للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْوَاو وَفِي آخِره نون، وَأَبُو جُحَيْفَة، بِضَم الْجِيم وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الْفَاء، واسْمه وهب بن عبد الله أَبُو جُحَيْفَة السوَائِي، وَقد مر فِيمَا مضى.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْبيُوع عَن حجاج بن منهال، وَفِي الطَّلَاق عَن آدم، وَفِي اللبَاس عَن سُلَيْمَان بن حَرْب وَعَن أبي مُوسَى عَن غنْدر، وَهَذَا الحَدِيث من أَفْرَاده وَفِي بعض طرقه زِيَادَة: كسب الْأمة، وَفِي أُخْرَى: كسب الْبَغي، وَتفرد مِنْهُ بلعن المصور أَيْضا.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (بمحاجمه) ، بِفَتْح الْمِيم جمع: محجم، بِكَسْر الْمِيم وَهُوَ الْآلَة الَّتِي يحجم بهَا الْحجام. قَوْله: (فَسَأَلته) ، أَي: فَسَأَلت أبي الظَّاهِر أَن سُؤَاله عَن سَبَب مشتراه، وَلَكِن لَا يُنَاسب جَوَابه بقوله: (نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) . وَلَكِن فِيهِ اخْتِصَار بَينه فِي آخر الْبيُوع من وَجه آخر عَن شُعْبَة بِلَفْظ: (اشْترى حجاما فَأمر بمحاجمه فَكسرت فَسَأَلته عَن ذَلِك) ، فَفِيهِ الْبَيَان بِأَن السُّؤَال إِنَّمَا وَقع عَن كسر المحاجم، وَهُوَ الْمُنَاسب للجواب، وَسَأَلَ الْكرْمَانِي هُنَا بقوله: فلِمَ اشْتَرَاهُ؟ ثمَّ أجَاب: بِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ ليكسر محجمه ويمنعه عَن تِلْكَ الصِّنَاعَة قلت: فِيهِ نظر لَا يخفى، بل الصَّوَاب مَا ذَكرْنَاهُ، وَهُوَ أَيْضا تَنْبِيه على هَذَا حَيْثُ قَالَ: وَفِي بعض الرِّوَايَة بعد لفظ حجاما: (فَأمر بمحاجمه فَكسرت فَسَأَلته) ، يَعْنِي: عَن الْكسر. قَوْله: (وَثمن الدَّم) ، يَعْنِي: أُجْرَة الْحجامَة، وَأطلق الثّمن عَلَيْهِ تجوزا. قَوْله: (الواشمة) ، هِيَ فاعلة، الوشم، والموشومة مَفْعُوله، والوشم أَن يغرز يَده أَو عضوا من أَعْضَائِهِ بإبرة ثمَّ يذر عَلَيْهَا النّيل وَنَحْوه. قَوْله: (وآكل الرِّبَا) ، أَي: وَنهى آكل الرِّبَا عَن أكله، وَكَذَا نهى مُوكله عَن إطعامه غَيره، وَيُقَال: المُرَاد من الْآكِل آخذه كالمستقرض، وَمن الْمُوكل معطيه كالمقرض، وَالنَّهْي فِي هَذَا كُله عَن الْفِعْل، وَالتَّقْدِير: عَن فعل الواشمة، وَفعل الموشومة، وَفعل الْآكِل وَفعل الْمُوكل، وَخص الْآكِل من بَين سَائِر الانتفاعات لِأَنَّهُ أعظم الْمَقَاصِد. قَوْله: (وَلعن المصور) ، عطف على قَوْله: (نهى) ، وَلَوْلَا أَن المصور أعظم ذَنبا لما لَعنه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ وَهُوَ على وُجُوه:

الأول: فِيهِ جَوَاز شِرَاء العَبْد الْحجام، وسؤال عون بن جُحَيْفَة عَن أَبِيه إِنَّمَا كَانَ عَن كسر محاجمه لَا عَن شِرَائِهِ إِيَّاه، كَمَا ذَكرْنَاهُ.

الثَّانِي: فِيهِ: النَّهْي عَن ثمن الْكَلْب. وَفِيه: اخْتِلَاف الْعلمَاء، فَقَالَ الْحسن وَرَبِيعَة وَحَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَدَاوُد وَمَالك فِي رِوَايَة: ثمن الْكَلْب حرَام. وَقَالَ ابْن قدامَة: لَا يخْتَلف الْمَذْهَب فِي أَن بيع الْكَلْب بَاطِل على كل حَال، وَكره أَبُو هُرَيْرَة ثمن الْكَلْب، وَرخّص فِي كلب الصَّيْد خَاصَّة، وَبِه قَالَ عَطاء وَالنَّخَعِيّ.

