للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَدَخَلَ عَلَيَّ فألْقَيْتُ لَهُ وِسادَةً مِنْ أدَمٍ حَشْوُها لِيفٌ فجَلَسَ عَلَى الأرْضِ وصارَتِ الوِسَادَةُ بَيْنِي وبَيْنَهُ فَقَالَ أما يَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أيَّامٍ قَالَ قُلْتُ يَا رسولَ الله قَالَ خَمْسا قُلْتُ يَا رسولَ الله قَالَ سبْعا قُلْتُ يَا رسولَ الله قَالَ تِسْعا قُلْتُ يَا رسولَ الله قالَ إحْدَى عَشَرَةَ ثُمَّ قالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا صَوْمَ فَوْقَ صَوْمِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ شَطْر الدَّهْرِ صُمْ يَوْما وأفْطِر يوْما. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (لَا صَوْم فَوق صَوْم دَاوُد، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام) .

ذكر رِجَاله وهم سَبْعَة: الأول: إِسْحَاق بن شاهين أَبُو بشر الوَاسِطِيّ. الثَّانِي: خَالِد بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد الطَّحَّان أَبُو الْهَيْثَم الوَاسِطِيّ من الصَّالِحين. الثَّالِث: خَالِد بن مهْرَان الْحذاء الْبَصْرِيّ. الرَّابِع: أَبُو قلَابَة، بِكَسْر الْقَاف، عبد الله بن زيد الْجرْمِي، أحد الْأَئِمَّة الْأَعْلَام. الْخَامِس: أَبوهُ زيد بن عَمْرو، وَيُقَال: عَامر. السَّادِس: أَبُو الْمليح، بِفَتْح الْمِيم وَكسر اللَّام وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره حاء مُهْملَة: واسْمه عَامر، وَقيل: زيد. وَقيل: زِيَاد بن أُسَامَة بن عُمَيْر الْهُذلِيّ. السَّابِع: عبد الله بن عَمْرو.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع، والإخبار بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: أَن شَيْخه ذكر مُجَردا عَن نِسْبَة، لكنه ذكر مَنْسُوبا إِلَى وَاسِط وَهِي الْمَدِينَة الَّتِي بناها الْحجَّاج. وَفِيه: أَن أَبَا الْمليح لَيْسَ لَهُ حَدِيث فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث، وَأَعَادَهُ فِي الاسْتِئْذَان، وَحَدِيث آخر فِي الْمَوَاقِيت فِي موضِعين من رِوَايَته عَن بُرَيْدَة.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الاسْتِئْذَان عَن إِسْحَاق بن شاهين أَيْضا، وَفِي الاسْتِئْذَان أَيْضا عَن عبد الله بن مُحَمَّد عَن عَمْرو بن عون. وَأخرجه مُسلم فِي الصَّوْم عَن يحيى بن يحيى. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن زَكَرِيَّا بن يحيى خياط السّنة.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (دخلت مَعَ أَبِيك) الْخطاب لأبي قلَابَة وَأَبوهُ زيد كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن، وَفِي رِوَايَته فِي الاسْتِئْذَان: (مَعَ أَبِيك زيد) ، وَصرح بِهِ فِي قَوْله: فحدثنا، بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة. قَوْله: (ذكر) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (فألقيت لَهُ) ، أَي: لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (أما يَكْفِيك؟) بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف الْمِيم. قَوْله: (قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله {) أَي: قَالَ عبد الله. فَإِن قلت: أَيْن الْجَواب، وَكَيف يَقع لفظ: يَا رَسُول الله} جَوَابا؟ قلت: الْجَواب مَحْذُوف تَقْدِيره: لَا يَكْفِينِي الثَّلَاثَة يَا رَسُول الله، وَكَذَلِكَ يقدر فِي الْبَوَاقِي. قَوْله: (خمْسا) أَي: خَمْسَة أَيَّام من كل شهر، وانتصابه على المفعولية، أَي: صم خَمْسَة أَيَّام من كل شهر، وَكَذَلِكَ التَّقْدِير فِي سبعا وتسعا، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (خَمْسَة) ، والتأنيث فِيهِ بِاعْتِبَار إِرَادَة الْأَيَّام، وَأما خمْسا فباعتبار إِرَادَة اللَّيَالِي، وَكَذَلِكَ الْكَلَام فِي الْبَوَاقِي. قَوْله: (لَا صَوْم فَوق صَوْم دَاوُد) أَي: لَا فضل وَلَا كَمَال فِي صَوْم التَّطَوُّع فَوق صَوْم دَاوُد، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَهُوَ صَوْم يَوْم وإفطار يَوْم، وَالَّذين لَا يكْرهُونَ السرد يَقُولُونَ: هَذَا مَخْصُوص بِعَبْد الله بن عَمْرو. قَوْله: (إِحْدَى عشرَة) ، زَاد فِي رِوَايَة عَمْرو بن عون: (يَا رَسُول الله) . قَوْله: (شطر الدَّهْر) أَي: نصفه، وَيجوز فِي: شطر، الرّفْع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أَي: هُوَ شطر الدَّهْر، وَالنّصب على أَنه مفعول لفعل مُقَدّر، تَقْدِيره: هاك شطر الدَّهْر أَو خُذْهُ أَو اجْعَلْهُ، وَنَحْو ذَلِك، وَيجوز الْجَرّ على أَنه بدل من صَوْم دَاوُد، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام. قَوْله: (صم يَوْمًا وَأفْطر يَوْمًا) وَفِي رِوَايَة عَمْرو بن عون: (صِيَام يَوْم وإفطار يَوْم) ، وَيجوز فِيهِ الْأَوْجه الثَّلَاثَة الْمَذْكُور.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: بَيَان أَن أفضل الصّيام صَوْم دَاوُد، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام. وَفِيه: بَيَان رفق رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بأمته وشفقته عَلَيْهِم وإرشاده إيَّاهُم إِلَى مَا يصلحهم وحثه إيَّاهُم على مَا يُطِيقُونَ الدَّوَام عَلَيْهِ، ونهيهم عَن التعمق فِي الْعِبَادَة لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى الْملَل المفضي إِلَى التّرْك. وَفِيه: جَوَاز الْإِخْبَار عَن الْأَعْمَال الصَّالِحَة والأوراد ومحاسن الْأَعْمَال، وَلَكِن مَحل ذَلِك أَن يَخْلُو عَن الرِّيَاء. وَفِيه: بَيَان مَا كَانَ عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من التَّوَاضُع وَترك الاستئثار على جليسه، وَفِي كَون الوسادة من أَدَم حشوها لِيف، بَيَان مَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَة فِي غَالب أَحْوَالهم فِي عَهده، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من الضّيق. إِذْ لَو كَانَ عِنْد عبد الله بن عَمْرو أشرف مِنْهَا لأكرم بهَا نبيه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>