للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لَهُ لهُ وَجه، وَلكنه غير مَعْرُوف عِنْد الْعلمَاء فِي تَفْسِير الْآيَة الْكَرِيمَة، وَالَّذِي عَلَيْهِ جمهورهم فِي قَوْله: (ثَلَاث مَرَّات) أَي: ثَلَاثَة أَوْقَات. وَيدل على صِحَة هَذَا القَوْل ذكره فِيهَا: {من قبل صَلَاة الْفجْر وَحين تضعون ثيابكم من الظهيرة وَمن بعد صَلَاة الْعشَاء} (النُّور: ٨٥) . ثمَّ السّنة أَن يسلم ويستأذن ثَلَاثًا ليجمع بَينهمَا.

وَاخْتلفُوا: هَل يسْتَحبّ تَقْدِيم السَّلَام ثمَّ الاسْتِئْذَان، أَو تَقْدِيم الاسْتِئْذَان ثمَّ السَّلَام؟ وَقد صَحَّ حديثان فِي تَقْدِيم السَّلَام، فَذهب جمَاعَة إِلَى قَوْله: السَّلَام عَلَيْكُم أَدخل، وَقيل: يقدم الاسْتِئْذَان.

وَفِيه: أَن الرجل الْعَالم قد يُوجد عِنْد من هُوَ دونه فِي الْعلم مَا لَيْسَ عِنْده إِذا كَانَ طَرِيق ذَلِك الْعلم السّمع، وَإِذا جَازَ ذَلِك على عمر فَمَا ظَنك بِغَيْرِهِ بعده، قَالَ ابْن مَسْعُود: لَو أَن علم عمر وضع فِي كفة وَوضع علم أَحيَاء أهل الأَرْض فِي كفة لرجح علم عمر عَلَيْهِم. وَفِيه: دلَالَة على أَن طلب الدُّنْيَا يمْنَع من استفادة الْعلم، وَكلما ازْدَادَ الْمَرْء طلبا لَهَا ازْدَادَ جهلا، وَقل علما. وَفِيه: طلب الدَّلِيل على مَا يُعَكر من الْأَقْوَال حَتَّى يثبت عِنْده. وَفِيه: الدّلَالَة على أَن قَول الصَّحَابِيّ: كُنَّا نؤمر بِكَذَا، مَحْمُول على الرّفْع.

ذكر الأسئلة والأجوبة مِنْهَا: أَن طلب عمر الْبَيِّنَة يدل على أَنه لَا يحْتَج بِخَبَر الْوَاحِد، وَزعم قوم أَن مَذْهَب عمر هَذَا، وَالْجَوَاب عَنهُ أَن عمر قد ثَبت عِنْده خبر الْوَاحِد، وقبوله وَالْحكم بِهِ، أَلَيْسَ هُوَ الَّذِي نَشد النَّاس بمنى: من كَانَ عِنْده علم عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الدِّيَة فليخبرنا؟ وَكَانَ رَأْيه أَن الْمَرْأَة لَا تَرث من دِيَة زَوجهَا، لِأَنَّهَا لَيست من عصبَة الَّذين يعْقلُونَ عَنهُ، فَقَامَ الضَّحَّاك بن سُفْيَان الْكلابِي فَقَالَ: كتب إِلَيّ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن ورِّث امْرَأَة أَشْيَم من دِيَة زَوجهَا. وَكَذَلِكَ نَشد النَّاس فِي دِيَة الْجَنِين، فَقَالَ حمل بن النَّابِغَة: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى فِيهِ بغرة عبد أَو وليدة، فَقضى بِهِ عمر، وَلَا يشك ذُو لب وَمن لَهُ أقل منزلَة من الْعلم أَن مَوضِع أبي مُوسَى من الْإِسْلَام ومكانه من الْفِقْه وَالدّين أجل من أَن يرد خَبره، وَيقبل خبر الضَّحَّاك، وَحمل وَكِلَاهُمَا لَا يُقَاس بِهِ فِي حَال، وَقد قَالَ لَهُ عمر فِي (الْمُوَطَّأ) : إِنِّي لم أتهمك، فَدلَّ ذَلِك على اعْتِمَاد كَانَ من عمر، وَطلب الْبَيِّنَة فِي ذَلِك الْوَقْت لِمَعْنى الله أعلم بِهِ. وَقد يحْتَمل أَن يكون عمر عِنْده فِي ذَلِك الْحِين من لَيست لَهُ صُحْبَة من أهل الْعرَاق أَو الشَّام وَلم يتَمَكَّن من الْإِيمَان فِي قُلُوبهم لقرب عَهدهم بِالْإِسْلَامِ، فخشي عَلَيْهِم أَن يختلقوا الْكَذِب على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عِنْد الرَّغْبَة أَو الرهبة.