وَاخْتلف أَصْحَاب مَالك، فَمنهمْ من قَالَ: لَا يجوز، وَمِنْهُم من قَالَ: الْكَلْب الْمَأْذُون فِي إِمْسَاكه يكره بَيْعه وَيصِح وَلَا تجوز إِجَارَته، نَص عَلَيْهِ أَحْمد، وَهَذَا قَول بعض أَصْحَاب الشَّافِعِي. وَقَالَ بَعضهم: يجوز، وَقَالَ مَالك فِي (الْمُوَطَّأ) : أكره ثمن الْكَلْب الضاري وَغير الضاري لنَهْيه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن ثمن الْكَلْب. وَفِي (شرح الْمُوَطَّأ) لِابْنِ زرقون: وَاخْتلف قَول مَالك فِي ثمن الْكَلْب الْمُبَاح اتِّخَاذه، فَأَجَازَهُ مرّة وَمنعه أُخْرَى، وبإجازته قَالَ ابْن كنَانَة وَأَبُو حنيفَة: قَالَ سَحْنُون: ويحج بِثمنِهِ، وروى عَنهُ ابْن الْقَاسِم أَنه كره بَيْعه. وَفِي (الْمُدَوَّنَة) : كَانَ مَالك يَأْمر بِبيع الْكَلْب الضاري فِي الْمِيرَاث وَالدّين والمغانم، وَيكرهُ بَيْعه للرجل ابْتِدَاء. قَالَ يحيى بن إِبْرَاهِيم. قَوْله: (فِي الْمِيرَاث) ، يَعْنِي: للْيَتِيم، وَأما لأهل الْمِيرَاث الْبَالِغين فَلَا يُبَاع إلَاّ فِي الدّين والمغانم، وروى أَبُو زيد عَن ابْن الْقَاسِم: لَا بَأْس باشتراء كلاب الصَّيْد وَلَا يجوز بيعهَا، وَقَالَ أَشهب فِي ديوانه عَن مَالك: يفْسخ بيع الْكَلْب إلَاّ أَن يطول، وَحكى ابْن عبد الحكم: أَنه يفْسخ وَإِن طَال. وَقَالَ ابْن حزم فِي (الْمحلى) : وَلَا يحل بيع كلب أصلا لَا كلب صيد وَلَا كلب مَاشِيَة وَلَا غَيرهمَا. فَإِن اضْطر إِلَيْهِ وَلم يجد من يُعْطِيهِ إِيَّاه فَلهُ ابتياعه، وَهُوَ حَلَال للْمُشْتَرِي حرَام للْبَائِع، ينتزع مِنْهُ الثّمن مَتى قدر عَلَيْهِ كالرشوة فِي دفع الظُّلم. وَفِدَاء الْأَسير ومصانعة الظَّالِم. ثمَّ قَالَ: وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد وَأبي سُلَيْمَان وَأبي ثَوْر وَغَيرهم انْتهى.

وَقَالَ عَطاء بن أبي رَبَاح وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَأَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَابْن كنَانَة وَسَحْنُون من الْمَالِكِيَّة: الْكلاب الَّتِي ينْتَفع بهَا يجوز بيعهَا وتباح أثمانها. وَعَن أبي حنيفَة: أَن الْكَلْب الْعَقُور لَا يجوز بَيْعه وَلَا يُبَاح ثمنه، وَفِي (الْبَدَائِع) : وَأما بيع ذِي نَاب من السبَاع سوى الْخِنْزِير: كَالْكَلْبِ والفهد والأسد والنمر وَالذِّئْب والدب والهر وَنَحْوهَا، جَائِز عِنْد أَصْحَابنَا. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجوز بيع الْكَلْب. ثمَّ عندنَا: لَا فرق بَين الْمعلم وَغَيره، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: فَيجوز بَيْعه كَيفَ مَا كَانَ وَعَن أبي يُوسُف أَنه: لَا يجوز بيع الْكَلْب الْعَقُور. وَأجَاب الطَّحَاوِيّ عَن النَّهْي الَّذِي فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>