للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عَام الْفَتْح، وَهُوَ بِمَكَّة، يَقُول: إِن الله تَعَالَى وَرَسُوله حرما بيع الْخمر وَالْميتَة وَالْخِنْزِير والأصنام بعد تِسْعَة أَبْوَاب.

٢٢٢٢ - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ قَالَ حدَّثنا اللَّيْثُ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنِ ابنِ المُسَيَّبِ أنَّهُ سَمِعَ أبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يَقُولُ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابنُ مَرْيَمَ حَكما مُقْسِطا فيَكْسِرَ الصَّلِيبَ ويَقْتُلَ الخِنْزِيرَ ويَضَعَ الجِزْيَةَ ويَفِيضَ المالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أحدٌ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَيقتل الْخِنْزِير) ، والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الْإِيمَان عَن قُتَيْبَة وَمُحَمّد بن رمح، كِلَاهُمَا عَن اللَّيْث بِهِ. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْفِتَن عَن قُتَيْبَة بِهِ. وَقَالَ حسن صَحِيح.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (ليوشكن) اللَّام فِيهِ مَفْتُوحَة للتَّأْكِيد، ويوشكن من أَفعَال المقاربة، وَهُوَ مضارع دخلت عَلَيْهِ نون التَّأْكِيد، وماضيه: أوشك، وَأنكر الْأَصْمَعِي مَجِيء الْمَاضِي مِنْهُ، وَحكى الْخَلِيل اسْتِعْمَال الْمَاضِي فِي قَول الشَّاعِر:

