للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَبَا قَتَادَة، ويروى: (أمنكم؟) بِإِظْهَار همزَة الِاسْتِفْهَام، وَفِي رِوَايَة مُسلم: (هَل مِنْكُم أحد أمره أَو أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْء؟) وَلمُسلم فِي رِوَايَته من طَرِيق شُعْبَة عَن عُثْمَان: (هَل أشرتم أَو أعنتم أَو اضطررتم؟) وَفِي رِوَايَة أبي عوَانَة من هَذَا الْوَجْه: (هَل أشرتم أَو اصطدتم أَو قتلتم؟) . قَوْله: (فَكُلُوا) ، قد ذكرنَا أَن الْأَمر للْإِبَاحَة لَا للْوُجُوب، وَلم يذكر فِي هَذِه الرِّوَايَة أَنه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أكل من لَحمهَا، وَذكره فِي روايتي أبي حَازِم عَن عبد الله بن أبي قَتَادَة كَمَا ترَاهُ، وَلم يذكر ذَلِك من الروَاة عَن عبد الله بن أبي قَتَادَة غَيره، وَوَافَقَهُ صَالح بن حسان عِنْد أَحْمد وَأبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ وَأبي عوَانَة، وَلَفظه: (فَقَالَ: كلوا وأطعموا) . فَإِن قلت: روى إِسْحَاق وَابْن خُزَيْمَة وَالدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة معمر عَن يحيى بن أبي كثير هَذَا الحَدِيث، وَقَالَ فِي آخِره: (فَذكرت شَأْنه لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقلت: إِنَّمَا اصطدته لَك! فَأمر أَصْحَابه، فأكلوه وَلم يَأْكُل مِنْهُ حِين أخْبرته أَنِّي اصطدت لَهُ) . فَهَذِهِ الرِّوَايَة تضَاد روايتي أبي حَازِم. قلت: قَالَ ابْن خُزَيْمَة وَأَبُو بكر النَّيْسَابُورِي وَالدَّارَقُطْنِيّ والجوزقي، تفرد بِهَذِهِ الزِّيَادَة معمر، فَإِن كَانَت هَذِه الزِّيَادَة مَحْفُوظَة تحمل على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أكل من لحم ذَلِك الْحمار قبل أَن يُعلمهُ أَبُو قَتَادَة أَنه اصطاده لأَجله، فَلَمَّا أعلمهُ بذلك امْتنع. فَإِن قلت: الرِّوَايَات متظاهرة بِأَن الَّذِي تَأَخّر من الْحمار هُوَ الْعَضُد، وَأَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أكلهَا حَتَّى تغرقها، أَي: لم يبْق مِنْهَا إلَاّ الْعظم، وَوَقع للْبُخَارِيّ أَيْضا فِي الْهِبَة، ستأتي: (حَتَّى نفدها) ، أَي فرغها) فَأَي شَيْء بَقِي مِنْهَا حِينَئِذٍ حَتَّى يَأْمر أَصْحَابه بِالْأَكْلِ؟ قلت: فِي رِوَايَة أبي مُحَمَّد فِي الصَّيْد ستأتي: (أُبْقِي مَعكُمْ شَيْء؟ قلت: نعم، فَقَالَ: كلوا فَهُوَ طعمة أطعمكموها الله) ، وَهَذَا يشْعر بِأَنَّهُ بَقِي مِنْهَا شَيْء غير الْعَضُد.

وَفِيه من الْفَوَائِد: تَفْرِيق الإِمَام أَصْحَابه للملحة، وَاسْتِعْمَال الطليعة فِي الْغَزْو. وَفِيه: جَوَاز صيد الْحمار الوحشي. وَجَوَاز أحكل الْمحرم من لحم الصَّيْد الَّذِي اصطاده الْحَلَال إِذا لم يدل عَلَيْهِ وَلم يشر إِلَيْهِ وَلم يَعْنِي صائده وَفِيه: أَن عقر الصَّيْد ذَكَاته. وَفِيه: جَوَاز الِاجْتِهَاد فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: هُوَ اجْتِهَاد بِالْقربِ من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا فِي حَضرته، وَفِيه الْعَمَل بِمَا أدّى إِلَيْهِ الِاجْتِهَاد، وَلَو تضَاد المجتهدان، وَلَا يعاب وَاحِد مِنْهُمَا على ذَلِك.

٦ - (بابٌ إذَا أهْدَى لِلْمُحْرِمِ حِمَارا وَحْشِيا حَيّا لَمْ يَقْبَلْ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا أهْدى الْحَلَال للْمحرمِ حمارا وحشيا. قَوْله: (حَيا) ، صفة لحِمَار بعد صفة، وَلَيْسَت هَذِه الصّفة بموجودة فِي أَكثر النّسخ، وَقَالَ بَعضهم: كَذَا قَيده فِي التَّرْجَمَة بِكَوْنِهِ حَيا، وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَن الرِّوَايَة الَّتِي تدل على أَنه كَانَ مذبوحا موهومة. انْتهى. قلت: لم يذكر هَذَا الْقَيْد فِي حَدِيث الْبَاب صَرِيحًا، وَلَكِن قَوْله: (أهدي لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حمارا وحشيا) ، يحْتَمل أَن يكون هَذَا الْحمار حَيا، وَيحْتَمل أَن يكون مذبوحا، وَلَكِن مُسلما صرح فِي إِحْدَى رواياته عَن الزُّهْرِيّ: من لحم حمَار وَحش، وَفِي رِوَايَة مَنْصُور عَن الحكم: (أهْدى رجل حمَار وَحش) . وَفِي رِوَايَة شُعْبَة عَن الحكم: (عجز حمَار وَحش يقطر دَمًا) ، وَفِي رِوَايَة زيد بن أَرقم: أهدي لَهُ عُضْو من لحم صيد، وَهَذِه الرِّوَايَات كلهَا تدل على أَن الْحمار غير حَيّ، فَكيف يَقُول هَذَا الْقَائِل: وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَن الرِّوَايَة الَّتِي تدل على أَنه كَانَ مذبوحا موهومة. قَوْله: (لم يقبلْ) ، بِمَعْنى: لَا يقبل.

٤٠٠ - (حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف قَالَ أخبرنَا مَالك عَن ابْن شهَاب عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود عَن عبد الله بن عَبَّاس عَن الصعب بن جثامة اللَّيْثِيّ أَنه أهْدى لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حمارا وحشيا وَهُوَ بالأبواء أَو بودان فَرده عَلَيْهِ فَلَمَّا رأى مَا فِي وَجهه قَالَ إِنَّا لم نرده عَلَيْك إِلَّا أَنا حرم) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " أهْدى لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إِلَى قَوْله " فَرده عَلَيْهِ ". (ذكر رِجَاله) وهم سِتَّة. الأول عبد الله بن يُوسُف التنيسِي وَمَالك بن أنس وَمُحَمّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ وَعبيد الله بن عبد الله بتصغير الابْن وتكبير الْأَب وَعبد الله بن عَبَّاس وَكلهمْ قد ذكرُوا غير مرّة. السَّادِس الصعب ضد السهل ابْن جثامة بِفَتْح الْجِيم وَتَشْديد الثَّاء الْمُثَلَّثَة

<<  <  ج: ص:  >  >>