للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بَاب مَا ينْهَى من الْكَلَام فِي الصَّلَاة، وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان، عَمْرو بن مرّة، بِضَم الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء. وَابْن أبي ليلى هُوَ عبد الرَّحْمَن، رأى كثيرا من الصَّحَابَة مثل: عمر وَعُثْمَان وَعلي وَغَيرهم، وَهَذَا تَعْلِيق وَصله الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق أبي نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج) : (قدم النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْمَدِينَة وَلَا عهد لَهُم بالصيام، فَكَانُوا يَصُومُونَ ثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر حَتَّى نزل رَمَضَان، فاستكثروا ذَلِك وشق عيهم، فَكَانَ من أطْعم مِسْكينا كل يَوْم ترك الصّيام مِمَّن يطيقه، رخص لَهُم فِي ذَلِك، ثمَّ نُسْخَة {وَأَن تَصُومُوا خير لكم} (الْبَقَرَة: ٤٨١) . فَأمروا بالصيام.

وَهَذَا الحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد من طَرِيق شُعْبَة والمسعودي عَن الْأَعْمَش مطولا فِي الْأَذَان والقبلة وَالصِّيَام، وَاخْتلف فِي إِسْنَاده اخْتِلَافا كثيرا، وَطَرِيق ابْن نمير هَذَا أرجحها.

قَوْله: (حَدثنَا أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَشَارَ بِهِ إِلَى أَنه روى هَذَا الحَدِيث عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة، وَلَا يُقَال لمثل هَذَا رِوَايَة مَجْهُول لِأَن الصَّحَابَة كلهم عدُول. قَوْله: (فنسختها) {وَأَن تَصُومُوا} (الْبَقَرَة: ٤٨١) . الضَّمِير فِي نسختها يرجع إِلَى الْإِطْعَام الَّذِي يدل عَلَيْهِ أطْعم، والتأنيث بِاعْتِبَار الْفِدْيَة، وَقَوله {وَأَن تَصُومُوا خير لكم} (الْبَقَرَة: ٤٨١) . فِي مَحل الرّفْع على الفاعلية، وَالتَّقْدِير قَوْله: وَأَن تَصُومُوا. وَكلمَة: أَن، مَصْدَرِيَّة تَقْدِيره: وصومكم خير لكم، وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: كَيفَ وَجه نسخهَا لَهَا والخيرية لَا تَقْتَضِي الْوُجُوب؟ قلت: مَعْنَاهُ الصَّوْم خير من التَّطَوُّع بالفدية، والتطوع بهَا سنة، بِدَلِيل أَنه خير، وَالْخَيْر من السّنة لَا يكون إلَاّ وَاجِبا. انْتهى. قلت: إِن كَانَ المُرَاد من السّنة هِيَ سنة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَسنة النَّبِي كلهَا خير، فَيلْزم أَن تكون كل سنة وَاجِبَة وَلَيْسَ كَذَلِك. وَقَالَ السّديّ: عَن مرّة عَن عبد الله، قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة: {وعَلى الَّذين يطيقُونَهُ فديَة طَعَام مِسْكين} (الْبَقَرَة: ٤٨١) . وَقَالَ: وَالله يَقُول: {الَّذين يطيقُونَهُ} (الْبَقَرَة: ٤٨١) . أَي: يتجشمونه، قَالَ عبد الله: فَكَانَ من شَاءَ صَامَ وَمن شَاءَ أفطر وَأطْعم مِسْكينا. {فَمن تطوع} (الْبَقَرَة: ٤٨١) . قَالَ: أطْعم مِسْكينا آخر {فَهُوَ خير لَهُ وَأَن تَصُومُوا خير لكم} (الْبَقَرَة: ٤٨١) . فَكَانُوا كَذَلِك حَتَّى نسختها: {فَمن شهد مِنْكُم الشَّهْر فليصمه} (الْبَقَرَة: ٥٨١) .

٩٤٩١ - حدَّثنا عَيَّاشٌ قَالَ حدَّثنا عبْدُ الأعْلَى قَالَ حدثنَا عُبَيْدُ الله عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عنهُمَا قرَأ: فِدْيَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ، قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ. (الحَدِيث ٩٤٩١ طرفه فِي: ٦٠٥٤) .