وَلَو سالوا الشرَّاب لأوشكونا

وأفعال المقاربة أَنْوَاع: نوع: مِنْهَا: مَا وضع للدلالة على دنو الْخَبَر، وَهُوَ ثَلَاثَة: كَاد وكرب وأوشك، وَمَعْنَاهُ هُنَا: ليسرعن، وَقَالَ الدَّاودِيّ: مَعْنَاهُ لَيَكُونن. قَالَ: وَجَاء يُوشك بِمَعْنى: يكون وَمعنى يقرب. قَوْله: (أَن ينزل) كلمة: أَن، مَصْدَرِيَّة فِي مَحل الرّفْع على الفاعلية، وَالْمعْنَى: ليسرعن نزُول ابْن مَرْيَم فِيكُم، ونزوله من السَّمَاء، فَإِن الله رَفعه إِلَيْهَا وَهُوَ حَيّ ينزل عِنْد المنارة الْبَيْضَاء بشرقي دمشق وَاضِعا كفيه على أَجْنِحَة ملكَيْنِ، وَكَانَ نُزُوله عِنْد انفجار الصُّبْح. قَوْله: (حكما) بِفتْحَتَيْنِ، بِمَعْنى الْحَاكِم. قَوْله: (مقسطا) أَي: عادلاً، من الإقساط، يُقَال: أقسط إِذا عدل، وقسط إِذا ظلم، فَكَأَن الْهمزَة فِيهِ للسلب، كَمَا يُقَال: شكا إِلَيْهِ فأشكاه. قَوْله: (فيكسر الصَّلِيب) ، الْفَاء فِيهِ تفصيلية لقَوْله حكما مقسطا، وويرى: حكما عدلا، قَالَ الطَّيِّبِيّ: يُرِيد بقوله: يكسر الصَّلِيب إبِْطَال النَّصْرَانِيَّة وَالْحكم بشرع الْإِسْلَام. وَفِي (التَّوْضِيح) : يكسر الصَّلِيب، أَي: بعد قتل أَهله. قلت: فتح لي هُنَا معنى من الْفَيْض الإلهي، وَهُوَ: أَن المُرَاد من كسر الصَّلِيب إِظْهَار كذب النَّصَارَى حَيْثُ ادعوا أَن الْيَهُود صلبوا عِيسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، على خشب، فَأخْبر الله تَعَالَى فِي كِتَابه الْعَزِيز بكذبهم وافترائهم، فَقَالَ: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صلبوه لَكِن شبه لَهُم} (النِّسَاء: ٧٥١) . وَذَلِكَ أَنهم لما نصبوا لَهُ خَشَبَة ليصلبوا عَلَيْهَا، ألْقى الله تَعَالَى شبه عِيسَى على الَّذِي دلهم عَلَيْهِ، واسْمه: يهوذا، وصلبوه مَكَانَهُ، وهم يظنون أَنه عِيسَى، وَرفع الله عِيسَى إِلَى السَّمَاء، ثمَّ تسلطوا على أَصْحَابه بِالْقَتْلِ والصلب وَالْحَبْس حَتَّى بلغ أَمرهم إِلَى صَاحب الرّوم، فَقيل لَهُ: إِن الْيَهُود قد تسلطوا على أَصْحَاب رجل كَانَ يذكر لَهُم أَنه رَسُول الله، وَكَانَ يحيي الْمَوْتَى ويبرىء الأكمه والأبرص وَيفْعل الْعَجَائِب، فعدوا عَلَيْهِ وقتلوه وصلبوه، فَأرْسل إِلَى المصلوب فَوضع عَن جذعه وَجِيء بالجذع الَّذِي صلب عَلَيْهِ فَعَظمهُ، صَاحب الرّوم وَجعلُوا مِنْهُ صلبانا، فَمن ثمَّ عظمت النَّصَارَى الصلبان، وَمن ذَلِك الْوَقْت دخل دين النَّصْرَانِيَّة فِي الرّوم، ثمَّ يكون كسر عِيسَى الصَّلِيب حِين ينزل إِشَارَة إِلَى كذبهمْ فِي دَعوَاهُم أَنه قتل وصلب، وَإِلَى بطلَان دينهم، وَأَن الدّين الْحق هُوَ الدّين الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ، وَهُوَ دين الْإِسْلَام دين مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي هُوَ نزل لإظهاره وَإِبْطَال بَقِيَّة الْأَدْيَان بقتل النَّصَارَى وَالْيَهُود وَكسر الْأَصْنَام، وَقتل الْخِنْزِير وَغير ذَلِك. قَوْله: (وَيقتل الْخِنْزِير) ، قَالَ الطَّيِّبِيّ: وَمعنى قتل الْخِنْزِير تَحْرِيم اقتنائه وَأكله، وَإِبَاحَة قَتله. وَفِيه بَيَان أَن أعيانها نَجِسَة، لِأَن عِيسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، إِنَّمَا يَقْتُلهَا على حكم شرع الْإِسْلَام وَالشَّيْء الطَّاهِر المنتفع بِهِ لَا يُبَاح إِتْلَافه. انْتهى. وَقيل: يحْتَمل أَنه لتضعيف أهل الْكفْر عِنْدَمَا يُرِيد قِتَالهمْ، وَيحْتَمل أَنه يقْتله بَعْدَمَا يقتلهُمْ. قَوْله: (وَيَضَع الْجِزْيَة) ، وَقد مر تَفْسِيره فِي أول الْبَاب. قَوْله: (وَيفِيض المَال) ، أَي: يكثر ويتسع، من فاض المَاء إِذا سَالَ وارتفع، وَضَبطه الدمياطي بِالنّصب عطفا على مَا قبله من المنصوبات، وَقَالَ ابْن التِّين: إعرابه بِالضَّمِّ لِأَنَّهُ كَلَام مُسْتَأْنف غير مَعْطُوف لِأَنَّهُ لَيْسَ من فعل عِيسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام. قَوْله: (حَتَّى لَا يقبله أحد) ، لكثرته واستغناء كل وَاحِد بِمَا فِي يَده، وَيُقَال: يكثر المَال حَتَّى يفضل مِنْهُ بأيدي ملاكه مَا لَا حَاجَة لَهُم بِهِ فيدور وَاحِد مِنْهُم على من يقبل شَيْئا مِنْهُ فَلَا يجده.

وَمِمَّا يُسْتَفَاد من الحَدِيث مَا فِيهِ: قَالَه ابْن بطال دَلِيل على أَن الْخِنْزِير حرَام فِي شَرِيعَة عِيسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَقَتله لَهُ تَكْذِيب

<<  <  ج: ص:  >  >>