وَمِنْهَا: أَن قَول عمر: (ألهاني الصفق بالأسواق) يدل على أَنه كَانَ يقل المجالسة مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهَذَا لم يكن لائقا بِحقِّهِ. وَالْجَوَاب: أَن هَذَا القَوْل من عمر على معنى الذَّم لنَفسِهِ، وحاشاه أَن يقل من مُجَالَسَته وملازمته، وَقد كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كثيرا مَا يَقُول: فعلت أَنا وَأَبُو بكر وَعمر، وَكنت أَنا وَأَبُو بكر وَعمر، ومكانهما مِنْهُ عَال، وَكَانَ خُرُوجه فِي بعض الْأَوْقَات إِلَى الْأَسْوَاق للكفاف، وَكَانَ من أزهد النَّاس لِأَنَّهُ وجد فَترك.

وَمِنْهَا: مَا قيل: إِن عمر قَالَ لأبي مُوسَى: أقِم الْبَيِّنَة وإلَاّ أوجعتك. وَفِي رِوَايَة: (فوَاللَّه لأوجعن ظهرك وبطنك) ، وَفِي رِوَايَة: (لأجعلنك نكالاً) ، فَمَا معنى هَذَا؟ وَأَبُو مُوسَى كَانَ عِنْده أَمينا. وَلِهَذَا اسْتَعْملهُ وَبَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيْضا ساعيا وعاملاً على بعض الصَّدقَات، وَهَذِه منزلَة رفيعة فِي الثِّقَة وَالْأَمَانَة؟ وَأجِيب: بِأَن هَذَا كُله مَحْمُول على أَن تَقْدِيره: لَأَفْعَلَنَّ بك هَذَا الْوَعيد إِن بَان أَنَّك تَعَمّدت كذبا.

٠١ - (بابُ التِّجارَةِ فِي البَحْرِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إِبَاحَة التِّجَارَة فِي ركُوب الْبَحْر.

وَقَالَ مَطَرٌ لَا بَأسَ بِهِ ومَا ذَكَرَهُ الله فِي القُرْآنِ إلَاّ بِحَقٍّ ثُمَّ تَلَا {وتَرَي الفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ ولِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ

مطر هَذَا هُوَ الْوراق الْبَصْرِيّ، وَهُوَ مطر بن طهْمَان أَبُو رَجَاء الْخُرَاسَانِي، سكن الْبَصْرَة وَكَانَ يكْتب الْمَصَاحِف، فَلذَلِك قيل لَهُ: الوارق روى عَن أنس، وَيُقَال: مُرْسل ضعفه يحيى بن سعيد فِي حَدِيثه عَن عَطاء، وَكَذَا روى عَن ابْن معِين، وَعنهُ صَالح، وَذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات، روى لَهُ البُخَارِيّ فِي كتاب (الْأَفْعَال) وروى لَهُ الْبَاقُونَ. وَقَالَ الْكرْمَانِي: الظَّاهِر أَنه مطر بن الْفضل الْمروزِي شيخ البُخَارِيّ، وَوَصفه الْمزي وَالشَّيْخ قطب الدّين الْحلَبِي وَغَيرهمَا بِأَنَّهُ الْوراق، وَوَقع فِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ

<<  <  ج: ص:  >  >>