للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْقَضِيَّة على الْفَرْع، وَقد أحرم أَصْحَابِي غَيْرِي فَرَأَيْت حمارا ... الحَدِيث، وَقَالَ أَبُو عمر: كَانَ ذَلِك عَام الْحُدَيْبِيَة أَو بعده بعام، عَام الْقَضِيَّة. قَوْله: (فَأحْرم أَصْحَابه) أَي: أَصْحَاب أبي قَتَادَة، وَفِي رِوَايَة مُسلم: (أحرم أَصْحَابِي وَلم أحرم) وَقَالَ الْأَثْرَم: كنت أسمع أَصْحَاب الحَدِيث يتعجبون من حَدِيث أبي قَتَادَة، وَيَقُولُونَ: كَيفَ جَازَ لأبي قَتَادَة أَن يُجَاوز الْمِيقَات غير محرم، وَلَا يَدْرُونَ مَا وَجهه حَتَّى رَأَيْته مُفَسرًا فِي رِوَايَة عِيَاض بن عبد الله عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قلت: روى الطَّحَاوِيّ، رَحمَه الله، حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ فَقَالَ: حَدثنَا ابْن أبي دَاوُد حَدثنَا عَيَّاش بن الْوَلِيد الرقام حَدثنَا عبد الْأَعْلَى عَن عبيد الله عَن عِيَاض بن عبد الله (عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، قَالَ: بعث النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَبَا قَتَادَة الْأنْصَارِيّ على الصَّدَقَة، وَخرج رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَصْحَابه وهم محرمون حَتَّى نزلُوا عسفان، فَإِذا هم بِحِمَار وَحش، قَالَ: وَجَاء أَبُو قَتَادَة وَهُوَ حل، فنكسوا رؤوسهم كَرَاهَة أَن يحدوا أَبْصَارهم، فتفطن، فَرَآهُ فَركب فرسه وَأخذ الرمْح، فَسقط مِنْهُ فَقَالَ: ناولونيه، فَقَالُوا: مَا نَحن بمعينك عَلَيْهِ بِشَيْء، فَحمل عَلَيْهِ فعقره، فَجعلُوا يشوون مِنْهُ، ثمَّ قَالُوا: رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بَين أظهرنَا. قَالَ: وَكَانَ يتقدمهم فلحقوه فَسَأَلُوهُ، فَلم ير بذلك بَأْسا) . وَأخرجه الْبَزَّار أَيْضا. قَوْله: (على الصَّدَقَة) أَي: على أَخذ الزكوات، وَقَالَ الْقشيرِي فِي الْجَواب عَن عدم إِحْرَام أبي قَتَادَة، يحْتَمل أَنه لم يكن مرِيدا لِلْحَجِّ، أَو أَن ذَلِك قبل تَوْقِيت الْمَوَاقِيت، وَزعم الْمُنْذِرِيّ أَن أهل الْمَدِينَة أَرْسلُوهُ إِلَى سيدنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يعلمونه أَن بعض الْعَرَب يَنْوِي غَزْو الْمَدِينَة. وَقَالَ ابْن التِّين: يحْتَمل أَنه لم ينْو الدُّخُول إِلَى مَكَّة، وَإِنَّمَا صحب النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ليكْثر جمعه، وَقَالَ أَبُو عمر: يُقَال: إِن أَبَا قَتَادَة كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجهه على طَرِيق الْبَحْر مَخَافَة الْعَدو، فَلذَلِك لم يكن محرما إِذا اجْتمع مَعَ أَصْحَابه، لِأَن مخرجهم لم يكن وَاحِدًا. انْتهى. قلت: أحسن الْأَجْوِبَة مَا ذكر فِي حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (وَحدث) ، على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (يغزوه) أَي: يقصدوه. قَوْله: (فَبينا) ويروى: (فَبَيْنَمَا) . قَوْله: (يضْحك بَعضهم إِلَى بعض) ، جملَة حَالية، وَوَقع فِي رِوَايَة العذري فِي مُسلم: (فَجعل بَعضهم يضْحك إِلَيّ) بتَشْديد الْيَاء فِي: إِلَيّ، قَالَ عِيَاض: هُوَ خطأ وتصحيف وَإِنَّمَا سَقَطت عَلَيْهِ لَفْظَة: بعض، وَاحْتج لِضعْفِهَا بِأَنَّهُم لَو ضحكوا إِلَيْهِ لَكَانَ أكبر إِشَارَة مِنْهُم، وَقد صرح فِي الحَدِيث أَنهم لم يشيروا إِلَيْهِ، وَقَالَ النَّوَوِيّ: لَا يُمكن رد هَذِه الرِّوَايَة، فقد صحت هِيَ وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى، وَلَيْسَ فِي وَاحِدَة مِنْهُم دلَالَة وَلَا إِشَارَة إِلَى الصَّيْد، وَأَن مُجَرّد الضحك لَيْسَ فِيهِ إِشَارَة مِنْهُم، وَإِنَّمَا كَانَ ضحكهم من عرُوض الصَّيْد وَلَا قدرَة لَهُم عَلَيْهِ ومنعهم مِنْهُ، وَكَذَا قَالَ ابْن التِّين، يُرِيد أَنهم لم يخبروه بمَكَان الصَّيْد وَلَا أشاروا إِلَيْهِ. وَفِي الحَدِيث مَا يَقْتَضِي أَن ضحكهم لَيْسَ بِدلَالَة وَلَا إِشَارَة، بيَّن ذَلِك فِي حَدِيث عُثْمَان بن موهب، فَقَالَ: (أمنكم أحد أَشَارَ إِلَيْهِ؟ قَالُوا: لَا) . فَإِن قلت: مَا معنى: إِلَى، فِي قَوْله: (إِلَى بعض) ؟ قلت: مَعْنَاهُ منتهيا أَو نَاظرا إِلَيْهِ. قَوْله: (فَنَظَرت) ، فِيهِ الْتِفَات، فَإِن الأَصْل أَن يُقَال: فَنظر، لقَوْله: (فَبينا أبي مَعَ أَصْحَابه) ، فالتقدير: قَالَ أبي: فَنَظَرت، فَإِذا أَنا بِحِمَار وَحش، وَهَذِه الرِّوَايَة تَقْتَضِي أَن رُؤْيَته إِيَّاه مُتَقَدّمَة، وَرِوَايَة أبي حَازِم عَن عبد الله بن أبي قَتَادَة تَقْتَضِي أَن رُؤْيَتهمْ إِيَّاه قبل رُؤْيَته، فَإِن فِيهَا: (فَأَبْصرُوا حمارا وحشيا وَأَنا مَشْغُول أخصف نَعْلي، فَلم يؤذنوني بِهِ، وأحبوا لَو أَنِّي أبصرته، والتفت فأبصرته) . قَوْله: (فَحملت عَلَيْهِ) ، وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد بن جَعْفَر: (فَقُمْت إِلَى الْفرس فأسرجته ثمَّ ركبت ونسيت السَّوْط وَالرمْح، فَقلت لَهُم: ناولوني السَّوْط وَالرمْح، فَقَالُوا: لَا وَالله لَا نعينك عَلَيْهِ بِشَيْء، فَغضِبت فَنزلت فأخذتهما، ثمَّ ركبت) . وَفِي رِوَايَة فُضَيْل ابْن سُلَيْمَان: (فَركب فرسا لَهُ يُقَال لَهُ الجرادة، فَسَأَلَهُمْ أَن يناولوه سَوْطه فَأَبَوا) . وَفِي رِوَايَة أبي النَّضر: (وَكنت نسيت سَوْطِي، فَقلت لَهُم: ناولوني بسوطي، فَقَالُوا: لَا نعينك عَلَيْهِ، فَنزلت فَأَخَذته) . قَوْله: (فأثبته) ، أَي: تركته ثَابتا فِي مَكَانَهُ لَا يُفَارِقهُ وَلَا حراك بِهِ، وَفِي رِوَايَة أبي حَازِم: (فشددت على الْحمار فعقرته، ثمَّ جِئْت بِهِ وَقد مَاتَ) . وَفِي رِوَايَة أبي النَّضر: (حَتَّى عقرته فَأتيت إِلَيْهِم فَقلت لَهُم، قومُوا فاحتملوا، فَقَالُوا: لَا نمسه، فَحَملته حَتَّى جئتهم بِهِ) . (فأكلنا من لَحْمه) ، وَفِي رِوَايَة فُضَيْل عَن أبي حَازِم: (فَأَكَلُوا فَنَدِمُوا) ، وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد بن جَعْفَر عَن أبي حَازِم: (فوقعوا يَأْكُلُون مِنْهُ، ثمَّ إِنَّهُم شكوا فِي أكلهم إِيَّاه وهم حرم، فرحنا وخبؤت الْعَضُد معي) ، وَفِي رِوَايَة مَالك عَن أبي النَّضر: (فَأكل مِنْهُ بَعضهم وأبى بَعضهم) . وَفِي حَدِيث أبي سعيد: (فَجعلُوا يشوون مِنْهُ) ، وَفِي رِوَايَة الْمطلب عَن أبي قَتَادَة عِنْد سعيد بن مَنْصُور: (فظللنا نَأْكُل

<<  <  ج: ص:  >  >>