أشتر بِهَذِهِ الرِّوَايَة إِلَى وصل التَّعْلِيق الَّذِي علقه فِي أول الْبَاب بقوله: قَالَ ابْن عمر، وَأَشَارَ أَيْضا إِلَى بَيَان قِرَاءَة عبد الله ابْن عمر فِي قَوْله: {فديَة طَعَام مِسْكين} (الْبَقَرَة: ٤٨١) . فَإِنَّهُ قَرَأَ: مِسْكين، وبصيغة الْإِفْرَاد، وَلَكِن لما ذكر فِي التَّفْسِير، قَالَ: طَعَام مَسَاكِين، بِصِيغَة الْجمع، وَكَذَا رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي (صَحِيحه) وَأَشَارَ أَيْضا إِلَى أَن {فديَة طَعَام مِسْكين} (الْبَقَرَة: ٤٨١) . مَنْسُوخَة غير مَخْصُوصَة وَلَا محكمَة. وَعَيَّاش، بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف الْمُشَدّدَة والشين الْمُعْجَمَة، وَعبد الْأَعْلَى هُوَ ابْن عبد الْأَعْلَى، وَعبيد الله بن عمر الْعمريّ الْمدنِي.

٠٤ - (بابٌ مَتَى يُقْضَى قَضَاءُ رَمَضَانَ)

أَي: هَذَا بَاب يبين فِيهِ مَتى يقْضِي، أَي: مَتى يُؤدى قَضَاء رَمَضَان، وَالْقَضَاء بِمَعْنى الْأَدَاء، قَالَ تَعَالَى: {فَإِذا قضيت الصَّلَاة} (الْجُمُعَة: ٠١) . أَي: فَإِذا أدّيت الصَّلَاة، وَلَيْسَ المُرَاد من الْأَدَاء مَعْنَاهُ الشَّرْعِيّ، وَهُوَ تَسْلِيم عين الْوَاجِب، وَلَكِن المُرَاد مَعْنَاهُ اللّغَوِيّ وَهُوَ الْإِيفَاء، كَمَا يُقَال: أدّيت حق فلَان أَي: أوفيته، وَفَسرهُ بَعضهم بقوله: مَتى يصام الْأَيَّام الَّتِي تقضى عَن فَوَات رَمَضَان؟ وَلَيْسَ المُرَاد: قَضَاء الْقَضَاء على مَا هُوَ ظَاهر اللَّفْظ. انْتهى. قلت: ظن هَذَا أَن المُرَاد من قَوْله: مَتى يقْضِي؟ مَعْنَاهُ الشَّرْعِيّ، وَلَيْسَ كَذَلِك، فَظَنهُ هَذَا هُوَ الَّذِي أَلْجَأَهُ إِلَى مَا تعسف فِيهِ، ثمَّ أَنه ذكر كلمة الِاسْتِفْهَام وَلم يذكر جَوَابه لتعارض الْأَدِلَّة الشَّرْعِيَّة والقياسية، فَإِن ظَاهر قَوْله تَعَالَى: {فَعدَّة من أَيَّام أخر} (الْبَقَرَة: ٥٨١) . أَعم من أَن تكون تِلْكَ الْأَيَّام متتابعة أَو مُتَفَرِّقَة، وَالْقِيَاس يَقْتَضِي التَّتَابُع لِأَن الْقَضَاء يَحْكِي الْأَدَاء، وَذكر البُخَارِيّ هَذِه الْآثَار فِي هَذَا الْبَاب يدل على جَوَاز التَّرَاخِي والتفريق.

وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ لَا بَأسَ أنْ يُفَرَّقَ لِقَوْلِ الله تعَالَى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أيَّامٍ أُخَرَ} (الْبَقَرَة: ٤٨١) .

هَذَا التَّعْلِيق وَصله مَالك عَن الزُّهْرِيّ أَن ابْن عَبَّاس وَأَبا هُرَيْرَة اخْتلفَا فِي قَضَاء رَمَضَان، فَقَالَ أَحدهمَا: يفرق، وَقَالَ الآخر: لَا يفرق، وَهَذَا مُنْقَطع مُبْهَم لِأَنَّهُ لم يعلم المفرق من غير المفرق، وَقد أوضحه عبد الرَّزَّاق وَوَصله عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ

<<  <  ج: ص:  >  >>