قَالَ الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأَبُو ثَوْر، وَقَالَ مَالك: لَا بَأْس أَن يَشْتَرِي بعض حَوَائِجه وَطَعَامه فِي السُّوق، وَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَإِن أَقَامَ يَوْمًا أَو نَحوه أعَاد. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَو ودع وَأقَام شهرا أَو أَكثر أَجزَأَهُ. وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ.

٦٥٧١ - حدَّثنا أصبَغُ بنُ الفَرَجِ قَالَ أخْبَرَنا ابنُ وَهْبٍ عنْ عَمْرِو بنِ الحَارِثِ عَنْ قَتَادَةَ أنَّ أنَسَ بنَ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ حدَّثهُ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَّى الظُّهْرَ والْعَصْرَ والمَغْرِبَ والْعِشَاءِ ثُمَّ رَقَدَ رَقْدَةً بالمحَصَّبِ ثُمَّ رَكِبَ إلَى البَيْتِ فَطَافَ بِهِ.

(الحَدِيث ٦٥٧١ طرفه فِي: ٤٦٧١) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (ثمَّ ركب إِلَى الْبَيْت فَطَافَ بِهِ) لِأَن المُرَاد بِهِ طواف الْوَدَاع. فَإِن قلت: مَا وَجه قَوْله: إِنَّه صلى الظّهْر بالمحصب وَرمي هَذَا الْيَوْم يكون بعد الزَّوَال؟ قلت: لَا بُعد فِي هَذَا، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رمى فنفر فَنزل المحصب فصلى الظّهْر بِهِ، والْحَدِيث من أَفْرَاده. وَرِجَاله قد ذكرُوا وَابْن وهب هُوَ عبد الله بن وهب، وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ تكلم أَحْمد فِي حَدِيث عَمْرو عَن قَتَادَة أَن أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، حدث أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلهَذَا أَتَى البُخَارِيّ بالمتابعة أَيْضا. قَوْله: (بالمحصب) الْبَاء فِيهِ مُتَعَلق بقوله: صلى، وَقَوله: ثمَّ رقد عطف عَلَيْهِ، والمحصب، بِفَتْح الصَّاد الْمُشَدّدَة: اسْم لمَكَان متسع بَين منى وَمَكَّة، وَهُوَ بَين الجبلين إِلَى الْمَقَابِر، سمي بِهِ لِاجْتِمَاع الْحَصْبَاء فِيهِ بِحمْل السَّبِيل إِلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>